(احتفالا بالذكرى السنوية الـ50 لإرسال البعثة الطبية إلى موريتانيا)
يعتبر اليوم بنفس التاريخ قبل ٥٠ عاما يوما لا ينسى في ذاكرة العلاقات الصينية الموريتانية، إن الدفعة الأولى من البعثات الطبية الصينية وصلت إلى موريتانيا11 أبريل/نيسان 1968 حيث فتحت صفحة هامة للتعاون الصيني الموريتاني، وإلى يومنا هذا قد أرسلت الصين إلى موريتانيا الشقيقة 32 دفعة من البعثات الطبية التي تشمل 833 طبيباً صينياً.
قد شهد الزمان المستمر لنصف القرن وراثة الصداقة الصينية الموريتانية جيلا بعد جيل لا يخاف من الصعوبات ويستحلي المساهمة في علاج الجرحى وإنقاذهم من شفا الموت، ويعطي عناية رقيقة لهم دون التمييز، وهؤلاء الأطباء الصينيون يضحون بأيامهم الجميلة حتى حياتهم الثمينة لتحسين الظروف الطبية الموريتانية والارتقاء بالمستوى الصحي للشعب الموريتاني وتعزيز الصداقة العميقة بين الشعبين الصديقين من ما يترك كثيرا من القصص المؤثرة.
وتعكس تماما 50 سنة من التاريخ للبعثة الطبية الصينية في موريتانيا أن الشعب الصيني والشعب الموريتاني هما شريكان للتعاون المتبادل المنفعة وصديقان في السراء والضراء وأخوان حقيقيان مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية والمحلية.
إن البعثة الطبية الصينية لديها تاريخ طويل وتغطي أقساما عديدة بما فيها قسم الطب الباطني وقسم الجراحة وقسم طب العيون وقسم الأطفال وقسم النساء والولادة وقسم الطب الصيني وقسم الوقاية والتحكم في الأمراض وغيرها من الأقسام. ومن نواكشوط إلى سيلبابي ومن كيفة إلى النعمة، تظهر بصمات الأقدام للبعثة الصينية في كل أنحاء موريتانيا.
أنا شخصيا سعمت كثيرا من القصص عن الأطباء الصينيين في علاج الجرحى وإنقاذهم من الموت من قبل حكاية كبار المسؤولين الموريتانيين والطبقة العامة منذ توليت منصب السفير الصيني لدى موريتانيا قبل سنة، في يوليو/تموز الماضي، زرت فرع كيفة للبعثة الطبية الصينية، وأصابتنى الظروف البيئية المحلية القاسية، من ما أثرت فينا روح أعضائها المتفائلة لمواجهة التحديات والمكافحة ضدها. فضلا عن ذلك، جاءتني عجوزة خلال "رحلة الإضاءة" لعلاج أمراض العيون "الساد" مجانيا في نوفمبر الماضي للبحث عن "الدكتور لي" الذي سبق له أن عالج مرضها قبل 50 سنة.
إن الجانب الصيني قد أسس أول معهد صيني إفريقي لدراسة الصحة العامة و مركز التعاون الصيني الإفريقي الوحيد لطب العيون في أفريقيا التي قد قام الجانب الصيني فيها بحملة "رحلة الإضاءة" لعلاج أمراض العيون "الساد" مجانيا ثلاث مرات، وخلال أول حملة من نوعها كان الجانب الصيني منح للمركز المواد والمعدات الطبية البالغة قيمتها4 ملايين يوان رنميبي وتم قبول 30000 جريح منذ تأسيسه، وجرت فيها أكثر من 200 عملية جراحية مجانية لعلاج "الساد" لكل حملة من "رحلة الإضاءة".
علاوة على ذلك، قد ساعدت الصين موريتانيا وستساعدها على بناء عديد من البنية التحتية بما فيها مستشفى الصداقة ومستشفى كيفة ومبنى العيادة للأمراض المعدية ومركز الاستطباب الوطني، كما منحها الجانب الصيني كمية هائلة من المعدات الطبية والأدوية و ساعدها على تدريب الأطباء المحليين والارتقاء بقدرتها الطبية الذاتية عبر بناء مبنى معهد الطب لجامعة نواكشوط وتكوين الأفراد في الصين.
خلال السنوات الـ50 الماضية كان تبتعد الأجيال المتعاقبة دون تردد من أطباء البعثة عن الوطن الأم وأهاليهم وأصدقائهم بدون شكوى من أجل تقديم المساعدات الطبية، لقد ضحي بعضهم بالحياة في الطوارئ خلال فترة خدمتهم، ولم يرجع بعضهم إلى الصين لزيارة الأهالي منذ السنوات المتتالية، وأخذ بعضهم المهام من أيدي آبائهم، واصطحب بعضهم القرين والقرينة ليشتغلوا معا هنا، وخدم بعضهم أكثر من فترة واحدة في موريتانيا الصديقة، لذا أود أن أنتهز هذه الفرصة نيابة عن سفارة الصين لدى موريتانيا لأقدم للدفعة الثانية والثلاثين من البعثة الطبية الصينية وافر التقدير والاحترام.
وحصلت البعثة الطبية الصينية على رعاية سامية من قبل كلا القيادتين الصينية والموريتانية ودعم كبير من قبل الحكومتين، ففي سبتمبر2015، قام فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالزيارة الرسمية للصين وتوصل مع فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى سلسلة من الاتفاقات الهامة في توطيد التعاون الصحي ومواصلة إرسال البعثة الطبية الصينية وتقديم المواد الطبية لموريتانيا.
وفي ديسمبر نفس السنة، طرح فخامة الرئيس شي جين بينغ الخطط العشر الكبرى للتعاون الصيني الأفريقي التي تشمل الخطة في المجال الصحي خلال قمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، وهو أكد فيها أن الصين ستواصل إرسال البعثة الطبية إلى إفريقيا وتقديم المساعدات الطبية بما فيها "رحلة الإضاءة"، وذلك فتح أفاقًا أوسع لتعزيز التعاون الصحي بين البلدين.
وكذلك قابل فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وغيره من المسوؤلين الموريتايين رفيعي المستوى أعضاء البعثات الطبية ومنحوا وسام الاستحقاق للجماعة والفرد، فاسمحوا لي أن أقدم لكم ولجميع الأصدقاء الموريتانيين في مختلف القطاعات الذين يعطون عناية ودعما للتعاون الصحي الصيني الموريتاني بخالص الشكر من صميم القلب.
بمناسبة الاحتفال بذكرى السنوية الـ50 منذ أرسلت الصين إلى موريتانيا أول دفعة من البعثة الطبية، سنقوم بسلسلة من النشاطات التذكارية مع الجانب الموريتاني.
في الأسبوع الماضي، زرنا مدينة بوكى وأجرينا فيها عملية العلاج المجانية للمحليين بنجاح كامل. وتحدونى الثقة بأن البعثة الطبية الصينية ستستثمر هذه الفرصة لزيادة تنفيذ الاتفاقات المعنية التي توصل إليها الرئيسان الصيني والموريتاني وتقديم مساهمة جديدة من أجل تحسين المستوى الصحي للشعب الموريتاني وتطوير القضية الصحية الموريتانية وتحفيز التعاون الصحي الصيني الموريتاني وتعميق الصداقة الصينية الموريتانية.
ففي الوضع العام المتمثل في دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية إلى العصر الجديد، سيواصل الجانب الصيني جهوده في وراثة وتطوير الصداقة التقليدية الصينية والموريتانية، ويتمسك بالمفهوم الصحيح عن الأخلاق والمصالح ومفهوم التعاون المتمثل في الإخلاص والنتائج العملية والتقارب وحسن النية تجاه الدول الإفريقية، كما سيعمل الجانب الصيني مع الجانب الموريتاني يدا بيد في تعميق التعاون العملي في مختلف المجالات بما فيها المجال الصحي والطبي، مما يدفع العلاقات الصينية الموريتانية إلى الدرجة العليا ويقدم أكبر مساهمة في تشكيل مجتمع مصير مشترك للبشرية.