تخلد بلادنا اليوم 03 مايو2018 ذكرى العيد الدولي لحرية الصحافة، وهي مناسبة لاستعراض وضعية الصحافة، الإخفاقات والنجاحات، وخاصة الصحافة الالكترونية التي أصبحت تلعب الدور الطلائعي في المشهد الصحفي الموريتاني.
وقد اتسم هذا العام بتراجع موريتانيا في المحافظة على ترتيبها في مؤشر حرية الصحافة، حسب تقرير مراسلون بلا حدود لسنة 2017 ، وبغض النظر عن مبررات ذلك، إلا أنه يعتبر إنذارا واضحا على وجود اختلالات قد تؤدى إلى تدمير المكتسبات التي حققتها بلادنا في السنوات الماضية.
تمر هذه الذكرى الكبيرة على الصحافة الوطنية دون أن تثير أي انتباه رسمي، ودون الزخم الذي كثيرا ما لاقته ذكرى الثالث مايو في السنوات الماضية، فالأزمات الخانقة التي تعيشها المؤسسات الصحفية وانسداد الأفق أمام الصحفيين نتيجة التمييع، كلها عوامل أدت إلى موجة من الركود المهني ألقت بظلالها على كل شيء.
ولم تستطع النداءات المتكررة، ولا المبادرات و الندوات والورشات التي تم فيها تشخيص الواقع الصحفي ووضع الحلول لما يعاني منه، في إيقاف التدهور المتزايد الذي تعانيه صاحبة الجلالة، التي استبيح حريمها وانتهكت قدسيتها، حتى سامها كل مفلس.
ورغم الدور البارز الذي تلعبه الصحافة الالكترونية في توجيه الرأي العام، من خلال السرعة في إيصال المعلومة والتفاعل معها، غير أن معول الهدم لعب دوره في القضاء على تلك المكتسبات، من خلال التناسل المتسارع للمواقع ودون قيود تذكر، فلم يعد التنافس على الكيف ولا على جودة المنتوج الصحفي، بقدر ما يتم عن طريق "المقروئية" إلى الحد الذي عمد فيه البعض إلى شراء قراء وهميين من أجل تصدر قائمة المواقع في موقع "موريتانيا الآن" التي أصبحت للأسف محطة "لتبيض" المواقع، وهو ما تضررت منه المؤسسات الصحفية العريقة التي باتت تتصدر ذيل القائمة.
وقد تفاقم الوضع أكثر عندما تلاشى الدعم وحرمت الصحافة من الإعلانات، ولم يبق أمامها من فرص للتمويل إلا الاسترزاق، حيث اختفت المادة الصحفية الرزينة في أغلب الأحيان، و انتشرت الكتابة تحت الطلب من خلال التلميع والقدح، حسب درجة العطاء والمنع.
كما أدى غياب معايير واضحة في توزيع صندوق الدعم الهزيل والبالغ 200 مليون أوقية، إلى تحويله إلى صدقات تمنحها لجنة الدعم، حسب المزاج، ودون اعتبار للمؤسسية، وهو ما أدى إلى ردات فعل قوية، كادت تقضى على ما تبقى من المشهد الإعلامي الذي يقف على حافة الانهيار، إن لم يكن قد انهار.
لقد تراجعت المؤسسية وبالتالي المهنية، فانهارت أغلب المؤسسات الصحفية نتيجة انعدام موارد رئيسية تضمن الاستمرارية، وأصبح التنافس في المواقع الالكترونية على الإثارة للحصول على موارد كأقل تقدير، بعد تلاشت الموارد العمومية.
وللتمكن من الحصول على موارد أكثر فتحت مساحات في بعض وسائل "الإعلام" الالكتروني لمدح الأشخاص وقدحهم، مما أنتج مادة "صحفية هزيلة"، ورسم صورة سيئة عن القطاع والعاملين فيه.. فلم يعد لما يكتب من معني، ولا لـ"الصحفي" العامل من قدسية، ليختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين.. وكأن الحرية هي وحدها ما يحتاجه الإعلام للقيام برسالته المقدسة القائمة على حق الولوج للمعلومة وإيصالها للرأي العام، واحترام الخصوصيات الفردية، والفصل بين التحرير والإعلان..
وهي مبادئ لا يمكن لها أن تتحقق ما لم يكن للدولة حضور لضمان الحقوق التي نص عليها الدستور الموريتاني، والتي لا يمكن أن تتوفر ما لم يكن هناك تمويل عمومي يمنع من استغلال تلك المؤسسات والانحراف بها عن رسالتها المقدسة، فصاحب الحاجة أعمى، خاصة إذا كان مجرد هاو ليس له من الصحافة أو الإعلام إلا الاسم.
لقد عمد اتحاد المواقع الالكترونية الموريتانية منذ نشأته إلى دق ناقوس الخطر، حيث نظم ندوة كبرى إبان نشأته عن "المواقع الالكترونية بين الهواية والاحتراف" سلط فيها الضوء على وضعية الصحافة الالكترونية، وبعدها قام بصياغة مشروع ميثاق مهني يتماشى والمواثيق الدولية للصحافة.
وكان للاتحاد دوره البارز في ترسيخ الحرية والدفاع عن الصحفيين، ومساعدتهم لتجاوز العراقيل التي يتعرضون لها في عملهم، من خلال التدخل المباشر أو غير المباشر، حاثا أعضاءه على توخي الدقة فيما ينشر والابتعاد عن ما يخدش المهنة وقدسيتها.
وأشفعت تلك الجهود بالبحث عن القيام بدراسة عن خارطة المواقع الصحفية وطبيعة القائمين عليها من أجل الحصول على احتياجات القطاع الفنية والمهنية والمالية.
إن الوقت يمر بسرعة أكبر مما نتصور، فالمواقع تتكاثر والإجراءات الإدارية لدى السلطات العمومية لإنقاذه بطيئة للغاية، فالمؤسسات الصحفية تعاني ولم يعد يوجد اعتبار لأي ميثاق أخلاقي، وكأن الدولة قد تخلت عن مسؤوليتها وتركت الحبل على الغارب، وفتحت الباب على مصراعيه لكل من هب ودب لتملك الوسيلة التي يريد والحصول على الموارد بالطريقة التي تحلو له، فيما يشبه نوعا من التواطؤ لقتل الصحافة وتشويه صورتها لدى الرأي.
فبالإضافة إلى شح الموارد، يعاني الصحفيون من حجب المعلومات، وعرقلة نشاطاتهم من خلال مضايقتهم في جريهم للبحث عن الخبر، وتمت مصادرة وسائلهم الصحفية من آلات تصوير وتسجيل، بل وتوقيفهم هم أنفسهم، وهي إجراءات قد تقف مانعا أمام تقدم موريتانيا في مؤشر حرية الصحافة.
كما تم تمييع الهيئات الصحفية من خلال إغراقها بعشرات التراخيص، وإفراغها من محتواها، وهو ما يعمق الشرخ أكثر ويفتح باب الفوضى الخلاقة على مصراعيه.
توصيات لم تطبق بعد:
لا تخف السلطات الرسمية امتعاضها من الحال الذي وصله الإعلام في موريتانيا ومن حالة التمزق التي يعاني منها، ورغم ذلك فقد ظلت توصيات الأيام التشاورية 11 – 12 – 13 - 14 يوليو 2016 ، حبرا على ورق.
هذه الأيام التي شارك فيها جميع الفاعلين في القطاع الصحفي، وكان النقاش الدائر داخل الورشات نقاشا جادا وفعالا، أسفر عن صياغة توصيات في كافة جوانب العمل الإعلامي، لكن جرت الرياح بما لم تشتهيه سفن هؤلاء، فلم تر تلك التوصيات النور، بل إنها بقت حبرا على ورق لتنضاف للإرتكاسات التي عاناها هذا القطاع.
ورغم ما يعانيه القطاع ، فقد ظل يلعب دورا بارزا في حق الولوج للمعلومة وتمكين المواطنين من الاطلاع على ما يدور، وإنجاز أعمال صحفية رائدة كان لها تأثيرها القوي في الرأي العام، وربما كانت أكثر جدية وعمقا لو أنها جاءت في وضع طبيعي.
ولا يفوت الاتحاد بأن ينوه بجو الحرية الذي تشهده بلادنا والذي جعل موريتانيا تتبوأ المرتبة الأولي عربيا، والتنويه بقانون الإشهار الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان ووقعه رئيس الجمهورية.
وعليه فإن الاتحاد يدعوا السلطات العمومية إلى التعامل بجدية مع معاناة هذا القطاع من خلال:
- المساعدة في البحث عن حلول لها.
- تفعيل قانون الاشهار الذي تمت المصادقة عليه والتي نرى أنها قد تساهم في التخفيف من الأزمة
- الرجوع عن التعميم الذي يفرض على المؤسسات والهيئات العمومية منع وسائل الإعلام المستقل من الاستفادة من الإعلان والدعم العمومي.
- البدء في تنفيذ توصيات الأيام التشاورية حول إصلاح قطاع الصحافة.
- الدعوة إلى تفعيل الهابا التي لم يعد لها من دور سوى استنزاف موارد الدولة، دون أن يكون لها أي دور يذكر.
- يدعو الزملاء إلى احترام الميثاق المهني للاتحاد، والابتعاد عن مايشوه المهنة الصحفية ويسلبها قدسيتها كسلطة رابعة.
- البحث عن معيار مهني وموضوعي، مجمع عليه، لتقييم وترتيب المؤسسات الإعلامية الإلكترونية
- الابتعاد عن استغلال وسائل الإعلام للقضاء على روح الزمالة التي تعتبر مصدر القوة الوحيد لحماية المهنة الصحفية.
ويؤكد الاتحاد حرصه على أن يلعب دوره بكل مهنية، ويمد اليد للتعاون مع السلطات العمومية لبناء صحافة الكترونية قوية وقادرة على تعزيز الديمقراطية ودولة القانون. راجيا لجميع الزملاء عيدا سعيدا وسنة جديدة تتحقق فيها جميع الآمال، من أجل مؤسسات صحفية قوية تضمن حقوق العاملين فيها وتؤدى دورها بكل كفاءة ومهنية.