الأخبار (نواكشوط) – أعاد تلميح وزير الاقتصاد والمالي، وتصريح وزير العدل حول تعديل الدستور الموريتاني، وخصوصا المواد الجامدة منه، والمتعلقة بعدد المأموريات السياسية، أعاد الجدل إلى الساحة السياسية حول الدستور، ومدى إمكانية تحديده، وكذا حول المستقبل السياسي لموريتانيا ما بعد نهاية المأمورية الحالية للرئيس محمد ولد عبد العزيز في النصف الأول من العام 2019.
ومع أن هذه التصريحات كانت محل احتجاج واسع واقعيا وافتراضيا، بدأ من قبة البرلمان إلى التظاهر أمام وزارة العدل، مرورا بإصدار بيانات من الهيئات السياسية المعارضة، إلى تفاعل كبير – منتقد في أغلبه – على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي كشفت جانبا من نقاش يجري خلف الكواليس عن خيارات عديدة تتم دراستها للحسم بينها، حول الطريقة التي يمكن أن يتم بها تغيير الدستور، فيما تقف أمام هذه التعديل عدة عقبات داخلية وخارجية، تستعرض صحيفة "الأخبار إنفو" في عددها اليوم أبرز السناريوهات، وكذا أكبر العقبات التي يمكن أن تقف في وجه تعديل الدستور، وتغيير المأموريات الرئاسية في البلاد تحديدا.
وتؤكد مصادر سياسية لصحيفة "الأخبار إنفو" أن النقاش داخل الكتلة الصلبة للنظام الموريتاني يتركز حول ثلاث سناريوهات رئيسية لتغيير الدستور، هي، سناريو "إعادة التأسيس"، وسناريو التوافق السياسي الشامل، فضلا عن السناريو التقليدي والذي تم لبعض مواد الدستور في العام 2012.
إعادة التأسيس
بدأ الحديث عن خيار إعادة تأسيس البلاد منذ عدة سنوات، وأطلقت قيادات في الحزب الحاكم على رأسها رئيس الحزب سيد محمد ولد محم على الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز "الرئيس المؤسس"، وهو لقب وإن كان يتوجه إلى تأسيسه للحزب في العام 2009 إلا أن مدلوله يتجاوز تأسيس الحزب إلى تأسيس جمهورية جديدة، أو إعادة تأسيس البلاد وفق رؤية جديدة، تنسف الدستور الحالي، وتعيد كتابة دستور جديد عبر هيئة تأسيسية يتم اختيارها من الشعب.
ويدعم عدد من قيادات الكتلة الصلبة هذا الخيار، معتبرين أن بإمكانه الاستفادة من المطالبة بإعادة التأسيس من طرف العديد من القيادات السياسية والحقوقية، وخصوصا في أوساط الزنوج والحراطين، وكذا الحديث المتزايد عن اختلالات في أسس الدولة الموريتانية الحالية، والتي تم إقرارها قبل حوالي 60 سنة في مؤتمر سياسي عقد في ألاكـ.
ويرى هؤلاء أن هذا الخيار هو الأفضل للتمديد للرئيس محمد ولد عبد العزيز لمأمورية – وربما مأموريتين – جديدة، وذلك بإلغاء الأساس الذي على أساسه تم تحديد عدد هذه المأموريات، عبر تشاور جماهيري واسع، ومنتديات يمثل فيها جميع الراغبين من الشعب الموريتاني، وخصوصا سكان الولايات الداخلية، وممثلي المجتمع المدني، وكل الهيئات المعبرة عن عموم الشعب.
ويمكن حسم هذا الخيار – عبر الشعب بشكل مباشر – دون التوصل إلى توافق سياسي، لأن مشاركة عموم الشعب ستفضي شرعية على الخيار، وخصوصا في حال تم حسم نتائج عمل هذه الجمعية التأسيسية عبر استفتاء شعبي، وكانت نتائجها تحمل تجاوبا مع مطالب حركات حقوقية ونقابية سبق وأن كشفت عنها عبر بياناتها ورسائلها المطالبة بإعادة التأسيس.
ويتيح هذا الخيار – حسب أنصاره – للنظام القدرة على التحكم في تفاصيل الدستور الجديد، ونوعية إعادة التأسيس، حيث ستكون لممثليه اليد الطولى في المنتديات التعلقة بالموضوع، وفي المهرجانات المحضرة له في الداخل.
التوافق السياسي
وهو أحد المبررات التي اعتمدها المجلس الدستوري الموريتاني في العام 2009 لتجاوز مواد تفصيلية في الدستور، وذلك بناء على اجتهاد قانوني يجعل التوافق أعلى من القوانين لأنه انعكاس لإرادة الأمة التي هي مصدر هذه القوانيين.
ويشكل التوافق السياسي الخيار الثاني لتغيير الدستور الموريتاني، وذلك عبر اتفاق كل الأطراف السياسية على إدخال تعديلات عليه، تتبادل خلالها الأطراف السياسية التنازل عن المطالب، والمحاذير، مقابل الوصول إلى أرضية مشتركة.
وتعيش الساحة السياسية في موريتانيا منذ سنوات على دعوات للحوار، وتحضيرات لها لا تتقدم إلا لتنتكس، وتتدافع الأطراف السياسية المسؤولة عن توقيفه، حيث ترى الأغلبية أن بعض أطراف المعارضة لا تريد الحوار ولا ترغب فيه، وهمه الوحيد هو عرقلة مساعي التوافق، والحديث عن أزمة سياسية جزء كبير يعود لعدميته، ورفضه للتفاعل مع التطورات التي تعرفها البلاد، في حين ترى المعارضة أن الحكومة غير جادة في إجراء حوار سياسي جدي، وإنما تريد لعبة تكسب من خلالها تهدئة للأوضاع، وصورة لحوار شكلي تتفاخر بها أمام الأطراف الدولية.
ويشكل الوقت عامل ضغط من الطرفين إذ يستغله كل طرف ضد الطرف الآخر، حيث تتصاعد تحضيرات الحوار قبل كل استحقاق انتخابي، ويصل الطرفان لمرحلة متقدمة من التحضير قبل أن تعود القضية للمربع الأول، وهو ما كان يشكل ضغطا على المعارضة، أدى بأغلب أحزابها لمقاطعة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، بلدية، وتشيريعية ورئاسية، غير أن تقدم المأمورية الثانية سيجعل النظام يدخل معها تحت ضغط عامل الوقت، إن لم تنجح المعارضة في التخلص من ضغطه بشكل كلي، وكسبه كأداة مسلطة على رقبة النظام لتقديم تنازلات للتوافق قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
التعديل التقليدي
أما السناريو الثالث فهو التعديل التقليدي، وهو الذي خصص له الباب الحادي عشر من الدستور الموريتاني، ومنح حق مراجعته للرئيس وأعضاء البرلمان، لكنه أكد أنه "لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث (3/1) أعضاء إحدى الغرفتين"، كما أنه "لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء".
لكن نفس المادة تمنع "الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا".
ويعتمد داعمو هذا المقترح على سهولة تمريره من خلال الاستفتاء الشعبي، ويرون أن الدعوات التي انطلقت منذ بداية المأمورية الثانية بضرورة تغيير الدستور، ومنح الرئيس مأمورية ثالثة، وعمليات جمع التوقيعات على ذلك كلها مؤشرات على إمكانية تمرير هذا التعديل كل سهولة.
ورغم أن القسم الدستوري الوارد في المادة 29 يحظر على الرئيس أن يتخذ "بشكل مباشر أو غير مباشر" "أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور"، إلا أنه لم يحظر اتخاذ هذه المبادرة من أشخاص آخرين من الداعمين له.
عقبات أمام التعديل
وتقف أمام تعديل الدستور عدة عقبات داخلية، وخارجية، لعل أبرز هذه العقبات:
- القسم الدستوري: حيث يقول نصه – كما في المادة 29 من الدستور: "أقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور"، وكذا صراحة المادتين المحال إليهما في هذا المادة، حيث تقول المادة: 26 "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر"، وتقول المادة: 28 "يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة".
ويرى الخبير القانوني والمحامي محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم أن هذا القسم الذي تم "أمام المجلس الدستوري وبحضور جمع غـفـيـر من الموريتانيين والأجانب، وتمت أرشفته بالصوت والصورة، يجعل من حق جميع الموريتانيين أن يطمئنوا إلى أن رئيسهم سيلتزم بمقتضى قسمه وأن الفترة ستكون ولايته الأخيرة في الحكم".
ويشير محمد سيدي عبد الرحمن في تصريحات للأخبار إلى أنه "قبل هذا القسم بشهر واحد - وبعد يمينه في مستهل الفترة الرئاسية الأولى الذي أداه يوم 5 أغشت 2009 - سئل السيد محمد ولد عبد العزيز، عما إذا كان سيبرح القصر عند انتهاء مأموريته الثانية والأخيرة فرد قائلا: لقد أقسمت على ذلك.. ووثق التصريح في مقابلة مع قناة Africa 24 بثت بتاريخ 29/06/2014".
ويرى الخبير القانوني أنه إذا كان الدستور قد حظر على الرئيس دعم أي مبادرة تسعى – بشكل مباشر أو غير مباشر – لتغيير مواد الدستور المتعلقة بالمأمورية، فإن من الأحرى أن يسكت على استفادته منها.
الاعتراض الخارجي
كما يشكل الاعتراض الدولي على تعديل الدساتير في إفريقيا أحد العقبات أمام تعديل الدستور، وخصوصا الاعتراض الصريح من العملاقين الفاعلين في إفريقيا فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية.
فقد صرح الرئيس الفرنسي افرانسو هولاند العام الماضي بأنه على الرؤساء الأفارقة احترام دساتير بلادهم، والتخلي عن فكرة تعديلها، وكان الرئيس الأمريكي أكثر صراحة في حديثه أمام القادة الأفارقة، حيث أكد أنه الآن في مأموريته الثانية على رئاسة الولاية المتحدة الأمريكية، وأن عليه مع نهايته أن يغادر لأن ذلك هو القانون.
ورأى أوباما أن تعديل الدساتير وتجاوز القانون يعني انعدام الاستقرار مقدما مثالا على ذلك بما وقع في بورندي.
تهديد الاستقرار
الرئيسان الأمريكي والفرنسي اتفقا على أن تعديل الدساتير للتمديد للرؤساء في إفريقيا يعني تهديد استقرار هذه البلدان، مطالبين الرؤساء باحترام الدساتير ومغادرة السلطة عند نهاية مأمورياتهم الأخيرة.
وصبت التصريحات الغربية في هذا الاتجاه أن تجاوز الدساتير يعني فتح الباب أمام العديد من الأمور التي يمكن أن تهدد استقرار الدول، سواء بالانتفاضات الشعبية كما وقع في بعض البلدان، أو بالمحاولات الانقلابية كما وقع في أخرى.
مطلب شعبي
وأثناء وضع اللمسات الأخيرة على هذا الموضوع كان الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ يتحدث أمام الإعلاميين في مقر وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني مؤكدا أن تغيير الدستور يشكل "مطلبا شعبيا".
ورأى ولد الشيخ أن وزيري العدل والمالية لم يغيرا الدستور وإنما تحدثا عن أن الرئيس يستحق ثلاث أو أربع مأموريات، مشيرا إلى أن تعديل الدستور يمثل قناعة شخصية لديهم "بل هو قناعة ومطلب لدى فئات واسعة من الشعب الموريتاني".
وأكد ولد الشيخ – خلال حديثه في مؤتمر صحفي عقب انتهاء اجتماع استثنائي للحكومة – أن إرادة الشعب فوق الدستور، وإن طلب تعديل الدستور ليس من الممنوعات وللوزراء الحق في أن يطالبوا بالتعديل حتى يسمح للرئيس بأكثر من مأموريتين رئاسيتين، واصفا هذا الطلب بأنه يحقق إرادة لدى الشعب الموريتاني.