الأخبار (نواكشوط) – في النصف الأخير من العام 2008، وحين كان جميع الموريتانيين منشغلين بمتابعة التطورات السياسية التي ترتبت على الانقلاب الذي عرفته في السادس من أغسطس، وبالأخص طبقتها السياسية.
كان الرئيس القائم بانقلاب لتوه يسعى بكل جهده لفرض الاعتراف بهذا الواقع الجديد، فيما كانت المعارضة تتشكل وتتظاهر في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، أما المواطنون فكانت أيديهم على قلوبهم خوفا من مستقبل لا يتمنونه لبلدهم.
في هذه الظروف، وتحديدا في فاتح نوفمبر 2008 وصل بريد “الأخبار” رسالة من “أحد ما” في “مكان ما” تقدم معطيات خطيرة –وتبين لاحقا أنها غالبيتها دقيقة –وتتحدث عن علاقات مشبوهة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مع شخصيات وشبكات ناشطة في مجال تهريب المخدرات، وبالأخص الشبكات الناشطة بين أمريكا الشمالية إلى إفريقيا ومنها إلى أوربا.
تتحدث الرسالة عن لقاء جمع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز –في هذه الظروف – مع شخصية يصفها بالمهمة، مع أن اسمها لم يكن متداولا على الساحة الموريتانية سواء إعلاميا أو سياسيا، وتسمى هذه الشخصية “حمادي ولد بشراي".
تؤكد الرسالة القادمة من هناك أن اللقاء تناول عدة نقاط “تهم الطرفين”، معتبرا أن من أهم النقاط التي تناولها اللقاء قضية إطلاق سراح ابن أخي حمادي ولد بشراي والموقوف في موريتانيا بتهم تتعلق بالمخدرات، مضيفا أن الشاب سيستعيد حريته بكل تأكيد خلال أيام قليلة.
وأضافت الرسالة أن رئيس المجلس الأعلى للدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز أصدر أوامر إلى المدعي العام حينها باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإطلاق سراح الشاب المعتقل.
"الأخبار – إنفو" تأكدت حينها من إطلاق سراح الشاب بعد ذلك بفترة لا تتعدى ثلاثة أيام، ومن قبل غرفة الاتهام في محكمة الاستئناف في حادثة لا تتكرر كثيرا في القضاء الموريتاني. حسب متابعين له.
وقد تم الاتفاق على عملية تبادل مصالح خلال اللقاء الذي جرى في فاتح نوفمبر، حيث تعهد ولد بشراي بالسعي لتسويق النظام الجديد في الأوساط الإفريقية والأوربية التي تربطه به علاقة، والمساهمة في فك العزلة التي يفرضها الاتحاد الإفريقي وخلفه المجتمع الدولي.
في حين تعهد ولد عبد العزيز بإطلاق سراح الشاب المعتقل بتهم تتعلق بالمخدرات، إضافة لتقديم موريتانيا لخدمات أخرى يحتاجها ولد بشراي هناك في مقامه في غينيا بيساو، خصوصا بعد إلغاء القنصلية الشرفية التي كانت ممنوحة له في غينيا بيساو، وقد عينته موريتانيا قنصلا لها هناك.
مزيد من التحري…
ومع المؤشرات –إن لم تكن الأدلة – الموجودة في هذه الرسالة فإن “طبيعة الملف”، وضرورة التحري وتدعيم هذه المعطيات ظلت تدحرجه عند كل نقاش داخل “تحرير الأخبار” عن الملفات والتحقيقات الصحفية التي دأبت “الأخبار” على إنجازها.
كان هذا الملف “ينال حظه من النقاش كل مرة”، وتصحبه بشكل دائم ملاحظة دائمة، “دعوا هذا الملف لمزيد من البحث والتحري، فقد تظهر مؤشرات أو أدلة جديدة في أي لحظة، وقد تصل رسالة إلى البريد بها مزيد من التفاصيل والأحداث”.
رسالة جديدة…
يوم 13 ديسمبر 2010 كان بريد “الأخبار” على موعد جديد مع رسالة جديدة، حملت هي الأخرى معطيات جديدة، توقعت أن تحصل خلال اليومين المقبلين، وهو ما حدث بالضبط كما وصفت الرسالة.
قالت الرسالة إن قائد أركان الجيش البيساو غيني آنتونيو إنجاي سيزور موريتانيا خلال اليومين المقبلين، وسيلتقي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كما أن الضيف البيساو غيني سيزور مدينة نواذيبو الساحلية.
وأضافت الرسالة أن الجنرال البيساو غيني سيبحث مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ملفات تتعلق بقضايا المخدرات، وخصوصا الشبكة المعتقلة في موريتانيا، والمتهمة بالضلوع في تجارة المخدرات، والتي من بين أعضائها فرنسي يسمى أميكان أريك ولتير إلى جانب 42 موزعين على عدة لوائح، وقد استفاد 13 شخصا منهم من قرار يقول إنه “لا وجه للمتابعة”، وتم استئناف القرار ضد ثلاثة منهم.
وفي الخامس عشر من شهر ديسمبر كان قائد أركان الجيش البيساو غيني في نواكشوط، التقى الرئيس الموريتاني وقائد أركان الجيش الموريتاني محمد ولد غزواني، كما زار مدينة نواذيبو الساحلية، وباختصار سارت مجريات الزيارة كما رسمتها الرسالة التي وصلت بريد الأخبار يومين قبل ذلك.
التخطيط للتغطية…
الإفراج عن أبرز المتهمين في أحد أشهر ملفات المخدرات احتاج فترة للتخطيط للتغطية عليه، وفي 15 فبراير 2011 أصدر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عفوا رئاسيا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف شمل المسجونين في هذا الملف إلى جانب الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي واثنين من رفاقه.
وكان على رأس المطلق سراحهم ضابط الشرطة سيد أحمد ولد الطائع ممثل الشرطة الدولية “الأنتربول” في موريتانيا سابقا، والذي كان محكوما بالسجن النافذ سبع سنوات، إضافة لتخفيف عقوبة خمسة سجناء آخرين، من بينهم ميني ولد السوداني، والمواطن الفرنسي أميكان آريك والتر والذي قلصت فترة سجنه من 15 سنة إلى 10 سنوات، وثلاثة سجناء آخرين، كانوا مسجونين بتهم بينها المخدرات وتزوير المحررات وغير ذلك.
كما تم ترحيل السجين الفرنسي إلى بلاده لقضاء بقية محكوميته.
وكان لتزامن إطلاق سراح المعتقلين في ملف المخدرات مع إطلاق سراح النشطاء الحقوقيين دوره في التغطية على الحادث، ونجحت الوساطة البيساوية في إخراج المتورطين من أعضاء شبكة المخدرات.
وهو الملف ذاته الذي أدى لإقالة أحد القضاة عندما حكم ببراءة المتهمين، كما نتج عنه تنزيل بعض القضاة في سلم الرتب القضائية، وذلك بقرارات من المجلس الأعلى للقضاء الموريتاني في تشكلته التأديبية.
شبكات المخدرات… وطريق الحرية
عرفت الأعوام الأخيرة تعامل القضاء الموريتاني مع عدة ملفات تتعلق بالمخدرات، وكانت بعض الملفات من الحجم الكبير، خصوصا ما عرف “بملف طائرة نواذيبو، وملف ولد الطايع وولد السواداني إضافة لما عرف بملف معتقلي المزرب”.
وقد واجه تعامل نظام الرئيس الأسبق سيد محمد ولد الشيخ عبد الملف مع ملفات المخدرات انتقادات عديدة، خصوصا من حيث نوعية التعاطي، والنتائج المعلنة، ورغم ذلك فإن جميع المعتقلين خلال هذه الفترة تم إطلاق سراحهم لاحقا، كما طال الغموض حمولة طائرة نواذيبو الموقوفة.
ففي شهر مايو من العام 2007 أعلنت الأجهزة الأمنية الموريتانية عن احتجاز طائرة محملة بالمخدرات قرب مدينة نواذيبو الساحلية، وكانت قادمة من البرازيل في طريقها إلى غينيا بيساو.
وقد ألقت الطائرة جزء من حمولتها في مطار نواذيبو قبل أن تغادر على عجل ليتم القبض عليها في مكان صحراوي، ومع أن الكمية التي تم القبض عليها في المطار تم إحراقها وأنجز محضر رسمي من قبل السلطات القضائية بذلك، إلا الكمية الأخرى المحجوزة في الطائرة ظلت لغزا حتى الآن، حيث لم يعلن عن مصادرتها أو إحراقها.
وقد أصدرت السلطات القضائية قرارا بإحالة الطائرة المصادرة إلى طيران الجيش الموريتاني، دون الحديث عن مصير حمولتها، فيما تحولت الطائرة إلى وسيلة لتنقل الرئيس الموريتاني الحالي خلال حملته الرئاسية الأخيرة.
أما ملف ولد الطايع وولد السوداني والفرنسي أميكان أريك والتير فقد شمل التحقيق فيه حوالي 42 شخصا، واعتقل عدد منهم بعد محاكمته، لكن تم إطلاق سراحهم جميعا باستثناء واحد يسمى صيدو كان، أطلق سراحه لاحقا.
وتعدد سبل إنهاء هذا الملف، حيث خرج عدد منهم بناء على حكم قضائي بأن لا وجه للمتابعة، فيما خرج آخرون بعفو رئاسي يطلق سراحهم أو يخفف العقوبة الصادرة في حقهم.
يوم الجمعة 26 فبراير 2010 أعلن الجيش الموريتاني عن اعتقال قرابة عشرين شخصا متهمين بالانتماء إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في عملية نفذها في عمق الأراضي المالية، لكن تبين لاحقا أن المعتقلين يشكلون شبكة تهريب مخدرات، وأن منافسين لها في المنطقة أبلغوا الجيش الموريتاني بتفاصيل تحركاتها، واستغلوه في تصفية الحسابات البينية بين شبكات تهريب المخدرات الناشطة في المنطقة.
وبعد فترة من الاعتقال وجه لهم القضاء الموريتاني خلالها تهما متعددة من بينها “المساس المتعمد بحياة الأشخاص وسلامتهم واختطافهم واحتجازهم دون أمر السلطات المختصة، وإبرام اتفاقية بعوض بهدف التصرف في حرية الغير، واستخدام تراب الجمهورية لارتكاب اعتداءات إرهابية ضد مواطني دولة أجنبية، وحيازة واستغلال أسلحة وذخيرة بشكل غير شرعي”، إضافة لـ”تقديم إعانات ووسائل أخرى لمرتكب عمل إرهابي/ الفعل المنصوص عليه والمعاقب بالمادة 14 من قانون محاربة الإرهاب”.
رغم هذه التهم فقد أفرجت السلطات الموريتانية عنهم خلال شهر سبتمبر 2010 بعيد عملية عسكريو قام بها الجيش الموريتاني ضد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي داخل الأراضي المالية، وتزامنا مع مشاركة الرئيس الموريتاني في احتفالات مالي بعيدها الوطني.
وبإضافة معتقلي المزرب يرتفع عدد المتهمين في ملفات المخدرات المفرج عنه، أو المخففة عقوبتهم، أو المبرئين إلى 63 شخصا خلال الأعوام الأخيرة، بينما بقي سجين واحد من المعتقلين في ملف ولد الطايع وولد السوداني ويسمى صيدو كان ولعدة أشهر قبل أن يطلق سراحه.
بطل القصة…
ورود اسم حمادي ولد بشراي في أكثر من ملف، وارتباطه بالإفراج عن المتهمين في أحد هذه الملفات إضافة إلى الدور الذي لعبه قائد الجيش البيساو غيني في الإفراج عن آخرين دفع “الأخبار” للبحث عن معطيات أكثر عن هذه الشخصية، لتصل إلى معطيات عديدة، تفيد في مجملها بوصول الرجل إلى مكانة متقدمة في الشراكة مع الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز، تجعل من الممكن وصفه بأنه “الشريك المالي الأول للرئيس، والمشرف على تأهيل نجله بدر بن محمد ولد عبد العزيز لدخول مجال الأعمال”.
حمادي ولد بشراي أو (حمادي بوشراي امحمد جمعه) صحراوي أسباني من مواليد 1949 بمدينة العيون.
عمل مبكرا في شركات صيد أسبانية، مسوؤلا عن ملف العمال فيها، قبل أن يتنقل في العام 1992 إلى غينيا بيساو.
منحته أسبانيا جنسيتها اعتبارا منها لما وصفته “بالمساعدات التي قدمها للمواطنين الأسبان خلال الحرب في غينيا بيساو، إضافة للخدمات التي يقدمها للمؤسسات الأسبانية هناك”، كما منحته الحكومة الأسبانية وسام استحقاق وطني”.
في العام 2008 تم إغلاق القنصلية الأسبانية في غينيا بيساو، دون أن تتضح الدوافع وراء ذلك، لكن الرجل وجد البديل بسرعة فائقة حيث تم تعيينه في الوقت ذاته قنصلا شرفيا لموريتانيا في العام ذاته.
وقد رفعت عدة شكاوى من الرجل في أسبانيا خصوصا من قبل مالكي شركات صيد هناك تتهمه بالتحايل والابتزاز، ويقول أحد رجال الأعمال الأسبان إن ولد بشراي لديه علاقة بشبكة تقوم “بتوريط السفن الإسبانية واحتجازها للحصول على أموال مقابل إخلاء سبيلها”، كما يؤكد أنه على “صلة بوكالة بيجاغوس «Bijagos» المعتمدة لدى الحكومة الغينية والتي كان ينبغي أن تقوم بإجراءات الترخيص لتزويد السفن بالوقود لكنها أهملت القيام بتلك الإجراءات ليتم توريط السفن واتهامها بالتزود بطريقة غير شرعية داخل المياه الغينية”.
تعدد الصفات والطرق..
خلال الأعوام الماضية التقى رجل الأعمال الأسباني الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز –وبأكثر من صفة – حيث كان أول لقاء معلن بينهما في فاتح نوفمبر 2008، وقد تبادلا خلال التكاليف بمهام محددة.
قبل أن يلتقيه لاحقا في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية 2009، حيث تثبت تحريات الأخبار إنفو أن ولد بشراي قام بجهود كبيرة من أجل إقناع الناخبين من أصل صحراوي في المناطق الشمالية من موريتانيا بالتصويت للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.
وكانت الشراكة الاقتصادية إحدى خيوط اللقاء بين الرجلين، فقد أصبح ولد بشراي مالكا لـ4% من أسهم شركة “صوبوما” وهي الشركة الممثلة لكوكاكولا في موريتانيا، كما أنها المسؤولة عن تسويق المياه المعدنية “أصيل” وهي الشركة المملوكة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
تنويه: نشر هذا الموضوع في العدد: 19 من صحيفة "الأخبار إنفو" الأسبوعية الصادر بتاريخ: 27 فبراير 2013.