حدث أبوهمام قال:
بينما كنت في تجيريت * أطاوي في البحث عن الذهب العفاريت * وقد أوشكت أن افقد مجموعها الحواس * من التجوال بين الشكرانين والدواس * وإدمان ركوب الفيافي من الصبح إلى الليل * في احميميم والخنيفسات وكطع الخيل * وبعدما صرفت كل مدخراتي في التجهيز والجهاز * من الجمركة للترخيص وآلات الحفر للقفاز * وبعدما أيقنت بوقوعي شر وقيعة
* وبأن الذهب ليس إلا سرابا بقيعة * إذا بالمنادي ضحوة من نهار * وقد اجتمع إليه الكل من أسلم وغفار * وكل جاء من رحم وأنابيب * كأنما تجذبه لصراط المنادي الكلاليب * وبعدما جمعت للمنادي الحشود * وسكتت وبكتت لسماعه الوفود * صعد المنادي أعلى السيارة * وبدأ الكلام بعد الإشارة * فقال:
لو أخبرتكم عن منجم في قندهار* لانتزعتموه من شاه مسعود ومن حكمتيار * ولو أخبرتكم عنه في كركاس * لسحقتموه كسحقكم للدواس * فإنكم والله لنعم المضحون * ولنعم الرجال لو أنكم تعلمون * عن أصل ما أنتم فيه من مشكلة * وأصل دائكم وأصل المهزلة * فتصايحت الجموع * أخبرنا بكلامك الحلو المسجوع * فقد بتنا والله كالقطيع المرتهن * ولا أمين لنا فأنت المؤتمن *
فابتسم المنادي، ابتسامة صفراء * غطت ما بوجهه من خبث ودهاء * وقال:
الأصل حكومتكم الغبية * واعذروني إنما أردت الأبية * فلها ولشيعتها نصف الخيرات الفتية * والنصف فقط للشركات الأجنبية * أما خمس أمير المؤمنين وحلفه * وجند أمير المؤمنين وحزبه * وجولاته للصلح بين الأشقاء * ولقاءاته الحميمة بالأصدقاء * فمن مدفوعاتكم أيها البلداء * وتستعظمون الدفع يالكم من رشداء * أما والذي أفلسكم لتأتينكم البقية * وهي أفلس من المعارضة والمنسقية * ولتكوين مثلكم في حفرة الكف بالجمرة * ألا فاكزروا ووسعوا لها في الكزرة * فصاحت الجموع في ذهول * قل يا هذا شيئا من كلامك المقبول * فهل لها هنا من غير الكزرة أتينا * وهل كنا إلا من كزراتنا للعساكر مقتوينا * فابتسم المنادي إبتسامة صفراء * أخفت ما بوجهه من خبث ودهاء * وقال:
إنما أعني رحيلكم الساعة قبل الاصفرار* والرسو جماعات بمقطع الأحجار * فهو للمفلسين من كل الجهات أقرب * وبعد (بيشاته) أنسب ووزنها أطيب * ولتعلموا أن العساكر لن يستقبلوكم هناك بالورود * فأنتم عندهم أكفر من فرعون ومن نمرود * وأن كزرتكم هذه أصبحت وحدها للحر الملاذ * بعدما لم يبق الأمير وجنده مكانا لغير شحاذ * فلتحولوا موريتانيد على خارطة الحكومة * كزرة للمفلسين ولتحيا دكومة * فليس لكم بعد اليوم ما تخسرونه * وأنتم هلكى إن لم تبقوا ما تأكلونه * فتصايح المنقبون وكبروا * وعن سواعد الجد شمروا * وتبارى في حمل المتاع الرجال * وجماعات جماعات شدوا الرحال *
قال أبو همام:
فأسقطتني من سرعة استجابتهم الغرابة * ومزقتني لماهم مقبلون عليه الكآبة * وحين وقفت أريد التحدث إليه * أسكتني هادئا بإشارة من يديه * فقال من غير انفعال:
تقول في نفسك إني مسعر حرب * فتتخيل كم سأبكي من أم وأقتل من أب * لا تعرف حتى ما ذا تعني دكومة * لم تلم حاكما يوما الشعوب عندك الملومة * لم تتخيل حين تنهب آخر قافلة لديك * ولا حين تمنعك الأصفاد ستر عورة بيديك * انصح يا هذا للأمير وقل للحكومة: * دكومة هي آخر أمل للقلوب المكلومة *
قال أبو همام:
ثم تولى المنادي بعدما أعياني جوابه * وعلى خطوات علا بكاؤه ونحابه * وكان مما عقلت من قوله * وارتعدت فرائصي لهوله * ترنمه وهو يختفي بهذه الأبيات:
إذا تغول الخميس واستمرأ النعومة
واستجذب (اللحيس) قاض لدى الخصومه
انتحر التعيس فانفجرت دكومة
فيسقط الرئيس وتسقط الحكومة