أجل، إن المرأة هي الأم التي لا حب ـ على الإطلاق ـ يفي بعطفها، و الزوجة التي يسكن إليها، و الابنة التي لا يطمئن الضعف و الشيخوخة إلا في جوارها، و الأخت التي تشد العضد و تمكن للنخوة في النفوس.
من ذا الذي لا يدرك هذه الحقيقة التي تجاوزت البداهة، ومن ذا الذي يجافيها في منطق حياته؟
إن هذه ـ دون أدنى شك ـ هي مكانة المرأة، ذلك الكائن الرقيق الذي يزين الوجود و يحتف به في كل أرجاء المعمورة في صميم كل الحضارات و إشراق جميع الثقافات، وهي بالإسلام أكثر وجودا و أعظم شأنا في جوهر الحياة. أو لا يدعى الرسول الكريم عليه أزكى الصلوات و أطيب السلام النبي الأمي؟
و هل الأمية ـ المعجزة في حقه ـ إلا صفة مرتبطة في ذلك بالأمومة، تلك الصفة التي لا تؤتى إلا الإناث؟ أو لا يدعى كل المجتمع الإسلامي بالأمة أيضا و كل تجمع بشري قواسمه مشتركة أمة، من الأم اشتقاقا و من حضنها إمعانا في قوة الارتباط العاطفي و الترابط العضوي؟..
ثم من ذا الذي ينكر أن القصيدة الشجية التي تحمل بمفردها مجمل أغراض الشعر، هي القصيدة الغزلية التي تشنف الأسماع طرا و بو بعضها خلسة إذا ما استفتحت برقيق الغزل و مدغدغ النسيب ـ في حق المرأة ذكرا أو تشبياـ ونال قسطا من هذه القيمة التطريبية. لكن المرأة التي تحظى بهذه المكانة الجوهرية في نظام حياة البشر مقيدة بمجموعة من الصفات التي إن غابت تضيع دعتها و تسلب مكانتها و يمسخ وجودها.. هي ذات الصفات التي إذا ما اندثرت من حوله يفقد الرجل كل مقومات رجولته و تصاب الحياة من حوله ـ في حتمية مطلقة ـ باختلال يهز أركانها و يقوض معناها و يفقدها إنسانيتها.
و لعب الإسلام دورا رياديا في صقل هذه الصفات و أكسب بها المرأة بعدا أخلاقيا متفردا قيض أن يكون كل من في البيوت مرتبطا بمنهجيتها في التربية و التوجيه و مقيدا بصرامتها في القيادة و التسيير.
و العجيب الغريب أنه رغم هذه القوة التي لا غبار عليها لم يكن يحدث مطلقا أن تزاحم المرأة الرجل فيما خلق أصلا و أبدا من أجله و لم تبحث عن ندية في غير محلها و هي ندية خاطئة تجاوزت بالمطالبين بها حيز الندية الحقيقية المتمثلة في التكامل المتوازن الذي خلق الله له الزوجين لفظا و اصطلاحا لا فرق في التسمية كما لفظ "العروس" الجامع للذكر و الأنثى. و ليست العدالة التي يطالب بها أصحاب الحركة النسوية عدالة ممكنة لفرط ماديتها.. حيث المراد علنا مساواة المرأة مع الرجل في كل شيء حتى في ولوج المؤسسة العسكرية و مزاولة الأعمال العضلية، بل العدالة في رضي النفوس بما تكسب مما تحس بالفطرة أنه إياها و ما تستطيع و تتقن عمله بقدراتها العقلية و البدنية دون تكلف أو شطط. كم امرأة ماتت أيام العدوان الغاشم و هي تحمل السلاح في غزة الباسلة؟ و كم رجلا قضى و هو يلقي بنفسه في شجاعة أسطورية إلى أرتال دبابات العدو الصهيوني المستبد الظالم؟ إن عدد الشهداء من الجنسين في هذه المعادلة البعيدة عن الحسابات المادية الضيقة متساو لأن كل فدائي يموت هو بطل أنجبته امرأة تحيى بحياته و تموت بموته و تستشهد بشهادته و هو مثل يسقط بموضوعيته ندية الوهم الطوباوية لحساب ندية المنطق الكرتيزية.
و يجدر بالمرأة الموريتانية في هذا السياق، و هي التي تحظى من بين كل النساء العربيات و المسلمات بمكانة فريدة متميزة، أن لا تتمادى في شبه الانجراف الملحوظ و الحاصل منذ سنوات، إلى الأخذ جملة و تفصيلا بطرح الحركة العلمانية التي تطلق على نفسها لقب الحركة العالمية لتحرير المرأة، و أن لا تفقد أنوثتها مصدر تمييزها و ثقتها و مبعث احترامها و إكبارها و مكانتها، بصفتها أما و أختا و زوجة و بنتا.. و لتبقى أنوثتها امرأة.