مع كل موسم انتخابي تعود الخيم الموريتانية التقليدية إلى جنبات شوارع العاصمة نواكشوط ومدن الداخل، ففي ظل عصر المدينة والعولمة لم تنقطع صلة الموريتانيين بهذا التراث الأصيل ولم يتنكروا له.
حيث درجت القوى السياسية على استخدام خيم البدو في الحضر كوسيلة من أهم الوسائل الدعائية في الانتخابات، ولم تكن حملة الانتخابات الرئاسية 2019 استثناء من هذه التقليد الذي يصاحبه انتعاش في سوق بيع الخيم وتأجيرها.
انتعاش سوق الخيم في الحملات الانتخابية في موريتانيا يعيد إلى الأذهان ارتباط الموريتاني بالخيمة التي ظلت تحظى برمزية خاصة، إذ لا تزال نسبة عالية من الأسر التي تعيش بأرقى أحياء العاصمة نواكشوط تحتفظ بخيم تقيمها بأسطح وباحات المنازل، فضلا عن أن الخيمة لا تزال مأوى للأسر الضعيفة بأحياء الصفيح.
الاستغلال السياسي
يستغل السياسيون بمختلف توجهاتهم وأعراقهم الخيم في الدعاية الانتخابية واستمالة الناخب الموريتاني، حيث تزين الخيمة بصور المرشح الذي تخصص له ويشغل المقيم عليها الأغاني والاناشيد الممجدة عبر مكبرات الصوت.
كما تشكل السباقات الانتخابية موسما لممتهني تأجير الخيم الانتخابية والقيام عليها، مقابل تلقي مبالغ مالية يتسلمونها من طرف المشرفين على حملة المترشح المستفيد، رغم أن من بين أصحاب هذه الخيم من يؤكد أنه يقيمها قناعة بموقفه السياسي وينفق من حر ماله لدعم خياره الانتخابي.
سيدة تتولى الإشراف على خيم انتخابية بحي كرفور في مقاطعة عرفات، تؤكد لموفد الأخبار أنها لا تدعم المترشح الذي تعلق صوره اقتناعا ببرنامجه الانتخابي، وإنما لأن حملته دفعت لها المال.
ورفضت السيدة الإفصاح عن اسمها بعد أن علمت أن الموفد يعد تقريرا صحفيا لكنها أكدت أنها تمارس هذه المهنة منذ سنين ضمن شراكة مع صديقات لها في المواسم الانتخابية؛ سواء كانت بلدية أو نيابية أو رئاسية، وتضيف: (السياسيين ما فيهم البركة ولا جايهم حد يكون اعل الفظ).
وبينما حصلت هذه السيدة على من يؤجر خيمها، فإن آخرين أقاموا خيما انتخابية في انتظار من يدفع أكثر ليعلقوا صوره المكبرة ويشغلوا عبر مكبرات الصوت الأغاني الممجدة له ولبرنامج الانتخابي.
الجماهير والخيمة
تحتضن الخيم الانتخابية سهرات فنية ومهرجانات وأمسيات طيلة أيام الحملة الانتخابية، ويستدعي القائمون على الخيم مشاهير فنية وسياسية، وذلك لجذب الجماهير ومخاطبتها من طرف المرشحين وممثليهم ومن المشرفيين على الخيم لإقناعهم بالتصويت يوم الاقتراع.
ويرى الناشط السياسي في ولاية نواكشوط الجنوبية أحمد فال أن الهدف من وراء بناء هذه الخيم وتجهيزها بجميع اللوجستيات والمكبرات الصوتية هو جلب أكبر عدد ممكن من الجماهير الغير مهتمة بأمور السياسة، ومن ثم فإن القائمين على هذه الخيم ينظمون سهرات ليلية تتخللها خطابات سياسية إقناعية.
ويضيف أن الشباب والنساء هم أكثر من يتوافد على الخيم الانتخابية لأنهم المستهدف الأول بسبب الفراغ والبطالة المتفشيين في صفوفهم، أو"من هنا يجد السياسيون فرصتهم لمخاطبة الجماهير ـ التي لم يأت أغلبها أصلا من أجل السياسة - لإقناعهم ببرامجهم الانتخابية من أجل التصويت لهم يوم الاقتراع".
من جانبه يؤكد المختار السالم وهو أحد الشباب المرتادين للخيم الانتخابية في ليالي الحملات، أنه يفضل الحملات الدعائية والسهرات الموسيقية المنظمة في الخيم عن تلك المنظمة في الدور.
ويردف أنه حتى الآن ما زال يرتاد السهرات الليلية لمختلف المرشحين، ويلاحظ من خلال جولاته أن غالبية الخيم تعود لداعمي المترشح محمد ولد محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني خاصة في ولايتي انواكشوط الجنوبية والغربية، وبحسب تقييمه فإن المترشح سيدي محمد ولد بوبكر يأتي في المرتبة الثانية، بينما يندر أن يصادف خيما لبقية المرشحين الستة.