الحمد لله الذي تفرد بالبقاء وامتحن العباد بالموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملا، والصلاة والسلام على من لن تصاب الأمة بمثله مهما عظمت مصيبتهم واشتدت رزيتهم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد:
فقد علمنا بوفاة الكريم ابن الأكرمين سليل بيت المجد المُعَم المخول في الشرف والعلم والعمل (باب بن أحمد بن لمرابط الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن حبيب الرحمان) حفيد الشيخ بداه بن البوصيري الذي سار على نهجه وهديه ودله، فأحزننا ذلك حزنا شديدا بلغ منا مبلغه، فتمثلنا عند ذلك بقول الشاعر:
نقْصٌ من الدين ومن أهله نقصُ المنايا من بني هاشمِ
وبقول الآخر:
كذا فليجل الخطب أو يفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
كـــأن بـــني العــــــباس يـوم وفاته نجوم سماء خر من بينها البدر
لكننا نصوب البيت الأخير فنقول:
كأن بني الأشراف يوم وفاته بدور دياجٍ خر من بينها بدر
وإننا في هذه السطور لنستحي أن نعزي شيخنا فضيلة الشيخ المفتي أحمد بن المرابط وأسرته الكريمة بكلمات ونصوص هم أدرى منا بها، بل ربما قرأناها أو بعضها عليهم، لكن اتباع السنة وسنة الحياة يقتضيان أن يعزى المصاب في مصيبته مهما كان، فنعزي شيخنا ومفتينا وجميع أفراد الأسرة الكريمة حفظهم الله ولا أراهم مكروها في هذا المصاب الجلل، مذكرين لهم بقول الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وبقول النبي: (إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصَابَهُ بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ) ونقول لشيخنا ما قال الأعرابي لابن عباس معزيا له في أبيه العباس رضي الله عنهما:
اصبر نكن لك تابعين وإنما صبر الجميع بحسن صبر الراس
خير من العباس أجرك بعده واللـــه خيـــر مـنك للعـــــــــباس
ونعزيه كذلك بقول القائل:
قدّمته فاصبِر على فقدِه إلى أبيه وأبي القاسمِ
نسأل الله أن يلحقه بصالح سلفه، وأن يجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كما نعزي قبيلته وبني عمه كلهم في مصابه، ونقول لهم فيه ما قال الشاعر المفلق محمد بن محمدي في وفاة أحد أعيانهم:
يا أربعين جـــــــــــــوادا إن حسبكم لطف المهيمن فلترضوا بما فعلا
ولْتذكروا الرزء لا ضاعت أجوركم بخـــاتم الرسل تنسوا خاتم الفضلا
ولولا السلوة عند كل مسلم بفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن مصيبته أعظم المصائب، وبما نؤمل كذلك في إخوته وأسرته الكريمة وبني عمه من قيام بمهمة العلم والتعليم والتربية التي عودهم الله عز وجل القيام بها لبلغ منا الحزن مبلغا أكبر.
ولو كان فتى الكهول وكهل الفتيان رحمه الله يفدى بشيء من الدنيا لما بُخل عليه بالكرائم ولكن مضى به سبيل لا يرجع.
نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر للفقيد وأن يجعله مع سلفه الصالح في جوار سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ونضرع إليه تبارك وتعالى أن يبدله بشبابه شبابا في الجنة لا يخشى معه فراق الأحبة، ولا تكدره حوادث الزمان.
الدكتور/ محمد يحيى ولد الشيخ جار الله مكة المكرمة.