بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
البيان الختامي للمؤتمر الثالث والثلاثين لسيرة النبي ونصرته صلي الله عليه وسلم
تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ابن الشيخ الغزواني، وبإشراف مباشر من وزارة الشئون الإسلامية والتعليم الأصلي، نظم التجمع الثقافي الإسلامي بموريتانيا وغرب إفريقيا مؤتمره السنوي لسيرة النبي صلى اللـه عليه وسلم ونصرته، وذلك في نطاق مقاربة تقوم على إحياء الذكرى العطرة لمولد النبي بمناشط علمية ودعوية وتربوية تقوم على استحضار سيرة نبي الرحمة وشمائله المنيفة والسعي للاقتباس من هديه القويم من أجل تقويم أوضاع الأمة ومعالجة ما يقف في طريق نهوضها من عقبات وتحديات.
وقد انعقد المؤتمر بمدينة نواكشوط يومي 7 - 8 ربيع الأول 1442ه/ 24-25 أكتوبر 2020غ، بمشاركة جمع غفير من العلماء والأئمة والمثقفين والإعلاميين والساسة وصناع الرأي، وممثلي هيئات المجتمع المدني في موريتانيا، فضلا عن بعض قادة مؤسسات الدولة، والوزراء والسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية، والنواب ورؤساء المجالس الجهوية وعمد البلديات.
وبالرغم من شدة وطأة جائحة الفيروس التاجي كوفيد 19، وما ترتب على الجائحة من تعقيدات وقيود على السفر، فقد حظي المؤتمر بحضور مباشر من لدن نخبة من المفكرين وقادة العمل الإسلامي في بلدان أخرى منها المملكة العربية السعودية والسنغال ومالي ولبنان وساحل العاج وغينيا وفرنسا وغامبيا والشيشان. كما شارك فيه بمداخلات عبر وسائل الاتصال عن بعد، علماء أجلاء وقادة عمل إسلامي من بلدان عربية، ومن مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومن المجتمعات المسلمة في أستراليا وفرنسا.
وقد افتتح المؤتمر معالي السيد الداه بن سيدي بن اعمر طالب وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، بحضور معالي السيد بناهي بن أحمد طالب وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان وعدد من كبار المسؤولين في الدولة، وتناول الكلمة في الجلسة الافتتاحية معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزيد، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، كما تحدث فيها ممثلون عن علماء موريتانيا وساستها ومنتخبيها. وتناولت جلسات المؤتمر موضوع "سلامة الإيمان والأبدان" في ضوء الهدي النبوي، وذلك من خلال محورين يتعلق أحدهما بجائحة الكوفيد ويتعلق الآخر بتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وما اقترن بها من إساءات لأقدس مقدسات الأمة.
وخلص المشاركون في المؤتمر إلى تأكيد المبادئ والتوجهات الأساسية التالية:
في المحور الأول المتعلق بجائحة الكوفيد 19:
أولا - يقدم الهدي النبوي إرشادات أساسية للوقاية من جائحة "كورونا" وسائر الجوائح فقد ورد عنه صلى اللـه عليه وسلم أنه نهى عن ورود الـمُمْرِضِ على الـمُصِح، ونهى عن دخول أرض الطاعون، وعن الخروج منها في حق من وقع الوباء وهو بها، وأمر بالفرار من المجذوم وحث على الحفاظ على النظافة والطهارة
ثانيا - تعتبر هذه الجائحة التي شلت أبرز مظاهر القوة عند الأقوياء وأرهقت الأنظمة الصحية للدول المتقدمة رسالة تذكير من اللـه بضرورة الانقياد للأوامر الإلهية والنواميس الكونية والكف عن الإفساد في الأرض وعن سائر ما يؤدي إلى انتشار الأوبئة وإضعاف مناعة الإنسان. كما تعتبر تنبيها إلى أن فوق كل ذي قوة قويا مقتدرا، وإلى أن مصالح بني البشر مترابطة، وأن على شعوب الأمة أن تأخذ بأسباب الاستقلال الاقتصادي والأمن الغذائي، وأن تُسابقَ الأمم في البحث عن وسائل الوقاية والعلاج ولا تبقى في حالة ارتهان لغيرها في غذائها ودوائها ومقومات رخائها .
في المحور الثاني المتعلق بظاهرة الإسلاموفوبيا والإساءة للمقدسات:
أولا - لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن تعتبر الإساءةُ إلى المقدسات، وأقدسُها نبينا صلى الله عليه وسلم، بابا من أبواب حرية التعبير، بل هي جريمة من جرائم التعبير، وغراسة للكراهية، واستثارة لردود فعل قد لا تنضبط بضوابط الشرع، يتحمل المسؤولية الأولى عنها المسيئون والمستهزئون ومن يحمونهم ويؤازرونهم ، لأنهم بتطرفهم واستهتارهم بمقدساتنا يستفزون مشاعر نحو مليارين من البشر، بل يستفزون مشاعر أي إنسان سوي على وجه البسيطة، ولا يجوز للدول التي تقع على أرضها هذه الإساءات المستفزة أن تتركها بدون عقاب رادع، أحرى أن تسوغها وتمنحها أي شكل من أشكال المشروعية.
ثانيا - من الضروري ألا نقع فيما يقع فيه آخرون من الخلط والتعميم فنرد على الخطأ بخطأ مثله، ومن المهم في هذا الصدد أن نسجل بامتنان تلك الأصوات المنصفة في الغرب، ومن أهمها مبادرة السويديين بتقبيل المصحف الشريف تعبيرا منهم عن البراءة من الإساءة التي صدرت من بعض جيرانهم في الدنمارك. ومن المواقف التي تستحق التسجيل والإشادة، في هذا الصدد، ذلك الحكم الذي أصدره القضاء النمساوي في حق بعض المستهزئين والمسيئين حين حكم بأن الإساءة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لا تدخل في حيز حرية التعبير، وقد أكدت جميع درجات التقاضي في النمسا هذا الحكم، وحين استؤنف لدى المحكمة الأوربية أكدت هذه المحكمة في مثل هذا اليوم قبل سنتين، أي بالضبط في 25 أكتوبر 2018 نفس الحكم وقررت أن الطعن في النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يدخل ضمن الحرية الشخصية. واعتبرت أن التصريحات المسيئة موضوع الحكم “تجاوزت الحد المسموح به"، وأنها تصنف بمثابة "هجوم مسيء على رسول الإسلام، كما تعرض السلام الديني للخطر". ومن واجب الأوروبيين أن يخضعوا لحكم هذه المحكمة، فإن أحكام قضائهم تلزمهم بمقتضى اتفاقياتهم، إذا لم تلزمهم الشرائع والقيم الإنسانية وما يقتضيه التعايش على هذه الأرض من احترام الآخرين.
ثالثا - على الذين يتهمون الإسلام والمسلمين بالغلو والتطرف أن يتذكروا أن وجود بعض هذ الظواهر في بلدان الأمة وضمن شعوبها لا يسوغ تعميم التهمة على المسلمين، ولا يسوغ من باب أحرى إلصاق التهمة بالإسلام نفسه. وعليهم أن يتذكروا أن أعظم ظواهر العنف والغلو والإقصاء وانتهاك حرمات البشر هي تلك التي ظهرت في العالم غير الإسلامي، ومارستها القوى المهيمنة، فكانت سببا في إزهاق أرواح ملايين البشر، بل عشرات الملايين، وفي تجويع واستضعاف أضعافهم، وفي استهداف الأمة الإسلامية وشعوب العالم الثالث وجعلها سوقا لأسلحة الدمار والدمار الشامل. والمتأمل في تاريخ المسلمين في العهد النبوي وفي عصور سيادة الإسلام ونهضة أمته يدرك، بعكس ما يروج له المغرضون، أن الإسلام كان في واقع الحياة، كما كان في نصوص الوحي والسنة، حنيفية سمحة. ولولا ذلك لما بقيت ديانات أخرى حية محمية مصونة إلى اليوم في قلب بلاد المسلمين، ولتعرض أهل تلك الديانات لما تعرض له المسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة. وعلى أولئك الذين يطلقون التهم جزافا على الإسلام والمسلمين ألا ينسوا نصيبهم من صناعة هذا الغلو والتطرف.
رابعا - بالرغم من قوة الظلم الواقع على المسلمين وتراكم أشكاله وألوانه عبر العصور، بما فيها الحروب الصليبية والحملة الاستيطانية الاستعمارية، واحتلال فلسطين واغتصاب أرضها وتشريد شعبها، وتدنيس مقدساتنا فيها، وما تلا ذلك من حروب صغيرة وكبيرة كان المسلمون ضحيتها الأولى... بالرغم من ذلك كله، فإن من واجب المسلمين ألا يحملهم الخطأ على ارتكاب الخطأ، وإن من حقهم، بل من واجبهم الشرعي والقانوني والإنساني أن يذبوا عن حياض دينهم ومقدساتهم، وقدس أقداسها النبي الأعظم – صلى اللـه عليه وسلم - بشتى وسائل المقاومة، دون أن يسفكوا أي دم معصوم، ودون أن يأخذوا الأبرياء بجريرة المجرمين. وإن لديهم منهاجا نبويا متكاملا يستطيعون إذا هم أحسنوا تطبيقه أن يقدموا الدين على الوجه الصحيح الذي يكون به المسلم قرآنا يمشي على الأرض، ومنارة تهدي إلى الحق، وبذلك يدكون حصون البغضاء والكراهية ويصلون إلى قلوب الملايين ممن خدعتهم الدعايات المغرضة وشوهت الإسلام في عيونهم، وبذلك يتيحون للأبرياء والمنصفين وللمغرر بهم فرصة اكتشاف الإسلام على حقيقته وتذوق طعم العدل والرحمة والعزة والكرامة في تعاليمه وقيمه.
انطلاقا من تلك المبادئ والتوجهات، وسعيا لمعالجة التحديات التي تواجه الأمة خلص المشاركون إلى التوصيات التالية:
أولا – فيما يتعلق بالجائحة:
1- دعوة الحكومات والمواطنين في بلدان الأمة وفي العالم أجمع إلى مواجهة الموجة الجديدة من جائحة الكوفيد بالجمع بين متابعة التدابير الوقائية والبحث عن العلاجات الناجعة، والحفاظ على معايش الناس.
2- دعوة حكومات الدول الإسلامية وبيوت الخبرة المختصة فيها إلى الدخول في المنافسة العالمية لإنتاج اللقاحات والأدوية والسعي نحو تحقيق الأمن الصحي والغذائي بالتركيز على الإنتاج المحلي والتبادل البيني، مع الاستفادة من السوق العالمية دون الارتهان لها، نظرا لما أثبتته الجائحة من خطورة التعويل على الآخرين في الأوقات الحرجة.
ثانيا – فيما يتعلق بظاهرة الإسلاموفوبيا والإساءة إلى المقدسات:
1- دعوة منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي وسائر منظمات الأمة وهيئاتها ذات الاختصاص إلى تنسيق الجهود وتكوين فريق عمل متخصص من رجال القانون لمتابعة الإساءات إلى المقدسات وتقديم مرتكبيها إلى المحاكم المختصة، بما فيها المحاكم الغربية والدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان.
2- دعوة حكومات الدول الإسلامية إلى أخذ زمام المبادرة في إطلاق معاهدة دولية لحظر المساس بالمقدسات الدينية، انطلاقا من تعاليم الإسلام الحامية للديانات السماوية ولكرامة الإنسان أيا كان، ووفقا لقوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.
3- دعوة حكومات الدول الإسلامية إلى التفاوض مع شركائها من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، والاحتجاج لديها على تفشي ظواهر الإساءة لمقدسات الأمة ودعوتها إلى اتخاذ إجراءات رادعة لوقف هذه الإساءات، باعتبارها عدوانا على شعوب الأمة ودولها، وسببا وجيها لمراجعة العلاقات وأنماط التعاون مع كل من يوفرون تغطية سياسية جائرة لتشجيع الاستمرار في الإساءة إلى مقدسات الأمة.
4- دعوة حكومات الدول الإسلامية وأجهزتها المختصة إلى تحسين حصانة الأمة ومناعتها الروحية بنشر العدل والعدالة الاجتماعية، وبذل الوسع في تعميم منافع الثروات الوطنية، وإعادة بناء المنظومة التربوية لتكون أجدى في غراسة القيم الدينية السامية، والقضاء على كل أشكال الإقصاء والتهميش.
5- دعوة المجتمعات المسلمة ومنظمات المجتمع المدني في بلدان الأمة إلى أخذ زمام المبادرة في مقاومة الاستهزاء والاستفزاز بأساليب القوة الناعمة الحميدة المتمثلة في المقاطعة الثقافية والاقتصادية لأي دولة تقع على أرضها إساءات للجناب النبوي، فتحمي أصحابها، ولا تقف لهم بالمرصاد.
6- دعوة المنظمات الإسلامية الجامعة وهيئات المجتمع المدني الإسلامي في العالم كله إلى إطلاق حملة واسعة، باللغات الدولية الكبرى، عبر وسائط الإعلام والتواصل الاجتماعي للتعريف بقيم الإسلام وبنبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
{ولينصرن اللـه من ينصره إن اللـه لقوي عزيز}.
حرر في نواكشوط بتاريخ 8 ربيع الأنور 1442ه/ 25 أكتوبر 2020
المشاركون في المؤتمر