بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
رسالة موجهة إلى الشعب
مواطني الأعزاء،
يشرفني أن أحييكم وأخاطبكم هذه المرة من داخل السجن بخصوص قانون الرموز الذي اقترحته الحكومة وصادق عليه البرلمان والذي شكل انتكاسة حقيقية للمكتسبات الديمقراطية تنضاف إلى سابقاتها ستنسف حرية الانتقاد وحرية التعبير وحرية النشر وحق المعارضة في الآن ذاته وهو أخطر قانون تمت المصادقة عليه منذ اعتماد النظام الديمقراطي في البلد. ويجسد هذا القانون ويفعل سلسلة الانتهاكات المتكررة للدستور التي دأب عليها هذا النظام منذ استلامه للسلطة حيث تم الإعتداء على كافة المبادئ الأساسية للنظام الديموقراطي في البلد من فصل بين السلطات ومن حريات فردية وجماعية وتم تدمير حقل الصحافة الحرة من خلال اعتماد سياسة الترهيب بالتهديد المباشر والترغيب من خلال شراء المواقع والذمم من أموال الدولة. وهكذا، تم تدجين القنوات التلفزيونية والإذاعات الحرة والمواقع الالكترونية التي كانت مفتوحة أمام أعتى وأشد المعارضين والتي منعتْ من تغطية المؤتمرات الصحفية التي كنت أنظم لفضح خطط المفسدين وتلاعبهم بمصالح الشعب، لعلكم تتذكرون المحاولة الأخيرة التي باءت بالفشل وزعمت القناة أن حريقا شب في أجهزتها وحال دون تغطيتها للمؤتمر، وهكذا تم تغييب الرأي الآخر وصرخات المواطنين ومطالبهم ومظالمهم بالكامل.
أيها المواطنون
أيتها المواطنات،
يسعى ما يسمى بالإجماع الوطني الذي هو في الحقيقة مجرد تحالف من أجل الظلم والفساد وتكميم الأفواه إلى استغلال الرئيس الحالي الذي انتخبه الشعب في إطار ديمقراطي، بعد أن فشل فشلا ذريعا في القيام بمسؤولياته على جميع الأصعدة وأخفق في كل السياسات القطاعية أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وإداريا وإلى تحويل البلد إلى سجن كبير وإلى هدم التجربة الديمقراطية في البلد. فبالرغم من أن تجربتنا الديمقراطية لم تصل بعد إلى المستوى الذي ينبغي من تطور، إلا أنها نتاج تراكمات وتكامل جهود كل الموريتانيين والموريتانيات المخلصين للوطن على مدى عشرات السنين، الذين عملوا من أجل إرساء أسسها ودافعوا عن مبادئها وتحملوا في سبيل ذلك تضحيات جسام، بما في ذلك الانقلابات، كبدتهم خسائر كبيرة وكلفتهم الأنفس والسجن والمنفى والتشريد ومختلف أشكال المضايقات.
واليوم، أوقع هذا التحالف النظام الديمقراطي في ورطة منتهزا رغبة الرئيس الحالي -الذي فشل في كل شيئ كما ذكرنا آنفا - وتجاوبا مع حاجاته النفسية الخاصة، المتعطش لكبرياء ولأمجاد هي صرح من خيال، بدعمه ضمنيا لهذا القانون الذي يلجأ إليه الرئيس المنتخب ويحتمي به بعد عجزه عن القيام بمهمته التي انتخبه من أجلها الشعب والتي لم يكن من ضمنها تمجيده لذاته ومزاحمتها للمقدسات الدينية والوطنية.
أيها المواطنون
أيتها المواطنات،
إن الحريات التي طالما دافعنا عنها بكل قوة هي صمام أمان النظام الديمقراطي الذي نسعى إلى ترسيخه في وطننا وهي مفتاح الرقي والتقدم. ولم يكن دفاعنا عن الحريات من دون ثمن، تحملناه أثناء مقامنا في السلطة واليوم نتحمله من داخل السجن. إن هذا القانون الخطير يؤسس لإرهاب الدولة وللقمع السياسي الذي نتعرض له ويتعرض له مئات الشباب الأحرار و قادة الرأى الذين تم اعتقالهم وسجنهم لأنهم عبروا عن رأي يعارض الحكومة ولا يروق للرمز الرئيس.
ولا يشبه لقب الرمز (Ramz) في القانون الجديد، في تكريس سلطة الفرد المستبد، سوى لقب الفوهرر الألماني (Führer) أو لقب الكوديلو الاسباني (Caudillo) الذي كان آخر من يحمله فرانشيسكو فرانكو أو لقب الدوتشي الإيطالي (Duce) الفاشي. وبهذا القانون اللادستوري سيصبح نظام الحكم في بلادنا مثالا حيا للأنظمة الاستبدادية التي لا تريد من المواطن إلا أن يكون مطيعا للحاكم وأي نقد أو اعتراض منه يعتبر إساءة وعصيانا وجرما لا يغتفر.
أيها المواطنون
أيتها المواطنات،
من ناحية أخرى، لفت انتباهي الزج عن قصد بالمقدسات الدينية إلى جانب الرموز الوطنية في هذا القانون الذي يتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، وهو خلط ينم عن ضعف إدراك وعدم إحاطة بأبعاد المواضيع التي شملها هذا القانون من طرف الجهات التي أصرت على تمريره بهذا الشكل لأغراض خاصة بها. فبالرغم من أنه تم الإبقاء على العقوبات الأشد المقررة في القوانين الأخرى، إلا أن هذا القانون الذي يأتي بعد تلك القوانين يلغى كافة الأحكام السابقة المخالفة له، وهو ماجعلني أتساءل هل فعلا تم أخذ كل التدابيير اللازمة من تشاور مع أهل التخصص من قضاة وقانونيين وخصوصا رأي علماء الشريعة الذين تقع عليهم مسؤولية ومهمة السهر على حماية المقدسات الدينية.
أيها المواطنون
أيتها المواطنات،
وأنا أخاطبكم من السجن الذي تمت إحالتي اليه في الحقيقة لمعارضتي الصريحة لهذا النظام ولرفضي لما آلت اليه الأوضاع في بلدي منذ خمسة أشهر ومن دون محاكمة، أدعوكم إلى رفض هذا القانون شكلا ومضمونا لما يشكل من خطر على الوطن ولما سيترتب عليه من فساد ومن استخدام تعسفي وغاشم للسلطة ومن خنق لكل أصوات النقد والاحتجاج. كما أطالبكم بالطعن كتابيا فرادى وجماعات أمام المجلس الدستوري ضد هذا القانون اللادستوري ونقضه.
وأنتهز هذه الفرصة، في هذه الظرفية الاستثنائية التي يمر بها وطننا الحبيب، لأهنئ كل البرلمانيين الأحرار الذين وقفوا ضد هذا القانون ورفضوا التصويت عليه كما أهنئ جبهة التغيير بكل مكوناتها وكل الحركات الشبابية وكل المدونين الأحرار الذين عبروا بقوة عن رفضهم لهذا القانون، وأتساءل عن مصير أولئك المرلمانيين الذين صوتوا لصالحه، يوم يسحب هذا القانون المشين من ترسانة القوانين الموريتانية، كيف سيواجهون أبناء وبنات هذا الشعب الذي ائتمنهم على مصالحه وعلى مهمة الدفاع عنها فخذلوه وتآمروا ضده؟
مواطني الأعزاء،
التاريخ يعلمنا أن نظام الرمز RAMZ المهزوم سيزول كما زالت من قبله أنظمة البطش والظلم والاستبداد وسينتصر الشعب ويتحرر من قيود الرمز والعصابة التي عاثت في مؤسسات الدولة وبمقدراتها فسادا وتحاملت علنا ضد مصالحه. أختم بقوله تعالى في كتابه الحكيم {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} عليه توكلت وإليه أنيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
محمد ولد عبد العزيز - مدرسة الشرطة، نواكشوط.
يوم الأربعاء11 ربيع االثاني 1443 - الموافق لـ17 نوفمبر 2021