يتحلق الناس أوان المغرب في بيوتهم وبين أفراد أسرهم ينتظرون صوت المؤذن إيذانا بالإفطار فيقبلون على ما لذ وطاب من موائد أعدت وطيبات من الرزق جمعت إلا أفرادا من هذا المجتمع حمَّلوا أنفسهم ما لا تحتمل من فروض الكفاية والنيابة عن الأمة يتخلفون عن موائد رمضان بين أظهر ذويهم منهم نساء ربات بيوت ومنهم رجال تنكبوا فلذات أكبادهم من بنين وبنات في عمر الزهور وأغلبهم شباب في ريعان العمر وقوة الاندفاع نحو الموائد..
اختارت تلك الصفوة أن تَفطر على رقة القلب وقوة العاطفة والحنو على الأرملة والمسكين وكفكفة دموع الأيتام وأن تكون سندا للأرامل تحمل الخير إلى الناس.. تزرع البسمة على وجه البائس الفقير فتسد خلة الجائع وتقرب حبة الدواء من المريض الذي يتضور جوعا ويتلوى ألما، هذه الكوكبة من مصابيح الرحمة من البشر، لا تقف أمام المآسي عاجزة ولا متفرجة بل هي طاقات مبدعة لا تعرف للمستحيل سبيلا.
حازت سبل المعروف وطرائق فعل البر تطعم الطعام على حبه ذوي القربى.
يتناول أفرادها تمرات أثناء ركضهم بين الفقراء ويحتسون جرعات من الماء وقد تأكدوا أن بطون الفقراء قد هدأت وخمد أوَّار الجوع الذي يحرقها.
لم تقف أجيال الحركة الإسلامية منذ تأسيسها عاجزة أمام حاجات المجتمع، بل فجرت ينابيع الخير وطرائق المعروف، فحفرت الآبار وبنت المساجد وكفلت الأيتام وأعانت الأسر المعسرة وكفلت طلاب العلم وبنت فصول الدراسة كل ذلك من غير من ولا أذى بل قياما بالواجب عبادة لله وخدمة للمجتمع..
لقد انتدب هذا الجيل طليعة منه للنيابة عن المجتمع في فروض الكفاية، فكانت دور الأيتام وبناء المدارس، بل حتى مغاسل الأموات والتكفل بتجهيز الجنائز كل ذلك أسس لثقافة العمل الخيري المؤسسي الذي أضحى مدرسة تعلم فيها الجميع وأقبل عليها المجتمع ممارسة واستفادة خففت من غلواء الاحتقان، ونزعت من النفوس الشعور باليأس.
هذا الجيل يصنع المستحيل، ليس بالتمويلات الضخمة، ولا أموال المشاريع الأجنبية، بل يبدأ بما في جيوب الأفراد من ساحته أولا، ثم من المجتمع بعد ذلك، ولأن الأمانة هي ديدنه يستطيع فعل المعجزات بقليل المال وكثير الإخلاص وعزيز التدبير.
يتعرض هذا الجيل لجحدان من مرضى القلوب الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين بالصدقات…
انتبه أحدهم إلى أن حراس المنشآت في طرف من أطراف المدينة يشق عليهم الذهاب لأقرب دكان نظرا لبعدهم وقلة ما في أيديهم، فقرر أن يتحرك نحوهم يحمل ما يستطع وتجود به أياد المحسنين، فإذا به يتفاجأ بذراري ابن سلول يشيعون أنه يمتلك عدة دور قيد الإنشاء، وأنه يزورها كل مساء ويتفقد حالها، حتى قبل أوان الإفطار، فمن أين له هذه الأموال، وتلك السيولة التي تتيح بناء قطع متجاورات سخر الله من اللا مزين ..
وسار كل في طريقه فتى يزرع الخير ويستدر الدعاء، وآخرون ينتظرون كل فاعل خير ليرجموه بالتهم وينهشون من لحمه.
فأعطوا وأعطينا وكل وبذله *** على حسب الإمكان والقدرات