الأخبار (انواكشوط) - نحو خمسة وستين ألف لاجيء مالي يتواجدون حاليا في مخيم "مبيرا" الواقع قربمدينة باسكنو الموريتانية (200 كلم جنوب شرق مدينة النعمة، على الحدود مع مالي). فيما و يتواصل تدفق اللاجئين الي هذا المخيم بوتيرة تتفاوت ما بين2000إلى 1500 لاجيء يوميا.
ويعيش اللاجئون الماليون الذين نزحوا هربا من الحرب الدائرة في شمال بلادهمأوضاعا إنسانية صعبة في هذا المخيم، في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة، حيث يعانون من نقص حاد في الماء، وانتشار واسع للمجاعة والأمراض الناتجة عن تدهورالأحوال المعيشية. بينما يدفع الاطفال الضريبة الكبرى في رحلة اللجوء، إذيشهد هذا المخيم أكبر مجاعة للاطفال تعيد إلى الاذهان مجاعات القرن الافريقيبفارق قليل يتمثل في أن الاطفال يموتون هذه المرة بعيدا عن اعين الاعلاموالعالم، وبذلك تتوفر للمأساة عوامل الاستفحال والاستمرار.
ظروف مأساوية:
على مرمى البصر، وفي بيئة صحراية قاسية، تنتشر مخيمات وأقبية يوحي مظهرها بعالم من البؤس والمعاناة. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا لكن درجةالحرارة كانت قد تجاوزت 50 درجة مائوية، ومع ذلك يوجد أكثر من 20.000 لاجيءهنا في ما يشبه العراء، بعد أن توقفت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة عن توزيع الخيام.
أسر بكامل أفرادها تستظل خرقا بالية من القماش في ظروف مناخية صحراوية قاسية..لهيب الحرارة يأتي من فوقهم ومن أسفل منهم، حيث لا تعبأ أشعة الشمس الحارقة
بما يستظلون به، و تكاد حبات الرمل التي يفترشونها أن تتحول إلى جمر متقد.
ومع ذلك، فالمأوى لايمثل الشاغل الأول لهؤلاء اللاجئين، فالماء، عصب الحياة،ليس متوفرا بما فيه الكفاية، وعلى كل فرد منهم أن يمضي ساعات عند إحدى نقاط توزيع المياه للظفر بلترات من الماء ليروي بها ظمأه. "أحيانا نقضي ساعات في الطابور ثم نعود أدراجنا دون أن نحصل على قطرة ماء لكن الأمور شهدت تحسنا بالمقارنة مع مجيئنا هنا" تقول ام امنين ولاد دديه وهي جالسة في انتظار دورها للحصول على لترات من الماء الذي توزعه إحدى المنظمات الإنسانية الدولية بواسطة صهاريج كبيرة.
ويعاني هذا المخيم أوضاعا معيشية صعبة، حيث يعيش اللاجئون به على ما يحصلون عليه من إعانات مقدمة من طرف المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة تتمثل في 4 كيلوغرام من الأرز و100 ملليليتر من الزيت و 100غرام من السكر،وذلك لكل شخص ولمدة عشرة أيام.
وتقول أمينتو أولاد علي سالم "هذه الإعانات على ضئالتها ليست مستمرة أيضا،فأنا هنا منذ شهرين مع عائلتي التي تتكون من 11 فردا وحصلنا على هذه الإعانة مرة واحدة فقط، ومع ذلك لم تفدنا في شيء، نحن متعودون على أكل اللحوم والوجبات المتنوعة وهذا الأكل لا يصلح حتى للحيوانات".
المجاعة تفتك بالأطفال :
لم تعد المجاعة هنا هاجسا لدى المهتمين بشؤون هؤلاء اللاجئين وإنما باتت واقعا معاشا على الأرض، إذ يعاني نحو 300 طفل هنا من المجاعة بأبشع صورها، كما أنها تهدد في الوقتذاته نسبة 24% من الأطفال داخل هذا المخيم، إذا لم توفر لهم التغذية الصحية اللازمة وبطريقة استعجالية.
ويرقد غالبية الأطفال المصابين بالمجاعة في قسم خاص بالمستشفى الميداني الذي تقيمه منظمة "اطباء بلا حدود" في المخيم، لكن المشرفين على المستشفى يؤكدون أن أعداد الأطفال المصابين بالمجاعة تفوق طاقة المستشفى الاستيعابية، وأطلق ممثل المنظمة نداء إلى المنطمات الدولية والمهتمين بالعمل الانساني عبر العالم محذرا من كارثة حقيقية في هذا المخيم. تقول ميمي آغ محمد وهي تنظر إلى طفلها طريح الفراش "أنا هنا منذ شهرين مع طفلي هذا. يتلقى العلاج هنا من طرف الأطباء، لكنني حتى الآن لم ألاحظ أي تحسن". ولا يبدو حال طفل "ميمي" أحسن حالا من نحو سبعين طفل أخرين يتكدسون مع أمهاتهم تحت خيمة كبيرة نصبها "أطباء بلا حدود" في المستشفى الميداني الذي يقيومونه في المخيم.. صور هؤلاء الأطفال تكشف بوضوح مستوى الأوضاع في هذا المخيم، حين تفتك المجاعة بالأطفال.
أوضاع صحية مقلقة:
طبيب واحد لكل 100.000 شخص" و "حمام واحد لكل 812 شخصا".. أرقام تخيف الجهات الصحية العاملة في هذا المخيم، الذي يعاني من ضعف كبير في التغطية الصحية،ونقص حاد في الأطباء وفي الادوية اللازمة لتلبية حاجة اللاجئين .
ويقول الدكتور لوي كاكودجي المنسق الميداني لأطباء بلا حدود إن المشكلةالأساسية في هذا المجال هي أن المنطقة التي يوجد بها المخيم تعاني أصلا من ضعف شديد في التغطية الصحية يصل إلى معدل طبيب واحد لكل أربعين ألف شخص بالنسبة للسكان المحليين، ويضيف "أما الآن فقد وصلنا إلى معدل طبيب واحد لكل مائة ألف شخص، وهذا شيء لا يعقل". ويضيف الدكتور كاكودجي الذي يشرف على تدخل منظمة أطباء بلا حدود في المخيم منذ نحو شهرين "الناس يصلون إلى المخيم بعد إعياء شديد، فهم يقطعون عشرات الكيلومترات وأحيانا مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام، ويتعرضون لشمس الصحراءالحارقة، ويضطرون للمبيت في العراء، ولا يجدون ما يأكلونه، ولذلك هم يصلون منهكين ويعانون من الكثير من الأمراض".
قصص الرحيل:
غالبة اللاجئين في المخيمات الموريتانية نزحوا من مدن تومبكتو وجاوا ولرنب بالإضافة إلى مختلف القرى والبوادي المتاخمة للحدود مع موريتانيا. ورغم أن الداعي الأول للنزوح لدى هؤلاء هو الحرب االتي شهدها شمال مالي مؤخرا إلا أن سلطات الحدود الموريتانية تؤكد عدم وجود جرحى أو مصابين جراء تلك الحرب من بين أفواج النازحين التي تدفقت على مدينة "فصالة" التي تعتبر بوابة الدخول الرسمية إلى الأراضي الموريتانية.
كما أن غالبية القصص المتداولة لدى اللاجئين هنا لا تتحدث عن تضرر مباشر من المواجهات الدامية بين المتمردين والجيش المالي، وإنما عن جو من الرعب والخوف ساد سكان المنطقة الشمالية من مالي منذ نشوب الحرب، في ظل تداول قصص عن ضراوة المعارك وقوة المواجهة بين الطرفين، فتدافع الناس إلى الهرب "بعضهم أخذ معه
القليل من الأمتعة لكن الغالبية العظمى لم يأخدوا معهم أي شيء" يقول محمد آغ السيس وهو لاجيء مالي نزح مع أسرته إلى الأراضي الموريتانية.
ويتذكر محمد آغ السيس كيف دفعه مستوى الخوف الذي سيطر على أفراد عائلته إلى بيع شياه وبعض المقتنيات المنزلية لتوفير تكاليف النقل للهرب بعائلته إلى موريتانيا، ويقول "كان الطريق صعبا وطويلا للغاية. وصلنا متعبين إلى الأراضي الموريتانية وتم تسجيلنا كلاجئين ونقلونا إلى هذا المخيم" لكن محمد رغم حرصه على تقديم الشكر للسكان المحليين والسلطات الموريتانية إلا أنه مستاء من صعوبة الظروف، حيث يواصل معلقا "لا أدري على أي أساس تم اختيار هذا المكان ليكون ملجأ لنا، إنه مكان للموت، وصعب جدا أن نحافظ فيه على الحياة، لا توجد بنى تحتية ولا وسائل للحياة" ويضيف محمد آغ السيس بلغة فرنسة ضعيفة "نحن جئنا هربا من الموت بفعل الحرب الدائرة في بلادنا، وها نحن هنا مهددون بالموت عطشا وجوعا في هذا المكان".
جهود الإغاثة: عيون بصيرة.. وأياد قصيرة
العديد من المنظمات الانسانية الدولية والمحلية تنشط في هذا المخيم بالتنسيق مع السلطات الموريتانية، إلا أن الظروف الميدانية الصعبة هنا تبقى مقلقة بفعل تزايد تدفق اللاجئين بوتيرة تفوق طاقة الأجهزة المحلية والمنظمات الدولية العاملة في الميدان على توفير الخدمات الضرورية للحياة.وتبدو هذه المنظمات عاجزة حتى الآن عن تغطية حاجة اللاجئين على مختلف الأصعدة،حيث توجد نسبة 25 بالمائة من اللاجئين في ما يشبه العراء، إذ لم يحصلوا بعد على خيام تقيهم حرارة الشمس، فيما تبقى أزمة المياه عقبة كأداء في وجه الحياة في هذه البيئة الصحراوية القاسية.. ينضاف ذلك إلى نقص شديد في المؤن الغذائية، وضعف مخيف في التغطية الصحية، وانتشار واسع للأمراض والمجاعة. وتستدعي معاناة هؤلاء اللاجئين تدخلا دوليا عاجلا لتفادي وقوع كارثة انسانية بدأت ملامحها تلوح في الأفق.
إعداد الصحفي: إسحاق ولد المختار