جعمتني بالمرحوم الشيخ سعد بوه ولد أحمد بوها علاقات متعددة الزوايا مختلفة المجالات...
جمعنا السفر والحضر؛ عرفته في صحته واقتربت منه أكثر في مرضه.
لم تقتصر معرفتي به في المساجد وأماكن العبادة بل عرفته في المؤتمرات وخالطته في المعارض والأسواق كان حاله في الأسواق كحاله في المساجد ذاكرا بلسانه ربانيا في حركاته.
لا أبالغ إذا قلت إنني لم أعرف مثله خشوعا وحضورا في العبادات وأمانه ووفاء ودقة في المعاملات.
يشهد له كل من عرفه أن قلبه معلق بالمساجد ولسانه رطب من ذكر الله كان في صلاته خاشعا باكيا يطيل الركوع والسجود ويحسن التلاوة والتجويد.
أشهد أنه من أهل قيام اليل الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع لم يترك قيام اليل حتى وهو على سرير المرض .
محافظ على نوافله وأوراده. لم تلهه تجارة ولا بيع عن ذكر ربه.
كان-رحمه الله-محافظا على صيام النفل يصوم الإثنين والخميس صام معنا في إستانبول وقد جاءها للعلاج.
يتابع بين الحج والعمرة لا أذكر أني مذ عرفته فاتته حجة ولا عمرة اللهم إلا أثناء جائحة كورونا أو الحجة الأخيرة حيث كان مرضه في مراحل متقدمة ومع ذلك وجدنا مشقة في إقناعه بعدم قدرته على أداء المناسك؛ كنا نقول له يا شيخ صحتك لا تسمح لك بتأدية المناسك،
فيقول لنا: " هناك العربات روحي معلقة بالأماكن المقدسة الحج لا يجلب إلا الخير".
عبادته في مواسم الحج والعمرة حدث عنها ولا حرج جمعتني معه آخر عمرة في رمضان الماضي وقد بدأت بوادر المرض تظهر عليه ورغم ذلك حافظ على عبادته المعهودة في العمرة يحرص على المرابطة في الروضة الشريفة لا تفوته ركعة من قيام ولا تهجد ….
سفرك معه وقربك منه لا يزيدانك إلا حبا وتقديرا له.
في السفر – كما في الحضر-لا تفارق محياه ابتسامة خدوم لإخوانه رحيم بهم.
من أخلاقه في السفر أنه كان يحرص على التعاون حيث ينظم رفقته ويكلف من بينها من يكون المسؤول عن الصرف، وتنظيم النفقات وكان يقول لنا دائما "لا نريد أن نكون عبئا على أحد الأخوة والتعاون بركة".
كنا حين نصل الفندق يكون أول همه البحث عن مصلى الفندق وإن لم يكن فيه مصلى أقنع إداراته بتخصيص مكان لصلاة الجماعة يحرص دائما أن يكون هو أول من يدخله وآخر من يخرج منه وفي صلاة الفجر غالبا ما ينتظر الشروق في المصلى.
جمعتني مع الشيخ سعدبوه بعض الشراكات والأعمال التجارية فلم أر مثله في الصدق والأمانة والدقة في المعاملات كان يحرص على أن يكون هو الدائن وليس المدين، يحب الشفافية والوضوح يكره الغموض فضلا عن الخداع والتضليل.
أكرمني الله أني كنت من القريبين منه في مرض موته وأشهد أنه كان فيه من الصابرين المحتسبين فرغم شدة الآلام التي كانت تنتابه أحيانا إلا أن الابتسامة كانت لا تفارق محياه.
حين نتأثر يحاول هو أن يخفف عنا ويصبرنا، يسأل عن إخوانه ويفرح لزيارتهم ومن لم يجد منهم وقتا لزيارته يعذره ولا يعاتبه.
أثقل المرض جسمه عن الوقوف والحركة، ولكنه لم يثقل قلبه عن تعلقه بربه ولم يٌقَيِّد لسانه عن ذكره وتلاوته.
حافظ على ورده من قيام الليل وعادته في انتظار الشروق.
في اليوم الذي توفي فيه أدخل العناية المركزة في الصباح وأرجع لنا الأطباء سبحته ومعدات صلاته بعد ساعات سمح لنا بالدخول عليه كان أول ما سأل عنه صلاة الظهر.
توفي الشيخ سعدبوه بعيد صلاة المغرب في نفس اليوم الذي أدخل فيه العناية المركزة دخلت على جثمانه الطاهر بعد ساعات من وفاته فكان وجهه بعد موته كوجهه في حياته نور وبهاء.
رحمك الله يا الشيخ سعدبوه ووالله إننا لفراقك لمحزونون ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
عزاؤنا فيك أنك كنت لهاذ الموقف من العاملين ولم تكن عنه من الغافلين نسأل الله الرحيم الغفور أن يتقبلك في الصالحين وأن يرفع درجتك في عليين.
محمد الأمين الدي
استانبول 28-11- 2022