أقل من 6% نسبة النجاح في الباكالوريا في موريتانيا، فما هو مزاج أكثر من 94% من الطلاب الذين لم ينجحوا؟ وما هو مزاج ذويهم بخصوص الرضى عن واقع التعليم في ظل النظام الحالي؟ ما هو مصير حوالي 47,000 طالب لم ينجحوا في الباكالوريا من أصل حوالي 50,000 طالب؟ هل هم راضون عن التعليم مثلا في ظل عزيز الذي يحكمهم من حوالي 10 سنوات؟ ألا يعتبر التعليم هو الركيزة الأساسية في أي دولة والفشل فيه يكفي للحكم على النظام بالفشل؟ ألا تعتبر الباكالوريا من أهم وأخطر مراحل التعليم؟ هل يمكن مطالبة 50 ألف طالب وهم بهذا الشعور وهذه الخيبة، مع آلاف طلاب الجامعة الذين يعانون سوء الخدمات المتعلقة بالنقل والتعليم بالتصويت مثلا لتعديلات دستورية عبثية تكرس حكم شخص وصل بانقلاب ويعاني التعليم في ظله بهذه الدرجة؟
هل يمكن أن نصل من الوقاحة ما يجعلنا نكلم الطلاب أو ذويهم بخصوص تأييد النظام والتعديلات الدستورية والمأمورية الثالثة؟ أي احتقار هذا؟ ماذا لو تحركت 40 ألف طالب لم ينجحوا في الباكالوريا مؤطرين بالغاضبين من طلاب الجامعة الذين عانوا ويعانون، ومن يساندهم من ذوي الجميع، وقادوا مسيرات منظمة ومنضبطة ترفض استمرار هذا الحال، وتطالب بتوقيف هذه المهازل غير "الدستورية" والتوجه بهذا الجهد المالي والدعائي الهائل من أجل إصلاح التعليم؟
أليس من المخجل أن تكون نسبة النجاح في موريتانيا في ظل رئيس يدعي أن البلد شهد نهضة شاملة أيام حكمه أقل من 6% فقط، بينما تتجاوز 50% في المغرب مثلا هذا العام، وفي الجزائر اقتربت من 50% العام الماضي 2016، ووصلت في السنغال أكثر من 36% أي ضعف موريتانيا تسع مرات. أما في مالي التي تعاني حربا أهلية وتعد أفقر بكثير من موريتانيا من حيث الموارد، وأكثر ديموغرافيا فقد وصلت نسبة النجاح فيها في الباكالوريا خلال 2016 إلى 24.28 أي ضعف موريتانيا أربع مرات!! هذا دون واقع المعلمين والأساتذة المزري، ومأساة المؤسسات التعليمية نفسها إذا تكلمنا عن البنية التحتية والتجهيز والمكتبات الخ.
ألا تنطبق صورة التعليم على مجالات حيوية أخرى مثل الصحة على سبيل المثال؟ ماذا لو رفض المرضى وذووهم والأطباء الذين يدركون حقيقة تدهور قطاع الصحة، هذا الواقع وهذه العبثيات؟ ثم ألا ينطبق نفس الشيء على عشرات الآلاف من حملة الشهادات العاطلين عن العمل؟ ما الذي يمنعهم من التحرك ضد هذا الفساد والاستبداد وضد هذا الواقع السيء، وضد اختزال وطن كامل في شخص واحد وصل بالقوة وقد يغادر بها مما يدخلنا في نفق مظلم؟ ألا نشارك جميعا في صناعة هذا الواقع بالمساهمة فيه، أو السكوت عليه والاستسلام له؟
إن المرضى الذين لم يجدوا علاجا، والطلاب الذين لم يجدوا تعليما على المستوى، والعاطلين عن العمل من حملة الشهادات الذين لم يجدوا فرصة عمل، والجوعى الذين لا يجدون ما يأكلون، والعطشى الذي أنهكتهم أشهر الصيف وهم يصيحون دون أن يعيرهم النظام أذنا، والموظفون الذين يحرمون الترقيات والتعيينات إلا على أسس زبونية، وضحايا الواقع الخ يكفون لإرغام النظام على تصحيح مساره فيما بقي من مأموريته، وللتوقف عن هذا الفساد والعبث بالدستور وبالمؤسسات، وعن تبذير المال العام في مسرحيات لا تفيد الشعب بشيء. لكن شرط أن يبذل هؤلاء جهدا لا أن ينتظروا السماء لتمطر ذهبا، فهذا لن يحصل أبدا!