بعيدا عن جدلية الحزب الحاكم وحزب الحاكم، يعود بإلحاح مع كل موسم انتخابي، طرح السؤال عما إذا كنا أمام حزب دولة أم في دولة حزب؟ في ظل تسخير الوزراء الممارسين لخدمة أجندة حزبية على حساب خدمات عمومية في أغلب الأحيان.
فليس جديدا إيفاد الوزراء والمديرين ورؤساء المصالح وحتى القادة الأمنيين والعسكريين للتعبئة والحشد للحزب الحاكم، لكنها واحدة من المآخذ القديمة الجديدة على الحزب الحاكم أو حزب الحاكم.
فمنذ بداية التعددية السياسية وعلى اختلاف مسمياته وشعاراته، لم يستطع بعد! الحزب الحاكم أو حزب الحاكم، التخلص من ممارسات الحزب الواحد أو "حزب الدولة".
فقبل أقل من شهر قال قيادي في حزب الإنصاف الحاكم يرأس إحدى بعثاته إلى الداخل - حسبما نقلت وكالة الأخبار المستقلة - إن النظام والحزب كحزب حاكم لا يملك المناصب الانتخابية وحدها؛ لأن هذه عددها محدود، وإنما يملك الترضيات الكثيرة، والتعيينات في وظائف الدولة؛ مضيفا أن الحزب لديه أيضا المشاريع الخدمية التي تهم المواطنين، كالسدود ومشاريع المياه الصالحة للشرب وغيرها.
وهذا عينه تسخير الدولة لخدمة المصالح الحزبية الضيقة، وهو خطر على الدولة والديمقراطية معا.
فمبدأ التعددية السياسية يقتضي الفصل بين المناصب السياسية والإدارية، ويفرض عدم تسخير مقدرات الدولة لخدمة المصالح الحزبية، وعدم استغلال المناصب الإدارية والخدمات العمومية للتأثير على إرادة الناخبين.
وأردف رئيس بعثة الحزب الحاكم، آنف الذكر، أن النظام والحزب كحزب حاكم؛ لديه الكثير من الترضيات التي يوزعها على الأفراد والجماعات.
وهو خطاب يتنافى مع مبادئ الإنصاف الذي يتسمى به الحزب، كما يتناقض مع الخطاب الثوري على القوالب الجامدة الذي أطلقه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في جل خرجاته الإعلامية، وهو ما يعني بعبارة أخرى أن الحزب الحاكم أول الضاربين عرض الحائط بتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية.
فمن البداهة بمكان القول إن من حق الحزب الحاكم، كأي حزب سياسي، رص صفوفه في مواجهة خصومه السياسيين من معارضين وحتى موالين، كما تحق له الاستفادة من كل المناصب السياسية بحكم أغلبيته الساحقة، لكن لا يحق له بأي حال من الأحوال تعطيل خدمات الدولة بإيفاد الموظفين العموميين في الحملات السياسية السابقة لأوانها، ولا ابتزاز المواطنين بالخدمات العمومية التي لا منّة له عليهم فيها.
صحيح أن موازين القوى في الانتخابات الرئاسية ليست هي نفسها الموازين في الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية، لعدة عوامل منها الخصوصية المحلية، وتعدد الفاعلين السياسيين، والاحتكاك المباشر بين الدولة والقبيلة، وضعف تأثير الأولى إذا لم تصادف خيارات - ما يمكن الاصطلاح على تسمية بـ"حزب الدولة" - مع خيارات الأخيرة.
والمتتبع لترشيحات الحزب الحاكم أو حزب الحاكم، وما أعقبها من انسحابات وترشيحات مناوئة سرا وعلانية، وكذا انتظار العديد من الأحزاب السياسية لمغاضبات الحزب الحاكم، وإيثارها المغاضبين على المناضلين، يدرك حجم اختلال الممارسة السياسية في البلد بعد زهاء ثلاثة عقود من التعددية السياسية.
كما تُظهر، دعوات الحزب الحاكم المتكررة للانضباط الحزبي، وتحذيراته من المُغاضبة، وكذا ردة الفعل المتشنجة التي أبداها على ترشيحات بعض الأحلاف السياسية المنضوية تحت لوائه ضد مرشحيه في بعض الدوائر، حجم الضغط الكبير الذي يقع على عاتقه كحزب ونظام، في الانتخابات المقبلة (13 مايو 2023) رغم تذيل أغلب أحزاب المعارضة التقليدية قوائم ترتيب الترشيحات من حيث العدد والدوائر، وحتى ضعف رهاناتها حسب أغلب المتابعين.
لكن كون هذه الانتخابات هي أول اختبار سياسي للحزب باسمه ومرجعيته الجديدين، وما يضع عليها من رهانات في تحديد خارطته السياسية في الانتخابات الرئاسية 2024 - وإن كانت موازين القوى غير متطابقة كما أسلفت - قد يفسر حجم الأهمية التي تكتسيها بالنسبة له؛ غير أن تلك الأهمية لا تبرر أبدا جعل الحزب حزب دولة، ولا تحويل الدولة إلى دولة حزب.