في لحظات الإرجاف أتصل بمن أثق فيهم لتبين الخيط الأبيض من الأسود، عادة أعيد تحرير ما سمعت مع توابل من عندي لكني هذه المرة اخترت النقل الحرفي لأترك لكم الحكم..
تحول الفيس بوك فجأة إلى ناد للفقهاء والعلماء والمفتين، يتبارون في فتاويهم، بين التكفير والتفسيق والتبديع، تعليقا على حديث سيدي محمد ولد محم، حين قال إن الرئيس ولد عبد العزيز "أطعم من جوع وآمن من خوف"،
صحيح أنه في آية قريش، وصف الله نفسه بهذه الأوصاف، لكن هل كل وصف أطلقه الله على نفسه، لا ينبغي أن يطلق على عباده، من أين جاء فقهاء الفيس بوك بمثل هذه الفتوى، ألم يصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالحليم في القرآن الكريم أكثر من مرة، كقوله تعالى: "ليدخلنهم مدخلا يرضونه، وإن الله لعليم حليم"، وقوله: "..ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا"، إلى غير ذلك من الآيات.
ثم ألم يصف الله عبده ونبيه إبراهيم بالحليم، قال تعالى: "إن إبراهيم لأواه حليم" ـ (التوبة). وقال تعالى: "إن إبراهيم لحليم أواه منيب" ـ (هود)، وقال تعالى: "فبشرناه بغلام حليم".. إلى غير ذلك.
ألم يصف الله تبارك وتعالى نفسه بأنه رؤوف الرحيم، قال تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيم"ٌ، ثم وصف عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم، قال تعالى: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ". وفي الآيات السابقة، ترد الصفة مطلقة دون تقييد، (حليم، رؤوف رحيم).
ألم يصف الله تبارك تعالى نفسه بالعظيم، حيث يقول في آية الكرسي: "وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"، ونجد النبي صلى الله عليه وسلم في رسائله لملوك العالم يصف كسرى بعظيم الفرس، وهرقل بعظيم الروم، والمقوقس بعظيم مصر..
وحتى الإطعام الذي نسبه الله لنفسه في سورة قريش: "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، نسبه في سورة الإنسان، لعباده الأبرار، قال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا"، بل يقول في سياق مدحهم، إنهم ينسبون هذا الإطعام لأنفسهم حين يقولون: "إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا".
ويقول الله تبارك وتعالى في الإطعام: "ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم"، ويقول في سورة الحج: "فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير".
والرسول صلى الله عليه وسلم، يقول في الحديث الشريف: "أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"، ويقول أيضا فيما رواه أحمد: "خياركم من أطعم الطعام".
والمطعمون من قرش اثني عشر رجلا، سماهم الصحابة بهذا الاسم.
والحطيئة يقول للزبرقان، في عهد عمر بن الخطاب، ولم تأخذ عليه:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أما الناقدون على الرجل اقتباسه الآية الكريمة في كلامه، بحجة معارضة الدين للاقتباس، فإليكم النشيد الوطني الذي تدافعون عنه، ألم يقل فيه باب ولد الشيخ سيديا رحمه الله، وهو في بتلميت: "فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا.." أو ليست آية من سورة الكهف، ألم يتغزل محمد ولد الطلب، وهو شاعر العلماء وعالم الشعراء بقصيدة مطلعها:
إن لي بالدموع سبحا طويلا.. لا أذوق المنام إلا قليلا
من هوى خدلة متى تلق امرءا.. تأخذ القلب منه أخذا وبيلا..
والقصيدة في كل أبياتها اقتباس من سورة المزمل، ولم ينتقده أي عالم من معاصريه أو المتأخرين عنه.