الأخبار (نواكشوط) - صدر حديثا في موريتانيا عن دار "قوافل للنشر" مؤلف جديد يحمل عنوان: "مشاكل مالي وأزمة أزواد.. الأبعاد والحلول"، لمؤلفه الدبلوماسي والوزير السابق محمد محمود ولد ودادي.
الكتاب الذي جاء من 9 فصول و7 ملاحق وفي 199 صفحة، يرصد فيه الكاتب والدبلوماسي السابق ولد ودادي أبعاد علاقة الحكومات المالية المتعاقبة مع ساكنة منطقة أزواد والدور الفرنسي في تلك العلاقة، مع توفير أرضية تاريخية تسهم في فهم أبعاد المشكل وتجلية الحلول التي يقترح الكاتب.
وأثناء التجلية لأبعاد المشاكل المالية الأزوادية يتوقف الكاتب بين الفينة والأخرى مع مظاهر علاقة دول الجوار العربي لمنطقة أزواد (موريتانيا - الجزائر - ليبيا) بساكنة المنطقة ومواقفهم من أحداث الإقليم المتلاحقة وبالتحديد في الفترة ما بين الثورة الأزوادية الأولى عام 1963 وحتى اتفاق الجزائر 2014 وما لحقه من تطورات في الملف.
تبيئة المنهج
في توطئته لكتابه وضح محمد محمود ودادي منهجا ارتأى تبنيه لتوحيد كتابة الأعلام في مؤلفه الجديد على غرار باقي مؤلفاته، وذلك انطلاقا من أصول الأعلام العربية أو الملحقة بالعربية.
واعتمد المؤلف في كتابه استعمال الأشهر القمرية المحكية في موريتانيا وجوارها إلى جانب الأشهر القمرية العربية (العيد، عاشور، اتبيع، المولود)، كما عمد المؤلف إلى الاستعانة بالتشكيل في أسماء الأعلام بدل استعمال حروف العلة (بَمكُ وروصُ ودَكار).
مشاكل متراكمة
يبدأ محمد محمود ولد ودادي حديثه بدءا من فصل كتابه الأول انطلاقا من اعتبار جمهورية مالي وريثة الإمبراطورية الإسلامية في الغرب الإفريقي، فيتوقف مع مراحل مفصلية من تاريخ الإمبراطوريات الإسلامية في المنطقة.
ويرى ولد ودادي في هذا الفصل أن الإمبراطوريات الإسلامية شهدت فترتها انسجاما وتلاحما بين مكونات شعوب كثيرة منها الطوارق والعرب خاصة بعد المد المرابطي، غير أن فترة الاستعمار الفرنسي للمنطقة شهدت تعريض مالي وسكانها للقهر السياسي والحضاري.
فباشر المستعمر منذ احتلال البلاد المالية عام 1306 هـ/1880 غ، تفكيك الموانع التي تقف أمام تغلغله وسيطرته، بدءا بعزل السكان عن واقعهم الحضاري والثقافي، ومحاربة اللغة العربية والإسلام بشكل خاص.
ويرى المؤلف في ذات الفصل إن "فرنسا ورثت النخب التي سلمتها الحكم عداء الإسلام واللغة العربية، مثل ما هو قائم في البلد الذي نتحدث عنه اليوم، فتشكلت مفارقة عجيبة وهي أن تصبح مالي موصومة بمعاداة تاريخها ودينها وحضارتها".
هذا المشكل البنيوي في فلسفة الدولة المالية انضاف له واقع اقتصادي متغير في المنطقة وإرث من محاولة المحتل الفرنسي إسكات سكان الإقليم المطالبين بوضع جديد لإقليمهم خلال انتشار حركات التحرر وبداية انطفاء نير الاستعمار.
ومثل إعلان استقلال دولة السودان / مالي عام 1960 مع بقاء الإقليم ضمن أراضيها الجغرافية؛ صدمة لوجهاء أزواد "لأنهم كانوا يتوقعون إقامة المنطقة المشتركة للمناطق الصحراوية والانفصال عن السودان / مالي لتتحقق مطالبهم بقيام دولة خاصة بطوارق الصحراء الكبرى والمجموعات ذات الأصول الأمازيغية".
وغداة إعلان استقلال البلاد انتهجت الحكومة الجديدة نهجا علمانيا اشتراكيا شدد القبضة على الإقليم الأزوادي، مما أسهم في قيام الثورة الأزوادية الأولى عام 1963، واستغلت حكومة مالي أحداث الامتعاض من قرارات الاشتراكية المفروضة على السكان لترويج أن الاحتجاجات كانت بهدف انفصال الإقليم.
ويسوق الكاتب مشاهد مؤلمة لمعاناة قادة الثورة الأزوادية الأولى والمعارضة في البلاد، ويصل لاحقا لمشاهد مماثلة عاشها من تولوا تعذيب أولئك القادة بعد أفول نجم حكم الرئيس الأول لجمهورية مالي مودب كيتا.
وتوالت أزمات الإقليم ومعاناته مع الإهمال والتضييق ليصل التأريخ نهاية السبعينات فتتعمق المشاكل بحصول جفاف ضرب الإقليم بقوة في ظل تجاهل شبه تام من طرف الحكومة المالية لواقع الإقليم، وأعقب هذا الوضع جرائم التهريب وتتحول المنطقة من مفازة عبور للبضائع المهربة واستقرارها، إلى طريق لتهريب المخدرات والسلاح ومنطقة حاوية لتجار الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومجال لتصفية الحسابات فيما بينها، وسط حديث ومؤشرات عن وجود يد للحكومة في صناعة ورعاية ما يحدث.
وأمام هذا الوضع وكردة فعل عليه قامت الثورة الأزوادية الثانية عام 2011، لتعلن الحركة الوطنية لتحرير أزواد استقلال الإقليم في 2 من ربيع الآخر / لبيظ لول 1444 الموافق 22 مارس 2012.
ويرى ولد ودادي أن إرث العقدين الأخيرين حينها من التخريب والفوضى "حال دون وضع تصور لما بعد التحرير، فظهر الخلاف بين مكونات جبهة التحرير"، ونجح أعداء الثورة لاحقا "في تعطيل تصدر حركة تحرير أزواد للمشهد باستهدافها المفاجئ من مجموعة خارجة من رحم قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي".
وإثر الصراع الحاد بين الأطراف حينها ونمو الجماعات المسلحة وتوفر الأسلحة عقب الثورة الليبية 2012 حدث تدخل دولي في الإقليم وعادت فرنسا مجددا لتضرب بخيلها ورجلها في الإقليم، وتتفاقم معاناة السكان، وتتشعب أزمات الإقليم ومالي ككل.
موريتانيا وأزواد
يتحدث الكاتب بإسهاب في عدة مواضع من مؤلفه عن العلاقات التاريخية بين موريتانيا وأزواد، وتعاطف موريتانيا مع سكان الإقليم وحمايتهم، وعن موقع موريتانيا وموقفها من الصراعات في الإقليم ومواجهتها لأوضاع المنطقة المختلفة.
فيقف المؤلف في الفصل الثاني من كتابه مع مظاهر الترابط بين موريتانيا وأزواد ويقول إن سكان موريتانيا على طول تاريخهم ظلوا يعتبرون أزواد امتدادا لهم، مضيفا أن عديد العوامل جعلت من أزواد وموريتانيا صنوان يكمل أحدهما الآخر على كل الأصعدة اجتماعيا وتاريخيا وثقافيا واقتصاديا.
ويعود ولد ودادي ويؤكد هذا المبدأ بتخصيص الفصل السادس من مؤلفه للعلاقات الأزوادية الموريتانية ويعنونه بـ "موريتانيا: من التعاطف إلى الحماية"، ويرصد الكاتب في هذا الفصل تعبير عدد من الموريتانيين عن عواطف جياشة تجاه الأزواديين في محنة الجفاف المشتركة بين موريتانيا والإقليم نهاية سبعينيات القرن الماضي.
ويروي ولد ودادي أن من لجأوا لموريتانيا من الإقليم حينها شاطرهم الموريتانيون عيشهم واستقروا كمواطنين، كما شمل سكان الإقليم ما يشمل المواطنين الموريتانيين من تسهيل للإجراءات وقبول في دولة ليبيا غداة انفتاحها إذ ذاك على العالم العربي.
وفي أحد العناوين الفرعية من الفصل التاسع من الكتاب يرصد المؤلف طبيعة تعامل موريتانيا مع الوضع الجديد في مالي بعد تكاثر الجماعات المسلحة ووجود تدخل دولي متعدد الأطراف.
وفي نفس السياق يتوقف الكاتب مع أحداث قتل الموريتانيين المتكررة على الأراضي المالية، واحتضان موريتانيا لمهاجرين من إقليم أزواد على أراضيها في مخيم "امبرة" وفي مدنها وقراها الداخلية.
حلول مقترحة
يخلص مؤلف كتاب "مشاكل مالي وأزمة أزواد.. الأبعاد والحلول" في خاتمته إلى أنه "بعد استعراض الجوانب التاريخية والثقافية وقضية الهوية والحروب والأزمات في إقليم أزواد وخاصة منذ اندلاع ثورة 1963 يسجل شبه إجماع من المتابعين للأزمة المالية على أن لا مناص للحكومة المالية من التفاوض مع زعماء الحركات الإسلامية المسلحة الطارقية والعربية والفلانية" ذات الوجود المؤثر في الصراع القائم.
ويرى ولد ودادي وجاهة قبول الحكومة المالية وجود نظام لا مركزي يتولى فيه السكان تسيير شؤونهم الداخلية بقوانين تلائم طبيعة كل إقليم وتلبي تطلعات سكانه، وعلى رأسها احترام الهوية والمعتقد واللغة والتقاليد.
وينقل ولد ودادي أن عددا من المراقبين للشأن المالي يرون المفاوضات مع الجماعات الخارجة اليوم عن اتفاق الجزائر كفيلة بالتوصل إلى حلول وسطية لمشاكل البلاد.