نُغالبُ موتا يشتهي من يُحاذرُه *** ويأمنه حدَّ الخلودِ مناورُه
وكم من جبانٍ مات كلّ دقيقة *** وكم من شجاع خلدته مآثرُه
يعيش الشجاعُ العمرَ حتى يملّه *** وتحميه من غير المصير مقادرُه
ورب جبانٍ طال في الخِزي عمره *** وساء ختاما هُلْكُه ومصائرُه
وقد تهزم الأبطال يوم يقودها *** جبانُ فؤادٍ أثخنتها خسائرُه
ويُنصر جيش كامل بمظفر *** له المجد ميمون من الله طائرُه
فتى واحد يحيي قلوبا عديدة *** وتتبعه شرقا وغربا جماهرُه
إذا جَدّ جِدّ الأمر ينصرُ نفسه *** وتقدمُه الأبطال والله ناصرُه
يلوذ به من طارَ في الحرب لبُّه *** وتُسنِدُ من خارتْ قُواهُ بوادرُه
يماسي بحزمٍ كلّ أمرٍ مداهمٍ *** ويُخضعهُ بالعزم حين يباكرُه
يرى الرأي قبل القوم حتى كأنه *** يرى صفحة الأقدار ما كلّ ناظرُه
ويصنع قُوّادا ستكمل بعده *** يشاورها في أمره وتشاوره
يطيعونه حبا وسيّان عندهم *** أمانيه - لا يعصونها - وأوامره
وإنّ جَنانَ المرء أعتى سلاحه *** إذا سُدّدت بالرأي – قبلُ - خواطره
بأكناف بيت المقدس اليوم عُصبة *** تُطاوِل ظلما ضامها وتُناوره
ولا حصنَ إلا مدفع الحُرّ دافعا *** ولا تُرسَ يحمي الموت إلا ذخائره
ولا مدد إلا الدعاء مجنحا *** وحزن فؤاد نازفِ الجُرحِ غائره
كفى غليان القلب والحُرُّ رابه *** - وما زال حيا - كيف تسبى حرائره؟!
وقد أعجز الدنيا الفدائيّ أعزلا *** يصابر أوغاد الورى وتصابره
وشعبٍ على مرأى يباد ومسمعٍ *** فما عاد تعني الناس – جبنا - مجازره
يشيّد فوق الأرض - فخرا- بيوته *** وإن هدمت قامت عليها مقابره
وإنْ هَجّروهُ في البلاد مشردا *** فإنّ ثراها في الحشا لا يغادره
وخرسٍ على تلك الكراسيّ ركع *** يخافون دهرا أن تدور دوائره
وللدهر وثْباتٌ تقوّم مائلا *** من الحال مهما لجَّ في الظلم جائره
وللشعب ثوراتٌ وللفِعل رَدّةٌ *** فلا تأمنوا شعبا أثيرت مشاعره!!
وكم من أسير حرر الدهر شعبه *** بفكرةِ حرٍّ لم تعقه أساوره
وأخطرُ من أسر الرجال خنوعهُم *** لحكم ضعيفٍ فاسد الرأي عاقره
ومن يرتجي الإنصاف والسيفُ مغمد *** بصائره عُميٌ وعُميٌ بواصره
لقد ملك القوم القرار بمكرهم *** ودانت لهم من قبل ذاك دوائره
على أن من يملك بمكرٍ وخُدعة *** فلا بدّ أن تُجلَى قريبا مناكره
ومن طلب النصر القريب يفوته *** وبالعزم والتخطيط تأتي بشائره
فعلّمْ بنيك الدرسَ وازرع فسيلة *** من العزم في الجيل الذي أنت حاضره
وإن أنت لم تدرك من النصر جولةً *** فحسبك نصر قادم أنت باذره
سينفضّ إخوان القرود غُلبّة *** كما فرق الطيرَ المعشّشَ زاجره
وإن أخذوا الأسباب واشتد بأسهم *** طويلا فإن الليل يشرق آخره
وإن اضطهادا أوجع القلب دافع *** قويُّ لنصر قد أظلت بوادره
وقد وهن الأنذال والعيش راغد *** وكم هان وغد باذخ العيش فاخره
ومن خاف حقا فرّ يطلب بيته *** فشُدّ على العلج الذي ستساوره
وذكره أن الأرض تعرف شعبها *** وتنصره إن عزّ يوما مناصره
إلهي تقبلْ مَبلغ الجهد من فتى *** على البعد والإعسار ثارت مشاعره
وليس من أهلِ السيفِ لكنْ قريضه *** برغم الأعادي غاضب الحرف ثائره
وإن جهاد القول للدين نافع *** وكم نصر الإسلام من قبل شاعره
وأختم قولا ما أردت ختامه *** بقول يريح الروحَ والقلبَ عاطره
صلاة على المختار والآل لم تزل *** جلاء لهمّ أثقل القلب زاخره
بها أبتدي قولي وأختم دائما *** ورب كلام زينته أواخره
تفرج هم المسلمين معيدة *** أواصر دين خالدات أواصره
وإني أرى في الأمر خيرا وإن تكن *** تَخفّتْ بأشكال البلاء ظواهره
فكم من بلاءً حاملٍ تحت ثوبه *** من الفرج المنشود ما الله قادره
وصلّ على المختار مُسيا وبكرة *** صلاةً كمنهلٍّ تجودُ بواكره
وسلّمْ عليه كلّ يومٍ وساعةٍ *** سلاما إذا نشتاق طه نبادره