كل الدول عبارة عن تراكمات ونتاج تجارب طويلة بعضها فاشل وبعضها ناجح هي نتيجة إستراتيجيات يتم تعديلها مراعاة للمصلحة والظروف والعلاقات الداخلية والخارجية، هي بناء لا يكتمل يهدف إلى رفاه المواطن ولا غير، وكل الأنظمة والإدارات متغيرة وهذه هي سنة الحياة على الأرض، لكن قبل كل تغيير هناك دراسات تنتظر التمويل وإستراتيجيات قيد التطبيق وبرامج قيد الإنشاء وخطة لم تكتمل ومع ذلك قد تكون قد قطعت أشواطا من التقدم توجب على كل إدارة قادمة أو أي نظام جديد أخذ تلك الأشواط بعين الاعتبار ومراعاتها والانطلاق منها لتستمر مسيرة البناء وليقطع الوطن أشواطا إلى الأمام لا ليرجع إلى المربع الأول ويظل يحاول التقدم حتى تنتهي المأمورية ويأتي نظام آخر وينسف ما قبله ليسقط في نفس الأخطاء وتظلُّ ساعة الوطن متوقفة بخلاف العالم ويبقى الوطن يراوح مكانه وهو يعيش على أمل التقدم والنماء، ولتقريب الأمر على سبيل المثال: لو ورثنا قطعة أرضية لا نمتلك غيرها ليس فيها سوى كوخ من الصفيح وخباء وما يشبه المرحاض من الخشب وليس فيها ماء ولا كهرباء، فمن حقنا أن نفكر في جعله مسكنا لائقا لكن ليس من الحكمة أن تكون الفكرة الأولى هي أن نهدمه بحجة أنه ليس مسكنا لائقا لأن الفترة التي سيستهلكها إنشاء مسكن لائق سنقضيها في العراء وقد لا ينتهي المسكن اللائق وتنقضي الفترة المحددة وفي الأخير تكون النتيجة أننا خسرنا المسكن القديم ولم ننه الجديد يعني أننا أصبحنا بلا مأوى لذا كان ينبغي أن نُبقي َّ على المسكن القديم ونبدأ في توفير الوسائل التي يمكن من خلالها إنشاء مسكن لائق فنبدأ بتوفير مياه دائمة ثم توفير كهرباء دائمة كأولويات تُسهل ما بعدها هكذا نكون وظفنا الإمكانيات المحدودة التي وجدناها وهي الكوخ وما حوله من أخبية حتى تحين لحظة البناء والتي لن تتطلب الكثير من الجهد ولا الكثير من الوقت ولو انتهت الفترة المحددة قبل أن تحين لحظة البناء أو قبل أن تتوفر الكهرباء المستمرة فالنظام الذي سيتولى الأمور يعمل على توفير الكهرباء بعد أن توفرت له المياه وهكذا ليأتي بعد ذلك نظام آخر يجد الظروف مهيئة للبناء وهذه هي التراكمات التي تبنى من خلالها المشاريع والدول وحتى الحضارات..
أما في بلدنا فالتراكمات هي الشماعة التي يعلق عيها النظام فشله وهي إشارة إلى الهدم وإلى السلبيات التي يجب القضاء عليها فقبل أن نبدأ في البناء نبدأ بالهدم لننطلق من نقطة الصفر وهذا من المفارقات الغريبة وفي شتى المجالات، فكم من مواطن ضاعت أرضه نتيجة لسبب بسيط هو أن الوالي الحالي لا يعترف بأوراق وقعها سلفه ولا حتى بوعد قطعه سلفه على نفس الإدارة، وكم من حاكم وقع وثيقة ولم يعترف بها خلفه، وكم اتهمت إدارة بالفساد لا لشيء إلا لأنها زالت فكلما تبدلت إدارة كشفت عورات سابقتها، وكأن الوطن باب الجحيم {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة ٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} أو كأن مفهوم الدولة محكوم عليه أن يظل في خط البداية، والأكثر غرابة أن الذي يتهم الإدارة بالفساد قد يكون أحد أركانها قبل زوالها بل قد يكون من من استمات في الدفاع عنها قبل زوالها.
واليوم نذكر المدافعين عن النظام بعد أن أمضوا قرابة نصف فترة الرئيس معاوية في الحكم أن بوابة الرقي والنماء والتقدم وهي التعليم سجلت نسبة نجاح وصلت في مسابقة الباكلوريا بالنسبة للتعليم النظامي 1%!!! بعد عشر سنوات من الحكم سميت إحداها بسنة التعليم.