الأخبار (نواكشوط) – دخلت المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد اليوم مرحلة المداولات، وذلك بعد أن أكملت الاستنطاق الأخير للمتهمين في الملف رقم: 01/2021، والمعروف إعلاميا بـ"ملف العشرية".
ووصلت المحكمة إلى هذه المرحلة بعد أكثر من عشرة أشهر عقدت خلالها عشرات الجلسات، واستمعت لكل المتهمين في الملف، كما استدعت عددا من الشهود، قبل متابعة المرافعات التي شارك فيها عشرات المحامين، وكانت آخر المراحل الاستنطاق الأخير للمتهمين، وهي المرحلة التي اكتملت صباح اليوم الأربعاء.
"سجن" للقضاة
وينص القانون على جعل مرحلة المداولات "سجنا قصيرا" لتشكلة المحكمة، وذلك وفقا للمادة، 320 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تقول: "ينسحب قضاة المحكمة والمحلفون إلى غرفة المداولات. وليس لهم أن يخرجوا منها إلا بعد أن يتخذوا قرارهم".
ويعني هذا المقتضى القانوني بقاء أعضاء المحكمة في غرفة المداولات، وعدم مغادرتها لأي سبب، لحين توصلهم إلى الحكم في الملف، وإعلانه في جلسة علنية.
وفي المادة 318، من نفس القانون، جاء أن رئيس المحكمة يقرر "ختم المرافعات، ويمكنه أن يلخص أدلة الاتهام والدفاع"، فيما أضافت المادة: 319 أن رئيس المحكمة يُخرج "المتهم من قاعة الجلسة. ويأمر الفرقة القائمة بالنظام أن تقوم بحراسة جميع أبواب غرفة المداولات التي لا يمكن أن يدخلها أي شخص لأي غرض بدون إذن من الرئيس".
تداول وتصويت سري
وخصص المشرع الموريتاني الباب السادس من قانون الإجراءات الجنائية لمرحلة "الحكم"، وذلك من المادة: 320، وحتى المادة 339، حيث غطت هذا المواد مختلف الخطوات والإجراءات اللازم اتخاذها خلال فترة المداولات.
وجاء في المادة: 321 أن أعضاء المحكمة الجنائية يتداولون "وبعد ذلك يأخذون الأصوات في أوراق تصويت سرية، وبواسطة اقتراع عن كل سؤال على حدة من الأسئلة الموضوعة، وعن الظروف المخففة، التي يلتزم الرئيس بطرحها عندما تكون قد ثبتت إدانة المتهم".
وأضافت هذه المادة في فقرتها الثانية أنه "تعد في صالح المتهم أوراق التصويت البيضاء أو التي تقرر أغلبية الأعضاء بطلانها"، فيما أضافت الفقرة الثالثة أنه "في حالة الإجابة بالإيجاب على سؤال إدانة المتهم تتداول المحكمة الجنائية في تطبيق العقوبة، وبعد ذلك تؤخذ الأصوات بواسطة أوراق تصويت سرية بالأغلبية المطلقة، وتذكر القرارات على ورقة الأسئلة الموقعة عليها حال انعقاد الجلسة من طرف الرئيس وأحد المحلفين تعيينه المحكمة بالأغلبية".
وشددت الفقرة الرابعة من نفس المادة على أنه "ينطق بالحكم سواء كان بالبراءة أو الإدانة في جلسة علنية وبحضور المتهم".
ونصت المادة: 322 على تداول "أعضاء المحكمة الجنائية حول المسؤولية الجنائية للمتهم"، وكذا قيامهم "بالفصل في الواقعة الرئيسية أولا، وعند الاقتضاء في كل ظرف من ظروف التشديد، والتكييف الاحتياطي، وفي كل عذر من الأعذار الشرعية، وفي النهاية حول منح ظروف التخفيف".
فيما جاء في المادة: 325 على أنه: "إذا أعفي المتهم أو برئ يطلق سراحه حالا ما لم يكن معتقلا لسبب آخر"، وجاء في المادة: 326 أن "كل متهم حكم ببراءته أو بإعفائه لا يمكن أن يتابع بعد ذلك من أجل نفس الوقائع ولو وصفت بوصف قانوني آخر".
أفق مفتوح
رئيس المحكمة القاضي عمار ولد محمد الأمين أعلن اليوم حجز الملف المعروف بـ"ملف العشرية" للمداولات، مؤكدا أنه سيتم النطق بالحكم بعد انتهاء المداولات في جلسة علنية.
وقد تباينت آراء المحامين في قراءة هذا الإعلان، وما إذا كان تحصيل حاصل، لأن القانون ينص على أن الأحكام تعلن في جلسة علنية، أم أنه يقصد من خلاله أن المحكمة ستوجه استدعاءات جديدة لكل الأطراف لحضور جلسة علنية جديدة يتم فيها إعلان الحكم.
كما تباينت آراؤهم وتوقعاتهم حول الأفق الزمني الذي يتوقع أن تصدر فيه المحكمة حكمها، فينما توقع بعضهم فترة وجيزة من يوم أو يومين، ذهب بعضهم إلى أن الأمر قد يتطلب عدة أيام، وربما أسبوعا أو أكثر.
فيما اعتبر بعضهم أن وضعية المتهمين قد تشكل مؤشرا على ما تنويه المحكمة، ففي حال أبقتهم داخل المحكمة ولم تعدهم إلى أماكن سجنهم، فهذا يعني أن توقيت إصدار الحكم لن يطول، وفي حال أعادتهم، فهذا يعني أنها مداولاتها قد تطول.
محكمة خاصة
وتولت محاكمة المتهمين في الملف المعروف إعلاميا بـ"ملف العشرية" محكمة خاصة تم إنشاؤها وفقا لمقتضيات المادة: 33 من القانون رقم: 014 – 2016 الصادر بتاريخ 15 إبريل 2016، والمتعلق بمكافحة الفساد.
وقد طبقت المحكمة منذ بداية استلامها للملف إجراءات المحاكم الجنائية، وذلك على الرغم أن القانون لم يصفها بأنها محكمة جنائية، كما أن المرسوم المحدد لمقرها لم يصفها بذلك.
كما اختلفت تشكلتها عن تشكلة المحاكم الجنائية العادية، حيث إن المحاكم الجنائية تضم محلفين اثنين إلى جانب رئيسها ومستشاريه، في حين أن هذه المحكمة تضم رئيسا ومستشارين اثنين فقط، ولا وجود للمحلفين في تشكلتها.
وقد جاء في المادة: 33 من القانون رقم: 014 – 2016 الصادر بتاريخ 15 إبريل 2016، والمتعلق بمكافحة الفساد أنه "تنشأ في الدائرة الترابية لمجال اختصاص محكمة استئناف نواكشوط محكمة ابتدائية مختصة في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وتلك المرتبطة بها، أو التي لا يمكن فصلها عنها".
وأضافت فقرتها الثانية أن اختصاص المحكمة يمتد على جميع التراب الوطني، فيما حددت الفقرة الثالثة تشكلة المحكمة في رئيس ومستشارين اثنين، ومنحتها الفقرة الرابعة إمكانية عقد جلسات متنقلة.
وقد عُنون المرسوم رقم: 019 – 2017، الصادر بتاريخ: 17 فبراير 2017، بأنه "يحدد مقر المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد"، وهو الاسم الذي اعتمدته المحكمة في قرارتها، ومراسلاتها.
ويحاكم في الملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعدد من المسؤولين خلال حكمه والشخصيات المقربة منه، وهم:
- الوزير الأول السابق يحي ولد حدمين
- الوزير الأول السابق محمد سالم ولد البشير
- الوزير السابق محمد عبد الله ولد أوداع
- الوزير السابق الطالب ولد عبدي فال
- المدير العام للسابق للشركة الموريتانية للكهرباء "صوملك" محمد سالم ولد إبراهيم فال الملقب "المرخي"
- الرئيس السابق للمنطقة الحرة بنواذيبو محمد ولد الداف
- صهر الرئيس السابق محمد ولد امصبوع
- رجل الأعمال محمد الأمين ولد بوبات
- العدل المنفذ محمد الأمين ولد ألوكاي
- يعقوب ولد العتيق
- هيئة الرحمة الخيرية.
وكانت النيابة العامة قد قدمت طلباتها في الملف يوم الثلاثاء 24 أكتوبر المنصرم، حيث طلبت إدانة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بالسجن 20 سنة، ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها من العائد الإجرامي، وغرامة مالية بضعف المبلغ المحجوز لديه.
فيما طلبت إدانة يحيى ولد حدمين، ومحمد سالم ولد البشير، والطالب ولد عبدي فال، ومحمد عبد الله ولد أدواع بالسجن 10 سنوات، وغرامة مالية قدرها 10 ملايين أوقية جديدة، ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها من العائد الإجرامي.
أما المتهم محمد سالم ولد إبراهيم فال الملقب المرخي، فطالبت بإدانته بالسجن 10 سنوات، وغرامة 5 ملايين أوقية جديدة، ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها من العائد الإجرامي.
فيما طلبت السجن 10 سنوات لكل من محمد ولد الداف ومحمد الأمين ولد ألوكاي وغرامة 10 ملايين أوقية جديدة، ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها من العائد الإجرامي.
وكانت طلبات النيابة في حق محمد ولد امصبوع ومحمد الأمين ولد بوبات ويعقوب ولد العتيق، هي السجن 5 سنوات، وغرامة 1 مليون أوقية جديدة، ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها من العائد الإجرامي.
وطالبت النيابة العامة بحل هيئة الرحمة الخيرية - التي أنشأها الراحل أحمد ولد عبد العزيز، نجل الرئيس السابق، وتولى رئاستها بعد وفاته شقيقه بدر ولد عبد العزيز - ومصادرة ممتلكاتها.