الإصلاح الشامل (1)
تقدم لمسابقة المدرسة الوطنية للإدارة الأخيرة 50000 متسابق يتنافسون على 235 مقعدا، وللأسف فأضعاف هذا العدد لا يمنعهم من التقدم للمسابقة إلا عدم التوفر على الشهادات.
هاجر كذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الماضي حوالي 30000 شاب وأضعاف العدد لا يمنعهم من الهجرة إلا عدم امتلاك جواز السفر ومتطلبات الهجرة المادية.
السبب أن من ينظر إلى ديناميكية التعليم والتوظيف في البلد لا يكون مخطئا في التقدير عندما ينفي وجود تعليم أو توظيف فيه.
والحقيقة أنه بالنظر إلى محطات التعليم الأساسية أو المسابقات الوطنية ندرك ضآلة العملية.
إذ يتقدم إلى شهادة الباكالوريا حوالي 50000 تلميذ سنويا، ويتم انتقاء أقل من 10% من العدد الأمر نفسه تقريبا لبقية الشهادات، أما بالنسبة للسنوات الجامعية فتتقلص النسبة المنتقاة من النسب الضئيلة السابقة، وأما بالنسبة للتوظيف فتنعدم النسبة المئوية. الأمر الذي يبرر نزيف الهجرة والبطالة والإجرام والتطرف. فالتعليم عملية تراكمية متسلسلة ومترابطة، والتوظيف يرتكز على التكوين بشكل أساسي، وفي نظام تسوسه الفوضى وعدم الاتزان تختفي فرص العمل والوظائف أمام انعدام الكفاءات والمؤهلات العلمية، في نظام إجباري هرمي انتقائي وإقصائي لا بدائل عنه ستعم الفوضى والرشوة والمحسوبية والفساد والتناحر على لقمة العيش.
إن مسؤولية إدارة الدولة لا تتمثل في إدراك المشكلة وحسب وإنما في إيجاد الحل أيضا من خلال الرؤية السليمة للواقع. فما تلك الفوضى والنقمة والغضب الشعبي والشعور بالظلم إلا عبارة عن غير متعلمين يجب تعليمهم ومتعلمون يجب توظيفهم وموظفون يجب تكوينهم.. إلخ إلا أن ذلك العدد في تزايد وتراكم وتضاعف مستمر أي أنه تتضاعف الفوضى والنقمة والغضب الشعبي والشعور بالظلم.
ولكي تحل المشكلة والمعضلة الكبرى لا يتطلب الأمر الكثير. يتطلب أولا النظر لقدرات الدولة وميزانياتها وثرواتها وقابليتها للاستثمار المالي والبشري من جهة وتعدادها السكاني من جهة أخرى، فنحن حوالي 5000000 نسمة والذي ينوي إصابة الأهداف المتحركة ليس كالذي ينوي إصابة الأهداف الساكنة، أي أننا باختصار لم نكن هذا العدد ولن نظل عليه في المستقبل.
المتغير أيضا هو اعتماد المواطنين على الدولة الحديثة وحاجتهم إليها التي لم تكن كما الآن من قبل في التعليم والتوظيف وفي أساسيات الحياة. فالحل دون إطالة هو تغطية النقص الحاصل من خلال عملية متسارعة وتوسيع الفرص بالتزامن مع التزايد المستمر.
فحاجز 100000 متسابق في البكالوريا والمسابقات الوطنية سنويا وفي سنوات التعليم يعد أساسيا جدا فبحساب السنوات السبع من الثانوية والست من الابتدائية والسبع من التعليم العالي يكون العدد 2000000 متعلم سنويا مقابل العشرين سنة تعليمية، فإن كانت الدولة توفر السكن للقليل منهم والمنح للأكثر من القليل، فإنها توفر خدمة التعليم لـ2000000 مواطن أي 40% من المواطنين الأمر للذي يتطلب زيادة الموظفين في قطاع التعليم وزيادة المؤسسات التعليمية ومضاعفة نسب النجاح، وهو الأمر الذي يتطلب كذلك تحالفا مثاليا بين قطاع التعليم الخاص والتعليم العمومي، وإصلاح التعليم العالي من خلال مؤازرة النظام بالفرنسي بالنظام الأمريكي، وزيادة التقدير والحريات للطلبة والباحثين، وزيادة المعاهد والجامعات ومؤسسات التعليم العالي.
وفي التوظيف كذلك فبالنظر إلى حاجز التعليم فيجب ألا يقل حاجز التوظيف السنوي عن ذلك العدد أو أن يزيد بقليل، كما يجب مضاعفة الفرص وإتاحة فرص عمل وتكوين لمن لا يمتلكون تجارب وشهادات من أصحاب المعرفة والجد والكفاءة، ولا يتم ذلك أيضا إلا بتحالف ناجح من أجل الوطن والشعب والأجيال بين القطاع الخاص والقطاع العام.
قد تحتاج الشعوب إلى تعلم لهجاتها بعضها البعض، الزي المدرسي الموحد... قد يحتاج الشعب إلى المدرسة الجمهورية لكنه بحاجة أكثر إلى الجمهورية المدرسة.