الأخبار (نواكشوط) ـ قال الخبير الاقتصادي الدكتور سعد بوه ولد الركاد إن السياسة الاجتماعية التي تنتهجها السلطة «لا يمكن أن تصلح لتكون استيراتيجية على المدى المتوسط»، معتبرا أنه «لا يمكن بناء واستقرار اقتصاد يقوم على الدعم».
ودعا الخبير الاقتصادي في الحلقة الأولى من برنامج «رأي الخبير» الذي تبثه وكالة الأخبار المستقلة، إلى مقاربة جديدة تقوم على تنمية رأس المال البشري، والتنويع الاقتصادي، وتطوير البنى التحتية، وبناء عاصمة جديدة.
كما لفت إلى أن سياسة الدعام «كانت إيجابية في بعض جوانبها، خصوصا في تخفيف الأزمة الاقتصادية، وإذا كان كثير من الناس لا يرى لها آثارا بارزة، فلأنها اعتمدت على البعد الأفقي».
وتطلق وكالة الأخبار برنامج «رأي الخبير» ضمن برامج أخرى تزامنا مع اقتراب موعد حملة الانتخابات الرئاسية، ومن خلاله يقدم خبراء آراءهم حول واقع مجالات تخصصهم وتحدياتها ومقترحاتهم للرئيس الذي سينتخب.
والدكتور سعدبوه ولد الركاد هو أستاذ محاضر في العلوم الاقتصادية بجامعة نواكشوط، ومنسق وحدة البحث حول الاقتصاد الكلي والنمو والتنمية URMCD، وحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد والدكتوراه في الإحصاء، وماستر في الصحة العمومية، وشهادة مهندس في الاقتصاد الزراعي، ودبلوم الدورة الدولية تخصص الاقتصاد والمالية العامة بالمدرسة الوطنية للادارة بباريس.
وعمل سابقا مستشارا فنيا لوزير المالية، ومديرا عاما للميزانية، ومدير إعداد قوانين المالية، ورئيس مصلحة إطار الإنفاق متوسط المدى، ورئيس مصلحة تأطير الميزانية، وإداريا من السلك المالي بوزارة الصحة.
وإليكم نص الحلقة:
يحتاج التقويم إلى وجود وضعية مرجعية يمكن التقويم بالمقارنة بها أو القياس عليها، وفي وضعيتنا فإن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء قد تكون سياقا مناسبا كوضعية مرجعية مناسبة للمقايسة.
بعد ذلك يمكن تحديد مؤشرات أو ميزات الاقتصاد الموريتاني، وأعتقد أن هذا الاقتصاد يمتاز بكونه:
- اقتصادا تقليديا
- اقتصادا ريعيا
- اقتصادا صغيرا
وهو أيضا اقتصاد حساس تجاه التقلبات والصدمات الخارجية، ويمكن أن نعتمد التقويم الذي فرضته أزمة كوفيد 19 على العالم، حيث قدمت صورة تشخيصية واضحة لاقتصادات المنطقة، حيث أظهرت أنها اقتصادات لا يوجد فيها تعليم، حيث توقف التعليم في المنطقة، بينما واصلت الدول المتقدمة التعليم عن بعد.
أظهر كوفيد أن قطاعات الصحة في دول المنطقة قطاعات فاسدة، لأنها غير قادرة على استيعاب الصدمات، وأظهرت أكثر من ذلك أن هذه البلدان تعيش أزمة في الأمن الغذائي، حيث أصبحت محتاجة وبشكل ملح لمن يبيعها بعض حاجياتها، من أجل سد ما يمكن سده من ثغرات الأمن الغذائي
يمكن كما أسلفت اعتماد هذا المؤشر السياقي، لكن يمكن أيضا أن يتم التقييم بناء على الأهداف الرئيسية لأي حكم، حسب ما يسمى بالمربع السحري... وهي أن أي نظام يسعى إلى:
- تسريع وتيرة النمو الاقتصادي
- تخفيض معدلات البطالة
- ضبط معدلات التضخم
- تحقيق التوازن الخارجي
وأعتقد أن النمو الاقتصادي في الفترة الماضية، لم يتميز بأداء لافت ، فلم يسجل مستويات سلبية ولا ايجابية بشكل غير عادي. وإنما حذا حذو الدول في المنطقة: سجل معدل نمو سالب بفعل أزمة كوفيد، وبعد ذلك بدأ الخروج من الأزمة بشكل متدرج.
إلا أن معدلات البطالة ما زالت في مستويات مرتفعة، ويعود الأمر إلى أسباب هيكلية لأن الاقتصاد الذي لا يوجد فيه نسيج صناعي قوي لا يمكن أن يسهم في الحد من البطالة، فلا بد من وجود شركات صغرى ومتوسطة وكبرى، تمكن من استيعاب مخرجات المسارات التعليمية الموجودة في البلاد.
أما الاقتصادات التي تقوم على الموارد الطبيعية، فإنها في الغالب لا تساهم في مكافحة الفقر عادة، كما لا تساهم أيضا في امتصاص البطالة وخفض معدلاتها، لـأن ثمار النمو لا تسقط غالبا في محيط الفقراء.
التحديات
يواجه الاقتصاد الموريتاني تحديات متعددة، من أبرزها في تصوري:
- التحدي البيئ: حيث تظهر بقوة أزمة الظروف المناخية، مثل الجفاف والفيضانات، خصوصا أن لدينا مناطق تحت مستوى البحر ومنها العاصمة نواكشوط، وهي معرضة للغرق، تمثل تحديا كبيرا، فلم تعد البيئة بالنسبة لنا سلعة كمالية بل أصبحت جزء أساسيا من صناعة الاقتصاد واستقراره واستمرار بنائه واستدامته.
- التحديات الأمنيةفي المنطقة، تمثل هذه الاضطرابات الأمنية مخاطر كبيرة جدا حيث يصعب إدارة تحولات اقتصادية ناجعة في ظل اضطرابات أمنية على الحدود ومناطق التماس التنموي مع الجيران يتعين الاهتمام بها.
- تحدي الحكامة: فمشكلة الحكامة، سؤال محوري ونقطة ارتكاز لجميع الأزمات التي تعانيها البلاد، وذلك بسبب تغلغل الفساد، وتحوله إلى ثقافة شعبية، وعندما يتحول الفساد إلى ثقافة مجتمعية، يصعب جدا محاربته والتحكم فيها، إذا كانت هنالك إرادة لذلك.
ومن المؤسف أن الفساد يملك ذراعا قوية وهي القطاع الخاص، حيث أن هذا القطاع ينمو بشكل طفيلي، ويتطور بناء على المال العام وفي علاقة محرمة مع الإدارة العمومية، عبر أنظمة صفقات، وهنا يروج الفساد والرشوة.
ولذلك فإن ما نحتاجه للحكامة الناجعة يتأسس على بناء قطاع خاص حقيقي، لأن ما نملكه الآن هو قطاع خاص يعيش على هدر المال العام، عبر صفقات لا يملك المستفيدون منها الشروط الفنية والمالية للقيام بها، وعبر الخروج عن القانون، والاستفادة من التلاعب بالجمركة والكهرباء والماء، هنا نكاد نعمم على القطاع الخاص رغم أن الأصل هو النسبية والاستثناء.
مقترحات
في تصوري أن السياسة الاجتماعية التي انتهجتها السلطة، كانت إيجابية في بعض جوانبها خصوصا في تخفيف الأزمة الاقتصادية، وإذا كان كثير من الناس لا يرى لها آثارا بارزة، فلأنها اعتمدت على البعد الأفقي.
بيد أن هذه السياسة لا يمكن أن تصلح لتكون استيراتيجية على المدى المتوسط، فلا يمكن بناء واستقرار اقتصاد يقوم على الدعم، ولذلك لا بد من مقاربة جديدة تقوم على أركان من أبرزها:
- تنمية رأس المال البشري: وهو ما يتطلب الانخراط في الاقتصاد الرقمي، والذكاء الصناعي وبناء مؤسسات تعليم عال ومتوسط لتخريج مئات المهندسين في هذا المجال.
- التنويع الاقتصادي: فالسياسات السائدة الآن غيركافية، سواء من الناحية الحمائية، فلا بد من ابتكار وخلق تنويع في النسيج الاقتصادي بما يحقق محاربة الفقر
وضمن تحدي التنويع فإننا مطالبون بتسيير نوعي وعقلاني للموارد الطبيعية، لمواجهة الأطماع الخارجية تجاه هذه الموارد التي كانت وقود حروب أهلية في بعض البلدان، وكان الاستغلال السلبي لها عنوان انهيار اقتصادي في بلدان أخرى، مما يلزم أي حاكم لهذه البلاد، بانتهاج سياسة تطويرية، لتسيير هذه الموارد
- تطوير البنى التحتية: شبكات طرق سيارة، سكك حديد، تسهل من حركة العمال والبضائع، لخلق ديناميكية حقيقية
- نقل العاصمة وبناء عاصمة جديدة: لتلافي الآثار البيئة المحتملة، وبناء عاصمة تستفيد من التحديث والتطوير وتستجيب للحد الأدنى من الحياة العصرية، وسيكون بناء العاصمة الجديدة فرصة لتشغيل دواليب الاقتصاد.
وبطبيعة الحال فإن المقام المشترك للنهوض الاقتصادي، هو الحكامة الراشدة ومحاربة الفساد، وهما مساران عمليان وليسا شعارين، يفقدان بمرور الوقت معناهما مع الزمن عندما تلوكهما الألسنة، ويتحولان إلى سردية عتيقة غير ذات مضمون جاد، كما حصل مع حملة الكتاب التي انتهت إلى أغنية لا أكثر.