{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
{مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
إنني لأحسب المرحوم هنية من هؤلاء، وكأن أمه تفاءلت له بذلك يوم أن سمته هنية.
وأعتقد أنه فرِح الآن عند ربه مستبشر، ويجري عليه معني هذه الآيات الكريمات {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وأتوقع أنه يردد قول المولي عز وجل: {يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.
لقد أدي هنية دوره، ورحل، ولحق بمن سبقوه ممن أدّوا أدوارهم ورحلوا قبله. كلهم الآن أمام رب قوي عادل كريم لا وزن عنده إلا للعمل الصالح. ولم نعلم عن هذا الرجل إلا العمل الصالح. فلم نسمع يوما أنه آذي مسلما، أو دعا إلى فتنة في بلد مسلم، وإنما الذي نسمع عنه هو رفضه فقط بأن تُستباح الرقعة التي يعيش عليها من الأرض، وأنه لم يترك اليهود يحتلونها، ليعتقلوا من شاؤوا، ويعتدون على من شاؤوا، ويُذلون من شاؤوا كما يفعلوا في الأراضي الفلسطينية الأخرى الخاضعة لسيطرتهم. هذا الرجل وإخوانه في المقاومة الإسلامية آلوا على أن أنفسهم أن لا يَذعنوا إلا للواحد الأحد، وأن لا يستعبدهم إلا خالقهم، وأن يعيشوا كراما أو يموتوا كذلك. وقد من الله عليهم بمبتغاهم.
كان هنية دبلوماسيا مع الجميع، ولم نسمعه يوما يشتم بلدا عربيا، أو حكومة مسلمة، أو حتى حركة سياسية من الحركات الأخرى. كل همه كان منحصرا في مواجهة خصمه، وأشد أعدائه وأعداء المسلمين الذين أخبر عنهم المولي عز وجل بذلك في محكم كتابه {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} هؤلاء اليهود الذين قتلوا أبناءه بعد ما قتلوا إخوانه من قبله، ثم قتلوه هو. والذين كانوا يحتلون أرضه ويفتكون بأهله، ويخربون بلده.
لقد أدى الشهيد هنية دوره في واجب دفع الباطل والجهاد في سبيل الله لإحقاق الحق، ونصرة المظلوم، ورحل إلي ربه الكريم الذي كان يرجو لقاءه على هذا الطريق، فعساه أن يكون قد سر بذلك اللقاء سرورا لا تشوبه شائبة، ولا انقطاع له أبدا.
وعسى الله أن يخلف المقاومة الإسلامية خيرا منه، ويجعل حالها بعد موته أحسن من حالها قبله، فالله وحده القادر على ذلك، وهو ولي المؤمنين وهو ناصرهم، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.