استحدث منصب الوزير الأول في دستور الــ20 يوليو 1991م وتم تكليف من يتولاه ــ وفق هذا الدستورــ بتحديد "سياسة الحكومة تحت إشراف رئيس الجمهورية"، وبإدارة وتنسيق عمل الحكومة، وبتوزيع المهام بين الوزراء، وذلك وفقا للمادة : 42 ، ومن المعلوم لدينا أنه وحتى الساعة تم تكليف 11 شخصية بمنصب الوزير الأول خلال الـــ33 سنة تقريبا من عمر الدستور، وانتمت جغرافيا جميعها لخمس ولايات فقط من بين الـ15 ولاية هي: الحوض الشرقي، والحوض الغربي، والبراكنة، وتكانت، والترارزة.
وبغض النظر عن كل الاعتبارات التي تم على أساسها اختيار وزراء كل حكومة من الحكومات السالفة، فإننا لم نلحظ كثير إنجاز يصب في إحداث تغيير جذري لهذا البلد مقارنة بما يحدث في جيراننا من البلدان الأخرى القريبة منا جغرافيا وتاريخيا، ولعل الصورة المرفقة أصدق تعبير لكونها تغطي الفترة من 1970 ولغاية 2023، ولو تأمل القارئ الكريم الصورة جيدا لأيقن أن عربة وحمار 1970 أحسن حالا من عربة وحمار 2023.
فهل يكون عدم التقدم الحاصل لدينا ناتج عن عدم انسجام فريق العمل الوزاري بسبب عدم انتمائه لنفس الوجهة الجغرافية واختلاف الحاضنة الاجتماعية أم أنه غير ذلك؟ لأنه لا يمكن تصور ولا تحمل ما يحدث في موريتانيا من تأخر عام يشمل كل الأصعدة والمستويات طيلة هذه الفترة الطويلة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تتغير العقليات، ولم تتبدل المسلكيات عموما، يتساوى في المخالفة وعدم الالتزام أغلبية موظفي الدولة وكبار الشخصيات والمواطن البسيط، فما تزال الاشارات الضوئية الحمراء - إن وجدت في الشارع العام – متجاوزة، ناهيك عن اللا مبالاة والتهور وعدم الالتزام بأوقات العمل والطوابير في أي مرفق عمومي أو خاص، وما تزال المحسوبية والفساد بشتى صوره ينخر جسم الدولة الهزيل أصلا..
وإذا كان هذا هو الحال، فهل يمكن لموريتانيا أن تجرب في هذه المأمورية في وزرائها قاعدة: نصف عام لكل ولاية؟ ــ خمس سنوات مقابل الــ10 ولايات هي الأكبر من حيث السكان، على أن تسند باقي المناصب العليا المتبقية للسكان الأصليين في ولايات نواكشوط الثلاث، إضافة إلى الولايتين الأقل سكانا: تيرس الزمور، وإنشيري، علها تكون جربت كل المحاولات في بحثها عن الحل المنشود، فالفشل الفعلي هو أن نكف عن المحاولة مجددا، وقد يؤدي التنافس جغرافيا بين أبناء ولايات الوطن إلى نتائج إيجابية تعود على الوطن بكبير قيمة لم يجدها فيما سواه، لأنه في المجتمعات المتخلفة يقوى الانتماء للاعتبارات الضيقة ويضعف مستوى الاهتمام بالدولة والوطن على حساب سمعة القبيلة والعائلة.