احتدم في الأيام الماضية نقاش حاد حول التعديلات الدستورية في أوغندا و التي من شأنها السماح للرئيس الأوغندي موسيفيني بالبقاء في السلطة مدى الحياة، وقام كثير من النشطاء السياسيين بنشر أرقام هواتف وعناوين أعضاء البرلمان على شبكات التواصل الاجتماعي ثم تحفيز المدونين على الاتصال بهم وتحذيرهم من أي موافقة على تعديل المادة 102 والتي تنص على أن يتراوح عمر المرشح للرئاسة في أوغندا بين 35 و 75 عاما وموسيفيني سيكون قد تخطى 76 عاما مع تصويت الأوغنديين في الانتخابات العامة في 2021.
حركة التأمين
وهنا يرى مراقبون أن التركيز في هذه المرحلة الحساسة يجب أن تكون أكثر على المؤسسة العسكرية منه على البرلمان ومع بداية 2017 قام موسيفيني بالتخلص من قادة مهمين فيما يعرف بقوات الدفاع الشعبية الأوغندية، كما قام بتنصيب ضباط شباب ثم ترقيتهم وتكليفهم بمهام قيادية مع تعيين ضباط متقدمين في السن وتدور حولهم شكوكه كدبلوماسيين وموظفين عموميين قصد إبعادهم عن المشهد الأمني أكثر.
على السطح كانت هذه التغييرات أمرا روتينيا وتبدو للكثيرين متماشية ومتناسقة مع توجه الحكومة الساعي إلى تمهين المؤسسة العسكرية وجعلها أكثر كفاءة واحترافية وإن لم يكن المشهد بكل هذه العفوية التي روّج لها الإعلام الرسمي.
تحدثتُ في لقاء تلفزيوني سابق جمعني مع نائبين برلمانيين عن أن قيادة المؤسسة العسكرية ستستحوذ على نصيب الأسد من الاهتمام، من الآن وحتى 2021 والذي سيصوت فيه الأوغنديون في انتخابات عامة وتطرقت في النقاش أيضا إلى أن التغييرات التي شهدتها المؤسسة العسكرية نهائية وتهدف في جزء منها إلى التخلص من جيل معين من القادة العسكريين واستبداله بآخر، ومحاولة موسيفيني تقزيم دورها بسبب تراجع ثقته في أركانها خاصة مع تنامي قدراتها وتطورها إلى جانب أنها بدأت فعلا تدلي بدلوها في شؤون الحكامة والقضايا السياسية الحساسة.
قبل عام 2015 اقتصرت شعبية موسيفيني في عيون الجيش حول شخصيته الكاريزماتيكية أكثر من كونه رجلا قاد حركة المقاومة الوطنية ومع أنه أساء حكم البلاد كرئيس إلا أنه ما زال يحظى بكثير من الإعجاب والاحترام.
لكن ذلك هذا تغير أيضا بعد عام 2001 عندما شعر بعض رفاق السلاح أن قائدهم قد انحرف عن مبادئ النضال كرئيس وكسياسي وتحول إعجابهم وتقديرهم له إلى شك واشمئزاز من فساده وما يرتكبه من تجاوزات أخرى.
قوات الدفاع الشعبي الأوغندي وُلدت من رحم المعاناة وتخلت عن حمل السلاح مثل كثير من الحركات التحررية لكنها لم تتخل عن ولائها لموسيفيني واعتمادها عليه.
موافقة الجيش أمر مقدس بالنسبة للرئيس موسيفيني ويشكل عقدة حقيقية له ويعتبر أن إخلاص الجيش له هو صمام الأمان.
دخول الجيش لــ"كاسيس"
تورط الجيش في هجوم مباغت على مقر إقامة إحدى الزعامات القبلية وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من مائة مدني من بينهم أفراد في الجيش، كما اتهمت منظمات حقوقية قائد هذه العملية الجنرال "إلولو" باستخدام القوة المفرطة الملفت أن هذا الجنرال والذي فشلت عمليته وارتكب تجاوزات خطيرة تمت مع ذلك ترقيته وتعيينه قائدا للقوات البرية لضمان ولائه وإخلاصه للرئيس.
ومع توليه لمهامه عرف هذا الجنرال كيف يختار كلمات الامتنان قائلا "أريد أن أشكر المحمي والمبارك من الله صاحب الفخامة السيد الرئيس كاغوتا موسيفيني على اختياره لي قائدا للقوات البرية من بين الكثير من القادة والأطر المميزين".
في مايو تم توشيح الجنرال إلولو بثالث أرفع وسام في البلاد لما قيل إنها خدمات عسكرية بطولية ومميزة وهنا كان أول تحد واجهه هذا الجنرال وهو إسكات أي صوت يذكر بتلك الهزيمة في "كاسيس" ثم إقناع الرئيس بقدرته على التحكم في الجيش والاستعداد لرد الجميل بكل حزم.
الرئيس موسيفيني من أكبر المعجبين بالرئيس الصيني الأسبق ماو تسي تونغ ويدرك جيدا أن السلطة السياسية تزداد قوة وتستمر في برميل من المتفجرات.