أشار الناقد السعودي أحمد التيهاني مؤخرا إلى مسألة مثيرة تتعلق بالشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي، مدعيا أنه لم يحقق كل ما كان يتوخى من وراء شعره الجميل.
وبحسب التيهاني، كان المتنبي يتطلع إلى منصب وزاري رفيع، وحظوة عند سيف الدولة أو كافور الإخشيدي؛ ورغم نجاحه الباهر في الشعر، لم يكن يستطيع تحقيق هذا الطموح حتى مع انتقاله من الحمدانيين إلى كافور وأماكن أخرى.
هذه الفكرة تفتح بابًا لمناقشة أعمق في واقعنا السياسي الموريتاني، حول كيف يمكن للمواقف السياسية والأيديولوجية أن تتأثر بالمصالح الشخصية.
أصحاب المصالح الشخصية
في العديد من السياقات السياسية، نجد أن المواقف تُتخذ بناءً على المصلحة الشخصية أكثر من كونها مبنية على قناعات موضوعية، ونلاحظ أن بعض الأفراد يتخذون مواقف سياسية بناءً على توقعات استفادتهم الشخصية.
هؤلاء الأشخاص، عند العثور على فرص للنفاذ إلى المناصب أو المكاسب الشخصية، يتخذون مواقف موالية أو معارضة؛ وفقًا لما يرون فيه مصلحتهم الشخصية، وعندما تكون الاستفادة الشخصية غير متاحة، يلوذون إلى التعبير عن استيائهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو أحاديث الصالونات نواكشوطية، أو أي منبر متاح.
موقف متذبذبة
من جهة أخرى، يظهر تباين كبير في المواقف السياسية عندما يكون الشخص في موقع يستطيع من خلاله الحصول على منفعة شخصية، هذا الصنف نرى أفراده يفضلون الصمت أو الالتزام بالهدوء بدلاً من التعبير عن فكرة معارضة أو انتقاد عمل معين؛ وهذا يجر لهم تذبذبا في المواقف، مرده إلى تغليب المصالح الشخصية وتأثيرها الكبير على مواقفهم السياسية، مما يخلق بيئة غير مستقرة وغير موضوعية.
معارضون من أجل "صفقة"
في المقابل نجد أن بعض المعارضين يتخذون مواقف سياسية ليس بناءً على قناعات حقيقية، بل بانتظار "صفقة" مستقبلية مع النظام الحاكم؛ أي نظام حالي أو مستقبلي، هذا النوع من المعارضة يشير إلى تداخل واضح بين السياسة والمصالح الشخصية، حيث يبدو أن الموقف السياسي يُستخدم كوسيلة للوصول إلى أهداف أخرى، بدلاً من أن يكون تعبيرًا صادقًا عن القيم والمبادئ.
ومن هنا لا مناص من الإشارة إلى أن النظام يتحمل أيضًا جزءًا من المسؤولية عندما يقوم بترضيات لبعض السياسيين من الفئات المغاضبة، في محاولة لتهدئة الأوضاع أو لكسب ولاء بعض الأفراد، ولكن هذه الممارسة قد تؤدي إلى تعزيز ثقافة الاستفادة الشخصية على حساب المبادئ الموضوعية.
في النهاية، ينبغي أن تكون المواقف السياسية مبنية على أسس موضوعية وليس على أساس المصالح الشخصية، ويجب أن يسعى الأفراد إلى إبداء آرائهم ومواقفهم بناءً على مبادئ وقيم واضحة، بدلاً من محاولة تحقيق مكاسب شخصية.
بيد أنه لا بأس من إبداء الرغبة في تولي المناصب خدمة للوطن والمشاركة في عملية الإصلاح والبناء، شرط أن تكون هذه الرغبة نابعة من الإخلاص والتفاني في العمل من أجل الصالح العام وليس لمجرد تحقيق مكاسب شخصية.