على مدار الساعة

التحول الرقمي: مفتاح كفاءة الخدمات الحكومية

17 سبتمبر, 2024 - 10:12
أحمد المحمود - مهندس

المقدمة

التكنولوجيا تمثل اليوم إحدى أهم الأدوات التي تساهم في تحسين حياة المجتمع على مختلف الأصعدة، سواء من خلال تعزيز الشفافية، أو تحسين جودة الخدمات، أو تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات بطرق أكثر سهولة وفعالية. ومع التقدم المستمر في التكنولوجيا، أصبحت الحلول التقنية حلاً محورياً لمجابهة العديد من التحديات التي تواجه الحكومات والمؤسسات، بما في ذلك مكافحة الفساد وتحقيق المساءلة. في هذا السياق، تتزايد أهمية تبني التكنولوجيا في مجالات الحوكمة، وتطوير البنية التحتية لها، وزيادة الوعي والثقافة التقنية بين الأفراد.

 

أهمية التقنية في تعزيز الشفافية

تلعب التقنية دوراً محورياً في تعزيز الشفافية من خلال توفير أدوات مبتكرة تمكن الحكومات والمؤسسات من الحد من الفساد وزيادة المساءلة. من أبرز التطبيقات التقنية لتعزيز الشفافية:

1. الأنظمة الرقمية لتتبع المال العام والمصروفات الحكومية: هي أنظمة إلكترونية تساعد الحكومة على مراقبة وتتبع كيفية إنفاق الأموال العامة، مما يوفر شفافية في التعاملات المالية الحكومية. هذا النظام يمنع الفساد ويساعد على التأكد من أن المال يستخدم بطريقة صحيحة.

 

2. البلوكتشين لتوثيق البيانات والمعاملات: هي تقنية تخزن البيانات والمعاملات بشكل غير قابل للتعديل أو التلاعب، مما يضمن أن المعلومات المسجلة لا يمكن تغييرها بعد تسجيلها؛ وهذا يزيد من الأمان والثقة في المعاملات الحكومية.

 

3. المنصات الإلكترونية لنشر العقود والمناقصات: هذه المنصات توفر وسائل لنشر العقود والمناقصات الحكومية على الإنترنت، مما يسمح للجميع بالاطلاع على شروط ومحتوى هذه العقود؛ ويساهم هذا في منع التلاعب أو الفساد في عمليات الشراء الحكومية ويضمن تكافؤ الفرص للجميع.

 

التجربة الأوغندية

في أوغندا، يعتبر تبني التكنولوجيا وسيلة فعّالة في مكافحة الفساد، وأظهرت التدابير التي نفذتها الحكومة الأوغندية نتائج ملحوظة في الحد من الفساد، حيث تضمنت استخدام التقنيات المتقدمة مثل الأنظمة الإلكترونية والحوكمة الرقمية؛ وأدت هذه الجهود إلى تحسين الشفافية في إدارة المال العام وتقليل فرص التلاعب في العقود الحكومية والمناقصات.

 

وبالإضافة إلى ذلك، أسهمت المنصات الرقمية في تمكين المواطنين من الإبلاغ عن الفساد بشكل مجهول وسريع، مما عزز المساءلة العامة، وبالرغم من التحديات، فإن أوغندا تعد مثالاً جيدًا على كيفية استخدام التقنية كأداة فعّالة للقضاء على الفساد.

 

التجربة الموريتانية

منذ إنشاء وزارة التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة في مايو 2021، شهدت الإجراءات الحكومية تقدماً ملحوظاً في مجالات الحوكمة الرقمية والتحول التكنولوجي، تمحورت جهود الوزارة حول إنشاء بنية تحتية رقمية متكاملة، تهدف إلى تحسين الشفافية في العمليات الحكومية وتعزيز المساءلة. وفي إطار هذا التحول، أطلقت الوزارة "الأجندة الرقمية 2022 - 2025" التي ترتكز على أربعة محاور استراتيجية رئيسية: تعزيز المهارات الرقمية، نشر الثقافة الرقمية، تطوير الأمن السيبراني، وتشجيع الابتكار.

 

أحد الإنجازات البارزة هو إطلاق مشروعات متعددة لتحديث الإدارة العمومية، بهدف تقريب الخدمات من المواطن وتطوير آليات الحوكمة الرقمية. كما تم اعتماد تقنيات جديدة لتحسين عملية إدارة المشاريع الحكومية مثل البنية التحتية الرقمية وشبكات الاتصال، إضافة إلى التحسين المستمر لجودة الخدمات العمومية من خلال تعزيز اللامركزية.

 

على الرغم من التحسن الملحوظ في السنوات الأخيرة في مجال التحول الرقمي وعصرنة الإدارة، ما تزال البلاد تواجه تحديات في البنية التحتية الرقمية بالمقارنة مع بعض جيرانها في شمال وغرب إفريقيا. على سبيل المثال، دول مثل المغرب وتونس قطعت شوطًا كبيرًا في التحول الرقمي والبنية التحتية التكنولوجية، مع وجود خدمات حكومية إلكترونية متقدمة وشبكات اتصال أسرع وأكثر انتشارًا.

 

تحديات استخدام التكنولوجيا

هناك تحديات كبيرة في استخدام التكنولوجيا لأغراض متعددة، بما في ذلك مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية، وأحد أبرز هذه التحديات هو البنية التحتية الرقمية، حيث إن أكثر من نصف السكان غير متصلين بالإنترنت، وشبكات الاتصال الموجودة حاليا تقوم على تقنيات قديمة في نشر التغطيات؛ مما يحد من القدرة على الوصول إلى الخدمات الإلكترونية والاستفادة من الأنظمة الرقمية بطريقة مثلى.

 

كما أن الثقافة التكنولوجية تمثل تحديًا آخر، حيث إن ضعف الوعي الرقمي بين بعض الفئات المجتمعية يعوق الاستفادة الكاملة من التقنيات الحديثة؛ هذا النقص في المعرفة الرقمية يمنع شرائح كبيرة من المجتمع من المشاركة الفعالة في عملية التحول الرقمي، مما يتطلب جهودًا مكثفة لرفع الوعي وتعزيز القدرات التقنية.

 

التوصيات

هناك بعض الاقتراحات التي يمكن أن تسرع في عجلة التحول الرقمي منها:

1. تطوير البنية التحتية الرقمية:

- وضع حد أدنى للتغطية الرقمية في جميع أنحاء البلاد، مع التركيز على الوصول السريع والفعال للإنترنت عبر تقنيات الجيل الرابع والخامس (4G و 5G).

- تشجيع الشركات الأجنبية في مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات على الاستثمار والتواجد محليا.

 

2. تعزيز الثقافة الرقمية والتدريب للموظفين الحكوميين:

- اعتماد تراخيص للشهادات المهنية المعترف بها للموظفين العمومين مثل شهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي (ICDL) وتقديم حوافز لتشجيع الحصول عليها.

- الشراكة مع الجامعات المحلية لتقديم برامج أكاديمية ومهنية للموظفين.

- تفعيل دور البحث العلمي في مجالات الإدارة والرقمنة والتركيز على زيادة الأبحاث والدراسات المنشورة في المعاهد بالشراكة مثلا مع المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء (ENAJM).

 

3. تحسين الخدمات الحكومية الإلكترونية:

- إجبار الوزارات الحكومية على تحقيق نسبة مئوية دنيا من رقمنة المعاملات، مع زيادة هذه النسبة بشكل دوري لتحسين كفاءة العمليات.

- زيادة شروط متعلقة بالكفاءة رقمية للموظفين الجدد.

 

4. تعزيز الأمن السيبراني:

- وضع استراتيجيات فعالة لحماية البنية التحتية الرقمية من الهجمات الإلكترونية، وضمان حماية البيانات الشخصية والمعاملات الإلكترونية.

- تطوير القوانين التي تحمي البيانات وتضمن الخصوصية للمواطنين في التعاملات الرقمية.

 

الخاتمة

في الختام، لا شك أن التحول الرقمي يمثل مفتاحًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة في البلاد. ومع التحديات التي تواجهها البلاد في مجالات البنية التحتية الرقمية، والوعي التكنولوجي، والأمن السيبراني، فإن الحلول التقنية المبتكرة تظل الخيار الأمثل لتجاوز هذه العقبات، من خلال تحسين البنية التحتية الرقمية، وتعزيز المهارات التقنية للموظفين والمواطنين، وإلزام الوزارات برقمنة المعاملات؛ يمكن لموريتانيا تحقيق قفزات نوعية نحو بناء مجتمع رقمي متكامل.

 

إن التعاون بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الشراكات الدولية، سيعزز من فرص نجاح هذه الجهود، مما يضع البلاد على مسارٍ أفضل نحو مستقبل رقمي أكثر إشراقًا.