بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد فمع كل امتحانات تعليمية يظهر عمق أزمة التعليم في بلادنا، وشدة خطرها، ومع كون هذا الواقع المرير ظاهرا يدركه الجميع فقد تواترت الكتابات في تشخيصه وتقريره – خاصة في مواسم الامتحانات والانتخابات - بل اعترف به المسؤولون في شتى المناسبات، حتى أصبح تقريره أقرب لتضييع الأوقات.
وحيث اكتمل التشخيص واتضح الخلل وظهر المأزق فمن المتعين تضافر الجهود وتزاحمها في سبيل تلمس الحلول وتطلب الأدوية.
وبما أنه لا بد للإصلاح المرتقب من إعادة تأهيل للعملية برمتها، على نحو إثارة الزارع للأرض وتقليبها من جديد، فسأكتب – بمشيئة الله ومعونته – سلسلة مقالات في هذا الصدد، أتوخى بها إصلاحاً شاملا، لا جزئيا ولا موضعيا؛ علَّها مع غيرها - مما كتبه ويكتبه شداة الإصلاح - تساعد من وفقه الله لإرادة الإصلاح أن يصلح.
ولا أدعي أني في كل ما أكتب مصيب، وحسبي أن أثير فيحصل من إثارتي النقاش والأخذ والرد والتفكير.
وأرى أن هذه الخطة – إن صحت التسمية - إنما تأتي أكلها المنشود إذا تحققت لها الشروط التالية:
1. الأخذ بها كلها؛ لا بمعنى اعتماد جميع الآليات بالضرورة، وإنما بمعنى اعتماد الإصلاح في كل مجال؛ إذ لا يجدي إصلاح جزئي في مجال يقضي عليه ويعطل فاعليته فساد بقية المجالات.
2. التدرج المتسلسل في التنفيذ، ويكفي المصلح الجاد أن يضمن سلامة الطريق، ويبدأ السير القاصد نحو الهدف، وآفة الطالب أن يضجرا.
3. التقويم المستمر للعملية في أثنائها، وبعد كل عام دراسي، واكتشاف جوانب النجاح والفشل في كل مجال.
وأخصص هذه الحلقة (الأولى) لما يمكن تسميته بـ"تهديف التعليم" أي جعله هادفا، فأقول وخير الكلام ما قل ودلّ:
إن من الحقائق المؤلمة التي قد يستغربها غير الموريتانيين أن المتعلم الموريتاني – مهما تفوّق علميا ونافس عالميا – إنما كان نوع تعلمه واختياره جامعته وتخصصه ومكان دراسته ومجالها كلّه بجهده الذاتي وباقتناص ما أتيح له من فرصة، قد تكون خارجة عن ميوله وعن تكوينه الأولي، وقد لا يحصل عليها إلا بعد جهود مضنية، ومحاولات متعددة، ومشاقَّ هائلة، وغربة طويلة، فيضطر لخوض تجربة إجبارية لم يتح له غيرها، في مشارق الأرض أو مغاربها، فينجح أو يفشل، دون أن يكون للدولة أي دور في ذلك من توجيه لجهة أو مجال أو تخصص، وأحسن حالات تدخل الدولة أن تتكرم على نسبة لا تصل (0.01%) من الطلبة – بعد أن يقاربوا المراحل النهائية من الدراسة – بالموافقة على منحة لا تسد عشر حاجتهم، ولا تصل إلى أيديهم إلا بعد أشهر من الانقطاع والتربص، هذا إن سلمت من لصوص الطريق.
في حين أن المتعارف عليه في دول العالم الأخرى أن تضع الدولة خطة خمسينية – مثلا – موزعة إلى وحدات زمنية أقل، وتحدد في كل وحدة زمنية حاجتها من المتخصصين في المجالات المختلفة، ثم تنشئ لهذه التخصصات مؤسسات تعليمية، وترسم لها مناهج منبثقة من خطط الدولة وحاجتها، وتوجه إليها التلاميذ والطلبة في ذلك الحيز الزمني المخطط.
وعندئذ يحس الطالب بمنة الدولة عليه، ويشعر بأن لها حقا يجب أداؤه.
ولا يخفى ما لهذه العملية من نتائج إيجابية متعددة المجالات والأبعاد، يخرجنا تتبعها عن الموضوع.
فهذا جانب واحد من جوانب خطة إصلاح التعليم الواجب رصدها والسير عليها، ونرصد جوانبها الأخرى في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى.
فإلى الحلقة القادمة