على مدار الساعة

حديث عن الفساد (الفقاعة العقارية وتعطل المشاريع)

6 أكتوبر, 2024 - 17:40
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه - مهندس في مجال المياه والصرف الصحي

ربما يكون الإسقاط طفوليا، ولكني أخاف بشكل جدي من فوز السلحفاة مرة ثانية على الأرنب، فحين تتمادى أسعار العقار "أرنب السباق" في استهتارها ربما تمنعها قواعد العرض والطلب من مواصلة الجري في المضمار بينما سيصل وإن كان متأخرا دخل المواطن "سلحفاة السباق" إلى خط النهاية وتحدث الفقاعة العقارية.

 

من بين الأمور التي انتهت مع الربيع العربي ظاهرة إخفاء المال العام المشبوه في البنوك الغربية، ساعتها لجأ ذوو الجيوب المنتفخة بالمال العام إلى إخفاء أموالهم في العقار فباتوا يشترون الأراضي بشكل هستيري دون اكتراث للثمن! وبشكل لوغاريتمي ارتفعت العقارت.

 

الفساد ليس السبب الوحيد فهنالك انخفاض صرف بعض العملات العربية أمام الدولار وتعويم أسعار بعضها زد على ذلك النمو السكاني واستمرار النزوح نحو المدن الكبيرة، هذا بالإضافة إلى التضخم وارتفاع أسعار الأسمنت والحديد.

 

طبعا موريتانيا غير مستثناة من هذا الواقع العربي، فأرانبها تتقدم السباق وسلحفاتها تتذيله.

 

في الآونة الأخيرة وصلت أسعار العقارات في نواكشوط إلى مستويات تجعل من المستحيل على أبناء الطبقة الوسطى الحصول على قطعة أرضية بمكان لائق، وفي نواكشوط أيضا صارت القطع الأرضية المخصصة أصلا لغرض السكن تُستغل لغرض آخر يتمثل في "تخزين القيمة" الذي يؤدي التمادي فيه إلى الركود، ومن البديهي أن عجز الطبقة الوسطى عن اقتناء العقارات المصحوب بالركود يؤدي إلى الاختلال في ميزان العرض والطلب وبالتالي إلى انهيار أسعار العقارات مع ما يصاحبه دائما من هزات ارتدادية منها على سبيل المثال خسائر بعض البنوك بسبب الرهون العقارية .

 

ولتفادي هذه الفقاعة العقارية يجب على الحكومة انتهاج سياسة مستدامة تستصلح الأراضي وتخطط للتوسع العمراني مع احترام المعاير التالية:

 

- النمو الديمغرافي:

- الوضع الاقتصادي

- تشجع السكان على العودة إلى المدن الداخلية والاستثمار فيها لتخفيف الضغط عن نواكشوط.

- التميز بين مشتري العقارات لغرض السكن ومشتريها لتخزين الأموال - التي قد تكون غير مشروعة - وذلك من خلال تشجيع الصنف الأول وفرض قيود على الصنف الثاني .

الشق الثاني من هذا المقال يخص رافدا أساسيا من روافد الفساد يتمثل أساسا في التلاعب بالمشاريع التنموية (دراسة وتنفيذا ومراقبة) وهو ما يفسر هشاشة البنى التحتية عندنا مقارنة بدول الجوار.

 

من مظاهر هذا التلاعب المضحكة المبكية في آن واحد هو:

- أن أي شركة فشلت بالأمس في تنفيذ مشروع معين أو تعثرت كثيرا أثناء تنفيذه يمكنها أن تشارك في المناقصة الموالية بكل وقاحة وتعرض ذات الإمكانيات والطاقم الفاشلين آنفا لتنفيذ مشروع مماثل والكوميديا السوداء في الموضوع أنها قد تفوز بالمناقصة الموالية.

 

- أثناء تقويم الملفات وبعد اجتياز الجانب الفني تعطى المناقصة للأقل سعرا، ومن هذه الثغرة صارت بعض الشركات ومكاتب الدراسات تتقدم بسعر لا يمكنها بأي حال أن تنفذ به المشروع وعند الفوز بالمناقصة تلجأ الشركة أو المكتب إلى الطرق الملتوية مما قد يقضي على المشروع أو يؤجله في أحسن الأحوال.

 

- الصلاحيات المبالغ فيها لمنسق المشروع والتي تجعله لا يتلقى الأوامر إلا من الوزير وأحيانا تعطيه سلطة فوق الوزير، هذه الصلاحيات غير المبررة تجعل من بعض منسقي المشاريع دكتاتوريين ومستبدين وأحيانا يتحول المشروع إلى صالون للأسرة أو خيمة للقبيلة.

 

والحل في نظري يكمن فيما يلي:

- أي شركة أو مكتب دراسات سبق وأن فشلا في تنفيذ مشروع أو دراسة أو مراقبة - وفقا الآجال المحددة - يتم استبعادهما لمدة ثلاثة أعوام من المشاركة في المناقصات الوطنية سواء المحلية أو الدولية.

- وضع مبلغ مالي كحد أدنى لتنفيذ المشروع، وإقصاء كل من تقدم بعرض مالي أقل ولو بألف أوقية قديمة، وذلك سدا لباب التحايل والتسويف والتأخير والوساطة.

- الحد من صلاحيات منسقي المشاريع وإعادتهم للسلم الاداري الطبيعي من خلال تبعيتهم المباشرة لإداراتهم المعنية.

 

في الوقت الراهن لا يمكنني أن أحارب الفساد إلا بقلمي وهو مبلغ جهدي، وسأظل إن شاء الله أخوض معركتي حتى أرى بلدي على سكة النمو والحكامة الرشيدة والتنمية المستدامة.

 

حفظ الله موريتانيا.