بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد،
فهذه الحلقة الثانية من هذه السلسلة، أخصصها للحديث عن إصلاح مناهج التعليم، مع التأكيد على ما قررته في الحلقة السابقة من شرطية إعادة التأسيس بالكامل؛ انطلاقا من فشل الأدوات والآليات – بل وربما بعض الشخصيات – التي كان عليها الاعتماد في السابق، ومن هنا فلا مناص من اتخاذ قرارات صارمة منها:
اعتماد لجان كافية عدديا، ومكفية ماديا في ثلاثة اتجاهات:
- تربوية فنية متخصصة مهمتها رقابة المناهج من حيث جعلها مناسبة للمرحلة التعليمية،
- لغوية كتابية أدبية منهجية تجمع بين دقة الصياغة المجردة، وبين الخبرة في وضع المناهج، بما في ذلك اختيار الموضوعات وكتابة قواعدَ وتمارين تطبيقية مجابة وغير مجابة... إلخ،
- علمية تخصصية في المجالات المراد تقريرها (كل على حدة) مع مراعاة الجمع بين التأصيل والتحديث، ومع الابتعاد ما أمكن عن التعميم والدمج.
ولا بد – في النظرة إلى العلوم المختلفة – من الابتعاد عن تقسيم المعارف المعتمد عالميا، والذي يبعد كل ما مصدره الوحي المقدس عن مجال العلم، ويقسم العلوم بعد ذلك، فهذا إن صلح في مجتمع كنسي يعتمد ديناً محرفاً يلعب به "رجال الدين" (!) فإنه لا يصلح منطلقاً في أمة تعتمد قرآنا متواترا محفوظا من التغيير والتبديل: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، ومن حماقات هذا التقسيم الفاشل الماثلة أمامنا أن تنشئ الدولة الجامعات والمعاهد الإسلامية العليا ثم تبقى عشرات السنين غير تابعة لوزارة التعليم العالي!
كما لا بد – في جميع اللجان – من ملاحظة انقسام التعليم إلى قسمين لكل منهما خصائصه ومراحله ومؤسساته:
أ. تعليم أساسي:
يُعنى بتأسيس التلميذ على البناء النفسي والذهني والمهاري والمعرفي مركزاً على كيفية استفادته من كل يلقاه في طريقه – ومنه ما يتاح له من الدراسة – من أجل تسيير حياته المستقبلية في سائر عمره، وهنا يتعلم التهجي ومبادئ الحساب، وأساسيات العلوم المنتظر تقريرها فيما يستقبل.
وما لم ينطلق كتبة المناهج من هذا التصور لمرحلة التأسيس فلا أتوقع أن تحقق فائدة تذكر.
ولا بد من اعتماد العملية والواقعية والتدرج التراكمي المعرفي، واتضاح الرؤية – منذ السنوات الأولى - لما نريد أن يكون عليه التلميذ في نهاية المرحلة.
لا بد لمجتمع متنوع الأعراق واللغات أن يكون تعليمه الأساسي موفراً للجميع مستوى واحداً متساوياً من الثقافة الوطنية الداعمة للوحدة، والمعززة للتنوع الإيجابي، ومن مقتضيات ذلك تقرير اللغات الوطنية الدستورية الأربع في هذه المرحلة على جميع المواطنين.
ب. تعليم عالي:
يُعنى بصناعة وتكوين فريقين قويين من الشباب وفق خطط الدولة المفترض وجودها:
- فريق يتفرغ للتعليم – في المجالات المختلفة - حتى آخر مراحل التعليم، بهدف استلامه راية التأطير وتجديد أجيال الأمة، وعلى هؤلاء عندما يكملون تعلمهم أن يستلموا مسؤولية صناعة الأجيال اللاحقة، وذلك بتعيينهم أساتذة للتعليم العالي.
- فريق عملي مهني تحتاجه الدولة في قطاعاتها المختلفة، فيوظفون بعد تخرجهم من المراحل الأولية في التعليم العالي.
ولا بد – لكي تثمر العملية – من تقويم مستمر لكل عمل، ولا أقل من صدور تقرير سنوي مفصل بعوامل النجاح ونقاط الفشل، وعقد الورشات بعد كل تقويم سنوي لتلمس أسباب التعثر ووضع الحلول للمشكلات.
وغني عن القول إن عمليات التفتيش والتقويم المستمر طيلة العام عليها التعويل - بنسبة كبيرة - في سبر الواقع وقياس نتائج العملية، ولكن موضوعنا اليوم هو المناهج، وسيأتي الحديث عن غيرها في الحلقات القادمة إن شاء الله.
فإلى الحلقة القادمة