يلبي العمل المصرفي بشكل عام، حاجة ضرورية، ومطلبا أساسيا، ارتكزت نواته الأولى على أهمية التبادل التجاري بين الشعوب، وخلق ديناميكية اقتصادية سريعة، تناغمت والسياق الاجتماعي والاقتصادي في وطننا، ذلك ما حدَا بنا إلى التمعّن حول طبيعة هذه والبنوك ومدى فاعليتها؟
- تأصيل:
تعرف البنوك بجملة تعريفات لعل أهمها أنها مؤسسات مالية تقدم منتجات وخدمات مصرفية تستقطب الأموال وتوظفها، وينتج عن ذلك دور أساسي لهذه البنوك وهو الوساطة المالية التي توجّه وحدات الفائض إلى وحدات العجز، بمعنى أنها تربط بين المشاريع التي تحتاج تمويل، والتمويل الذي يحتاج للاستثمار والإنتاج، فهي بذلك تحقق استقرارا نقديا مهما، وتحرك السلع والخدمات الحقيقية لتلبيَ الحاجة الاجتماعية، وتعزز الائتمان المالي، وتوظف كافة عوامل الإنتاج الحديثة لتوفير سيولة مالية كبيرة، فكيف تبرز فاعلية هذه الخدمات والمنتجات في البنوك الموريتانية!
- معالجة:
نشأ القطاع المصرفي الموريتاني منذ بداية السبعينات حيث عرفت الساحة الاقتصادية بنوكا تجارية تهدف لتقديم خدمات مالية متمثلة في فتح حسابات وتصدير أدوات مالية مثل خطابات الضمان والاعتمادات المستندية إضافة إلى تقديم قروض لأصحاب المشاريع، وربط الصلة بين المشاريع والتمويلات، ظل الطابع العام لهذه العمليات طابعا تقليديا، يستمد قوته ومتانته من عوائد الفائدة التي تجعل من النقود وسيلة للمتاجرة، فعند اقتراض مبلغ معين وبعد استيفاء مساره الإداري، تتم جدولته على أساس ضعفه قبل الاستفادة من استثماره وتحريك الدورة الاقتصادية به وتوظيف الموارد البشرية من خلاله، فالربح يتم عن طريق المتاجرة بالعمر الزمني للمشاريع، وعامل المخاطرة، ومدى نجاح المشروع غالبا يتحمله صاحب المشروع بمفرده،!! فعند إمعان النظر في هذا الأمر ندرك أن نظام القروض أو ما يعرف بالفائدة يشكل اختلالا جوهريا في المؤسسات المالية المصرفية الموريتانية، حيث تغلب ربحية وحدة الفائض على حساب وحدة العجز وإنتاج المشاريع، فيناقض ذلك مبدأ أساسيا، تسعى البنوك إلى تجسيده ألا وهو مبدأ العدالة الاجتماعية، فينتج عن ذلك أزمة ائتمان مصرفي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن نظام الفائدة يسوّق السلع الافتراضية أو ما يعرف "بسلعية النقود" على حساب السلع الحقيقية والإنتاجية، فهذا يجعل البنوك الموريتانية أسيرة المعاملات المصرفية التقليدية، القائمة على الفائدة المتعارضة مع الثقافة المالية الإسلامية والحاضنة الاجتماعية عموما، فعلى أنقاض هذه الأزمات قدمت البنوك الإسلامية الموريتانية نظاما مالية متكاملا يقوم على توفير التمويل بين وحدات الفائض والعجز عن طريق "الوساطة الاستثمارية"، التي تتأسس باكورتها على قاعدتيْ "الغنم بالغرم"، و"الخراج بالضمان" فالتمويل يقدم على أساس المشاركة واقتسام الربح والخسارة، سواء كان البنك شريكا أو مضاربا. فيتم تحديد النسبة عند التمويل، أما في حالة الخسارة فيتحمل الاثنان نصيبهما، حيث يخسر البنك فائضه، ويخسر صاحب المشروع جهده ووقته وتنظيمه، كما أن البنوك الإسلامية تقدم تمويلاتها الإسلامية بما يخلق إنتاجية السلع والبضاعة الحقيقية من خلال عقود واضحة تلتزم برضا الطرفان وتعتمد الشفافية والوضوح وتضمن ثقة المؤسسة والعميل وتعود بالنفع على الاقتصاد وتعزز من التوزيع العادلة للثروة بين كافة الأطراف وتحقق العدالة الاجتماعية بتناسق عوامل الإنتاج من خلال توفير التمويل وتوظيف اليد العاملة واستغلال الأرضية والتنظيم والتكنولوجيا، فالبنوك الموريتانية عرفت نموذجا إسلاميا رغم نتائجه المبهرة إلا أن تشابه الخدمات المصرفية بين التقليدية والإسلامية جعل البنوك الإسلامية شعارا لاستعطاف المجتمع الإسلامي إلى منتجات ربوية بلبوس إسلامي، وذلك ما يستدعي حاجة النظام المصرفي للأسلمة الحقيقية والتنظيم الدقيق وتفعيل القوانين والتنظيمات المخولة لذلك.
ومن خلال هذه المناقشة المقتضبة، يتضح لنا أن البنوك الموريتانية ما تزال بنوكا تقليدية تكابد طموح الصيرفة الإسلامية رغم كثرة العوائق والتحديات وانعدام البيئة المصرفية وعدم فاعلية القوانين والتنظيمات والهيكلة البنيوية للبنوك التي تعاني من الاستغلال الأسري، إضافة إلى عدم أهلية المصادر البشرية، وغير ذلك.
فهل نؤسس لنظام مصرفي إسلامي حقيقي؟