إن التعليم عماد نهضة الأمم ورافعة تقدمها، وهو السبيل الأقصر لنموها وتقدمها، لذا يجب أن ننتبذ به مكانا قصيا عن صراعات الساسة، ووحل السياسة، ونبعده عن القررات الارتجالية التي تضر أكثر مما تنفع، وتؤخر أكثر مما تقدم.
هذه الارتجالية ظلت السمة المصاحبة للإصلاحات التربوية، وخصوصا إصلاح 1999م الذي حكم عليه بوقف التنفيذ مع صدور القانون التوجيهي الجديد، الذي يدشن مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح المستنبت في أرضية غير مستصلحة وهو ما أفشل مبكرا "إصلاح" 1999م الذي كان من أبرز نتائجه تسرب المئات من التلاميذ العاجزين عن مواكبته، في ظل غياب الأدوات اللازمة لتطبيقه.
آخر تجليات الارتجالية الحاكمة لنظامنا التربوي، المعششة في مكاتب صناع القرار فيه: حصر الابتدائية في التعليم النظامي القرار الذي لم يتم الإعداد له بشكل كاف، تخطيطا، وتمويلا، وتنفيذا.
وفيما يلي نستعرض عيوب هذا القرار، وتبعاته الوخيمة على نظامنا التربوي:
1- النقص الحاد في المباني والطواقم: إن قرارا كهذا يستدعي بناء آلاف الحجرات الجديدة، لاستقطاب أفواج التلاميذ القادمين من التعليم الخاص، واكتتاب آلاف المعلمين في ظل تضاعف الأقسام التربوية، الأمر الذي لم يتم - حتى الآن - فما زال "التفويج" ظاهرة منتشرة في العاصمة نواكشوط، وما تزال إدارات المدارس ووكلاء التلاميذ يعبرون عن حاجتهم الماسة إلى المعلمين.
2- الاكتظاظ: بهذا القرار تتعزز ظاهرة الاكتظاظ، التي تؤرق المهتمين بالشأن التربوي بموريتانيا، وتشكل عائقا كبيرا أمام التحصيل المعرفي، حيث من الطبيعي أن نجد في القسم التربوي الواحد: 90 تلميذا وأحيانا يتجاوز عتبة ال100 تلميذ في المدن الكبيرة، فكيف سيصبح العدد الطبيعي للأقسام بعد هذا القرار الغريب؟
3- نقص الطاولات ورداءتها: لا تخطئ عينك وأنت تدخل حجرة الدرس في أي مدرسة نظامية، عشرات التلاميذ جالسين على الأرض، بعد أن أعجزتهم طاولة عليها يجلسون، بفعل ندرة الطاولات أو تلف الموجود منها.
فرغم الإنفاق السنوي الكبير على الطاولات، إلا أننا لا نلمس لذلك أثرا في الواقع، بفعل سرعة تلفها، ورداءة النوعية المقتناة منها مؤخرا، كل ذلك مع غياب الصيانة.
4- الانتقائية: فلسفة الوزارة الوصية وخلفيتها المعلنة وراء هذا القرار (مدرسة جمهورية مُوَحِدَة) أعدمتها على مقصلة الانتقائية حين خرقت قرار حصر الابتدائية في التعليم النظامي بالسماح لبعض المدارس التي تعتمد المنهج الفرنسي بتدريس السنوات الأولى والثانية والثالثة من التعليم الأساسي، بعد أن أخرجت بقوة القانون التوجيهي من التعليم الخصوصي.
هذه أمثلة فقط تجعل هذا القرار معيبا - غير قابل للتطبيق في ظل الظروف الحالية - وقد ضربنا الذكر صفحا عن اختلالات أخرى عديدة في تعليمنا العام، تعزز ما ذهبنا إليه كانعدام الأمن، وقلة المتوفر من الدعامات التربوية، ووسائل الإيضاح..
فالحل - إذن - يكمن في تجويد الخدمة العمومية المقدمة في المدرسة النظامية حتى تشكل - تلقائيا - بديلا جديا عن التعليم الخاص، لا أن يساق الناس إليها سوق القطيع، دون نظر في العواقب، وتفكير في المآلات.