على مدار الساعة

حديث قد يهم وزيرة التربية وإصلاح التعليم

15 أكتوبر, 2024 - 19:48
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه - مهندس في مجال المياه والصرف الصحي

الآن بعد ستة عقود من الاستقلال تبدو المقارنة غير واردة بين تلميذ في السنة الخامسة من الابتدائية سنة 1962 يدرس تحت خيمة بوسائل فقيرة للغاية وبين تلميذ في ذات المستوى سنة 2024 يدرس في أقسام مكيفة يدفع عنه ذووه شهريا على الأقل نصف راتب معلم بكافة علاواته.

 

دعونا نتجاسر ونقوم بالمقارنة، صاحبنا في ستينيات القرن الماضي على وشك التخرج من الابتدائية ليصبح معلما أو ممرضا أو عسكريا أو حتى سفيرا، ويستطيع أن يكتب تقريرا من ألف كلمة بالفرنسية دون أخطاء تذكر، ربما يحفظ الاثنى عشر ألف فعل في التصريف الفرنسي، وفي الجغرافيا يعرف نهر الأمازون والمسيسبي ومضيق هرمز، أما صاحبنا في الألفين وأربعة وعشرين، فيقتني أدوات دراسية تكفي لعمل مكتب دراسات أما عن معلوماته في الجغرافيا وهفواته في الإملاء فلن أقسو عليه لكني أترك لك عزيزي القارئ فرصة اختباره في أقرب وقت.

 

معالي وزيرة إصلاح التعليم اختياري للتصريف الفرنسي كمثال لا يعني إعجابي بالتعليم الفرنسي فأنا أراه تعليما شبه عسكري أسس له نابليون ذو العقلية الصارمة وأراه كذلك تعليما يزرع المنافسة السلبية في عقول الصغار ويملأ دفاترهم بكثير من المعلومات غير الضرورية التي لا ترعي اهتماماتهم ولا مهنهم في المستقبل.

 

معالي الوزيرة،

ما بدأت به مقالي من المقارنة بين جيلين إنما أريد من خلاله أن أشرح لمعاليك أن البنية التحتية رغم أهميتها لا تلعب الدور الأساسي في إصلاح التعليم لأنها في الأصل مهمة من اختصاص وزارة الإسكان.

 

معالي وزيرة إصلاح التعليم،

ربما تتفقين معي على أن أضلاع مثلث الإصلاح التعليمي هي البنى التحتية والمناهج الجيدة والمعلمون ذوو الكفاءة.

 

سبق وأثبتنا أن دور البنى التحتية غير أساسي من خلال مقارنة الخيمة التي تخرج السفراء والغرف المكيفة التي تخرج تلاميذ اليوم، إذا فلنتناول بمجهرنا ضلع المناهج.

 

المناهج مهمة خصوصا إذا كانت تعلم التلاميذ دينهم وقيم مجتمعهم وتحافظ لهم على تراثهم الايجابي وتحضرهم لخدمة بلدهم في المستقبل، لكن أي استثمار في المناهج قبل الاستثمار في تكوين المعلمين تكوينا ممتازا سيشبه إلى حد كبير شراء كثير من الأدوية دون سد النقص في الأطباء أو شراء الأسلحة المتطورة دون تكوين الجنود والضباط على استخدامها.

 

معالي الوزيرة،

في التجربة الفلندية التي لا يمكن لكاتب عن التعليم أن يتجاهلها يتم التركيز على تحسين مستوى المعلمين واختيارهم وفق معايير معينة إذ أن أغلبهم حاصل على شهادات ماجستير أو دكتوراه، ثم إن الحكومة الفلندية تعطي للمعلم امتيازات هامة واهتماما كبيرا وراتبا جيدا مما يعطيه مكانة مرموقة داخل المجتمع.

 

معالي الوزيرة،

حضرتك وزيرة للتربية قبل إصلاح التعليم، ومن صميم التربية إعطاء قدوة حسنة للتلاميذ الصغار وبتحسين ظروف المعلم والتشدد في معايير اختياره من بين النخبة يمكننا أن نضعه في قائمة النماذج الحسنة التي يجب أن نقدمها لهؤلاء الصغار.

 

معالي الوزيرة،

سأعود لفترة بداية الدولة وأذكر معاليك بالمعاهد والثانويات التي كانت تضم سكنا طلابيا داخليا وما قدمته من نخبة وطنية واعية ومتعلمة، ومن أجل ذلك أقترح عليك إضافة إلى المدرسة الجمهورية، إنشاء مدارس داخلية في كافة عواصم الوطن على أن تكون خدمات السكن والطعام لائقة بطلاب العلم مع توفير الملاعب الرياضية وقاعات الندوات والمكتبات الجمهورية الزاخرة بالكتب المفيدة، وخير مثال على نجاح التجربة في الماضي معهد أبي تلميت وثانوية روصو التي لم يتكرر لحد الآن ما خرجاه كما وكيفا من رجال الدولة.

 

معالي وزيرة التربية،

ألا تلاحظين معي أن بعض خريجي الجامعة وبعض الموظفين السامين يعانون من شبه عسر في القراءة وارتباك تام أثناء الارتجال أمام الملأ، ويكفيك يا معالي الوزيرة - كي تتأكدي من صدق ما أقول - أن تشاهدي نشرة الثامنة في التلفزة الوطنية، والسبب حسب رأيي غياب التعليم المسرحي عن مدارسنا الابتدائية، وبالمناسبة يمكننا من خلال المسرح ترسيخ قيمنا ومحاربة المسلكيات الضارة وتدريب التلاميذ على الحديث أمام الجمهور والحضور المسرحي مما يقوي شخصياتهم ويبعدهم عن التوحد والإدمان.

 

يا معالي وزيرة إصلاح التعليم،

أنا لا أتحامل على المدارس الحرة، ولكنه من المضحك المبكي مقارنة معدلات الرواتب في موريتانيا والدفعة الشهرية لتلاميذ الباكلوريا في إحدى المدارس الحرة التي توشك على احتكار النجاح في مسابقات التعليم الوطنية،  الحل يا معالي الوزيرة يكمن في إنشاء أكاديميات جهوية للتعليم في كل ولاية أو على الأقل في كل جهة من جهات الوطن على أن تكون لكل أكاديمية امتحاناتها الوطنية الخاصة والمعترف بها من طرف الدولة، والتي تمكن الناجحين فيها من الحصول على ذات الفرص التي كانت المسابقات الموحدة تمنحهم إياها، مع الحرص التام على الشفافية والدقة في التصحيح .

 

معالي وزيرة التربية،

إن الشراكة في موضوع تربية التلاميذ من أسرهم سيكون لها بإذن الله أثر إيجابي على العملية التربوية برمتها ويشترط في هذه الشراكة وجود الثقة والتوعية المستمرة لأولياء أمور التلاميذ وتبادل المعلومات معهم وبالإضافة إلى اعتماد ممثل عن رابطة آباء التلاميذ في كل إدارة مدرسية.

 

هذه مجرد اقتراحات من شخص غير مختص، ربما يقع بعضها في فخ التنظير وربما يجد بعضها سبيلا للتطبيق في قادم الأيام إن شاء الله.

 

حفظ الله موريتانيا.