على مدار الساعة

قمة المناخ كوب 29 إفريقيا وإشكالية التغير المناخي ومعالجة تأثيراته

22 نوفمبر, 2024 - 01:12
محمد عينين أحمد - رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة - ainineahmed@gmail.com

دخلت قمة المناخ مرحلتها النهائية في العاصمة الأذربيجانية باكو، وكانت القمة قد بدأت وتستمر 11 إلى 22 نوفمبر / تشرين الثاني، ولا شك أن قراراتها المتخذة ستؤثر علينا جميعًا. حتى يومنا هذا، تقاعس المجتمع الدولي عن كبح جماح الأنشطة المميتة، التي تستمر في تلويث الكوكب وحرقه ونهبه في مواجهة المعاناة الإنسانية المتزايدة.

 

حضر مؤتمر كوب 29 ما بين 40 إلى 50 ألف مندوب، ممثلون حكوميون من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي؛ وكل منها يشكل طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992، وانضم معظمها أيضًا إلى اتفاق باريس للمناخ لعام 2015. أيضًا دبلوماسيون، ومسؤولون في الأمم المتحدة، وصحفيون، وعلماء مناخ، وقادة نقابات عمالية، وخبراء في السياسة.

 

الهدف العام لمؤتمر كوب 29 هو أن توافق الدول على خطط للتصدي لتغير المناخ وتطويرها وتبادلها، وهذا يعني منع المزيد من الانحباس الحراري العالمي، وأيضًا مساعدة أولئك الأشد تضررًا حتى الآن، على التكيف على التغير المناخي أو إعادة نمط حياتهم، في عام 2015، جعلت اتفاقية باريس من المتطلبات القانونية لجميع الدول لتحديد أهداف للحد من انبعاثات الغازات، من أجل الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ولكن منذ ذلك الحين، أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن التأثيرات الأشد كارثية لتغير المناخ لا يمكن تجنبها إلا إذا نجحنا في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن.   

 

وفي مؤتمر كوب 29، تم قياس التقدم الذي تحرزه البلدان في معالجة تغير المناخ مقابل هدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية. ومن المهم أن نلاحظ أنه حتى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية سوف يؤدي إلى نزوح جماعي، وإلحاق الضرر بسبل العيش والخسائر في الأرواح، الأكيد أنه في الوقت الراهن ستكون الزيادة في درجات الحرارة بين 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية.

 

يتسبب تغير المناخ في زيادة كبيرة في وتيرة درجات الحرارة القصوى، لقد شكل عام 2024 العام الأشد حرارة على الإطلاق، في جميع أنحاء العالم، نزح الناس بسبب الأعاصير والفيضانات والجفاف، وغيرها من الكوارث غير الطبيعية، التي تفاقمت جميعها بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري في جميع أنحاء العالم، ما تزال الشعوب والمجتمعات التي تعتمد على الأراضي تتحمل العبء الأكبر لفقدان التنوع البيولوجي.

 

لقد أُزهقت أرواح؛ وأصبحت سبل العيش بأكملها في خطر؛ ضف إلى ذلك المرض والجوع والنزوح. وتبلغ تكلفة هذه الخسائر تريليونات الدولارات من الأضرار، وهو ما يجعل تكلفة الاستثمارات الحالية في الطاقة المتجددة تبدو ضئيلة للغاية، ويهدد قدرة الحكومات على تمويل السياسات الرامية إلى حماية حقوق الإنسان.

 

أُطلق على مؤتمر كوب 29 اسم "مؤتمر كوب المالي"، نظرًا لتركيزه على توسيع نطاق تمويل المناخ. ويشير تمويل المناخ إلى التمويل اللازم لمساعدة البلدان منخفضة الدخل على التحول إلى اقتصادات خالية من الكربون، ولمساعدة المجتمعات الأشد تضررًا على التكيف مع آثار تغير المناخ. فأحد الأهداف الرئيسية لمؤتمر كوب 29 هو زيادة هذا التمويل، ووضع هدف جديد لتمويل المناخ في المستقبل.

 

في قارتنا الإفريقية نحن ندفع ثمن رفاهية الدول الغنية حيث تُلوث المناخ بالانبعاثات الكربونية الضارة بساكنة الكوكب، وقد بدأت التغيرات المناخية تسلب الناس حياتهم في بلدنا، لعل أكثر موسم خريفي ضحايا هو الموسم الفائت والأكثر تدميرا، أمّا الفيضانات فحدث ولا حرج، قبل أقل من شهر أيضا شهدت مدن الضفة فيضانات كبيرة خلفت وراءها مشردين وخسائر في المساحات الزراعية، وهذا ناتج عن ظاهرة التغير المناخي، على الدولة الموريتانية مواكبة التطورات البيئية العالمية والمطالبة كغيرها من الدول الفقيرة بالاستفادة من موارد الدول الغنية وتمويلاتها لإنجاز مشاريع خضراء ومواجهة الفيضانات والجفاف والتصحر وغيرها من الظواهر المرتبطة بالمناخ، للمساعدة على التعافي من التأثيرات الحالية لتغير المناخ، ومن الآثار الأخرى التي ستواجهها حتمًا في المستقبل.

 

نأمل من هذه القمة أن تخرج بالنقاط التالية:

- التوصل إلى عدد من الاتفاقات المهمة، وهو هدف سنوي جديد لتمويل المناخ، 

- التوصل لاتفاق لتشغيل أسواق ائتمان الكربون متعددة الأطراف، 

- التعهد بمزيد من المساعدات المالية للدول المتضررة بالفعل من كوارث مناخية مكلفة،

- التوصل إلى اتفاقات فنية، تستند إلى ما تم إنجازه في مؤتمرات القمة السابقة،

- التعهد بتمويل مشروعات صديقة للبيئة، 

- جمع أموال للاستثمار في مكافحة تغير المناخ،

- تمويل الدراسات والبحوث التي تُسهم في التكيف مع تغير المناخ.

 

نتمنى أن تكون قمة البرازيل كوب 30 فرصة مناسبة لقياس التقدم الذي ستحرزه القمة هذا العام، خاصة أن من بين نقاط الخلاف الرئيسية التي برزت في المفاوضات على مدى الأيام الثمانية الماضية هي من أين ستأتي مئات المليارات - أو ربما تريليونات الدولارات.

 

تخسر القارة الإفريقية 2 إلى 5% من الناتج الإجمالي للقارة، كما أن إفريقيا تستطيع قيادة العالم في التصدي للتغير المناخي حيث تملك 60%؜ من مصادر الطاقة المتجددة، ويحوِّل الكثير من هذه البلدان ما يصل إلى 9% من ميزانياتها لمواجهة الظواهر المناخية الطارئة.

 

تشير التقديرات التي صدرت 2023 عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إلى أن تكلفة التكيف مع تغير المناخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستتراوح بين 30 و50 مليار دولار أمريكي سنوياً على مدار العقد المقبل، أو 2 – 3% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه المنطقة، تشير التقديرات إلى أنه ما لم تُتخَّذ تدابير كافية للاستجابة، فإن ما يصل إلى 118 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع (ويعيشون على أقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم) سيتعرضون للجفاف والفيضانات والحرارة المتطرفة في إفريقيا بحلول عام 2030. وهو، بحسب الأرقام الواردة في التقرير، ما سيضع أعباء إضافية على جهود التخفيف من حدة الفقر ويعرقل النمو بشدة،

 

وعلى البلدان الأفريقية أن تعطي الأولوية لزيادة الاستثمار في المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، وأن تعجِّل بتنفيذ نظام الإنذار المبكر من أجل إنقاذ الأرواح والحفاظ على سبل العيش. من شأن ذلك أن يساعد في التخفيف من المخاطر، وبناء القدرة على التكيف، وتعزيز القدرة على الصمود على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية، وفي توجيه استراتيجيات التنمية المستدامة.

 

تواجه قارتنا الافريقية للأسف أعباء ومخاطر غير متناسبة ناجمة عن الظواهر والأنماط الجوية المرتبطة بتغير المناخ، فتتسبب في أزمات إنسانية هائلة تلحق آثاراً ضارة بالزراعة والأمن الغذائي والتعليم والطاقة والبنية التحتية والسلام والأمن والصحة العامة والموارد المائية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة.

 

يتطلب ذلك جهودا وتمويلات من المانحين للتكيف مع الواقع الراهن وليس قروضا بل تمويلات مجانية على شكل هبات لمواجهات هذه التحديات المناخية الصعبة.

 

وليست موريتانيا مختلفة عن الدول الإفريقية الأخرى التي يجب أن ترسم استراتيجية واضحة للتكيف مع الظروف والتقلبات المناخية، التي لا مفر منها.

 

نأمل أن نرى استثمارات في المشاريع الصديقة للبيئة والمحافظة على التنمية المستدامة التي حددتها النظم العالمية.