تحتاج مدينة نواكشوط لعصرنة وتحديث يراعي التركيبة الاجتماعية الهشة، والحالة الاقتصادية الصعبة والنظم البيئية المتدهورة.
نُحاول هنا توجيه بوصلة الجهات الحكومية الى بعض ما يجب التركيز عليه، من أجل الوصول إلى العصرنة التي تتطلب وقتا طويلا واستثمارا كبيرا في البني التحتية والخدمية وحتى في المواطن.
مع استمرار البلد في التحضُّر السريع وانجذاب سكانه نحو المراكز الحضرية، لم تكن التحديات التي تواجهها المدن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وما يجلبه النمو الديناميكي للمدن من المشاكل والتحديثات، بل وحتى استنفاد الموارد، والتدهور البيئي، والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وإجهاد البنية التحتية وغيرها. وفي مواجهة هذه التحديات، برزت رؤية عصرنة مدينة نواكشوط، الحضرية، المستدامة كضرورة لبناء الدولة وتقدمها.
نتناول في هذه الأسطر الطرق العلمية التي يمكن أن تمهد لبيئات حضرية، مسؤولة بيئيًّا وشاملة اجتماعيًّا وقابلة للحياة اقتصاديًّا. وتتضمن تكاملًا متوازنا للنمو الاقتصادي والشمول الاجتماعي واحترام النظام البيئي؛ وتوفير الطاقة المتجددة، والبنية التحتية الذكية، وممارسات البناء الأخضر، وأنظمة النقل الفعالة، والإدارة المسؤولة للمياه.
يبلغ عدد سكان العالم أكثر من ثماني مليارات، وما يزالون في ازدياد، ويعيش أكثر من نصفهم في المدن، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 70% من سكان العالم سيعيشون في المدن بحلول عام 2050.
ما تزال المدن الموريتانية تعاني مشاكلَ في قلة الموارد، والمخططات العمرانية التي لا تتلاءم مع حياة صـحيَّة وصديقة للبيئة.
وفيما يلي نظرة عامة للتحديات الرئيسية التي يفرضها التحضُّر السريع وآثارها البعيدة المدى على البيئة والصحة العامة والظروف الاجتماعية والاقتصادية:
- زيادة استهلاك الطاقة: مع تركُّز السكان والأنشطة الاقتصادية في المدن، يرتفع استهلاك الطاقة بشكل كبير. فالمدن مستهلكً لطاقة الكهرباء والنقل والتبريد والعمليات الصناعية، وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
- تلوّث الهواء: يؤدي التركيز العالي للصناعات في المناطق الحضرية إلى تلوّث شديد للهواء، مع انبعاثات ضارة، مثل الجسيمات والمركبات الغازية، وثاني أكسيد الكبريت. ومن العوامل التي تسهم في تلوث الهواء الأنشطة البشرية كوسائل النقل، والتصنيع.
- توليد النفايات: يزداد إنتاج النفايات مع زيادة السكان، ولأن الإدارة غير السليمة للنفايات قد تؤدي إلى تلوث الماء والتربة، وأيضا انبعاث الغازات من أماكن معالجة النفايات ما يؤدي إلى تدهور البيئة.
- نقص المياه: من نتائج التحضر غير المنظم الضغط العالي على موارد المياه، وماله من تأثير على مخزون المياه الجوفية فمثلا في نواكشوط لا يمكن لمياه اديني أن تغطي حاجيات المدينة المتزايدة من المياه. فتوفير مياه شرب نظيفة لأكثر من نصف مليون شخص مع الاحتياجات المنزلية والصناعية من المياه إضافة للري وتربية المواشي يصعب تخيله.
- إضعاف النظام البيئي وفقدانه: إن التمدد الحضري يؤدي إلى تدمير الموائل الطبيعية التي هي موطن للكائنات الحية ما يؤدي إلى انخفاض المساحات الخضراء الذي ينعكس سلبا على جودة الهواء.
- عدم المساواة الاجتماعية والتفاوتات الصـحية: من نتائج التحضر تعزيز الفوارق الاجتماعية حيث يواجه السكان المهمشون صعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والنقل، هذه الفوارق يمكن أن تفاقم التعرض للمخاطر البيئية وتزيد من التعرض لتأثيرات تغير المناخ.
- الزحف العمراني وإرباك البنية التحتية: يؤدي الزحف العمراني غير المخطط وغير الخاضع للرقابة إلى إجهاد البنية التحية، ما يؤدي إلى استخدام غير فعال للموارد وزيادة استهلاك الطاقة، وازدحام حركة المرور.
إن فهم هذه التحديات التي ذكرنا سابقا، بالغ الأهمية في وضع استراتيجيات عصرنة مدينة نواكشوط ونقلها نحو مدينة عصرية مستدامة، مع ضمان التوازن بين الأهداف البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
هنا لتحديد رؤية مستقبلية متكاملة تضمن تحسين وظائف المدينة ودفع عجلة النمو الاقتصادي، وإدخال التكنولوجيا الذكية لخلق عصرنة نموذجية تلائم بين النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لضمان عصرنة للأجيال الحالية والمستقبلية لابد من التركيز على النقاط التالية:
1. حياد الكربون والطاقة المتجددة: من خلال الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالاعتماد على أنظمة الطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية النظيفة، لتشغيل البنية التحتية وشبكات النقل.
2. المساحات الخضراء: للمساهمة في تعزيز الرفاهية العامة للسكان من خلال دمج المنتزهات والحدائق في المخططات العمرانية.
3. النقل العام الشامل والفعال: الشيء الذي يقلل من الاعتماد على المركبات الخاصة ويخفف ذلك من الازدحام المروري.
4. هدف صفر نفايات: الحدُّ من النفايات وإعادة التدوير من الممارسات الأساسية في إدارة الموارد بفاعلية.
5. الإنصاف الاجتماعي: وهدفه هو الوصول العادل إلى الموارد والفرص لجميع السكان، وسد الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، والقضاء على الفوارق في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية.
6. التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي: لتعزيز الكفاءة والاتصال وستمكّن تقنيات المدن الذكية، المدعومة بالإنترنت من المراقبة وتحسين الأنظمة الحضرية.
يتطلب منا المضي قدما في عصرنة عاصمتنا الاستفادة من أدمغتنا ومد يد العون للتشاور والانفتاح على تجارب الآخرين، وقد أوردنا أغلب النقاط التي يجب التركيز عليها، وسنورد في المقال القادم نماذج حية لنستفيد منها أكثر.