على مدار الساعة

موريتانيا والقضية الصحراوية: من الحياد الحذر إلى الفعل الإيجابي المسؤول

18 ديسمبر, 2025 - 15:27
بقلم: حمود الغيلاني

أثار مقال الناشط الصحراوي محمد البيكم، الموسوم بـ «موريتانيا والقضية الصحراوية: بين الجغرافيا السياسية والمسؤولية الاجتماعية والرهان الإنساني»، جملة من الأفكار التي تستحق النقاش الجاد، لما تضمنه من توصيفات تمسّ جوهر العلاقة الموريتانية –الصحراوية، وطبيعة النزاع، وحدود الدور الموريتاني فيه.

 

ومع تقدير البعد الإنساني والاجتماعي الذي ركّز عليه المقال، فإن بعض خلاصاته تضع موريتانيا – عن غير قصد – في موقع سلبي، أو في خانة المتفرج على نزاع هي في الواقع جزء من معادلته السياسية والأمنية وفق المقاربة الأممية الجديدة.

 

موريتانيا لم تعد مجرد "مراقب" في النزاع

أحد أهم التحولات التي تجاهلها المقال هو ما كرّسه قرار مجلس الأمن 2797 (31 أكتوبر 2025)، والذي أعاد توصيف أطراف النزاع بشكل غير مباشر، من خلال الانتقال من منطق "الاستفتاء المؤجل" إلى منطق الحل السياسي الواقعي والقابل للتطبيق.

 

في هذا السياق، لم تعد موريتانيا تُعامل في الدبلوماسية الأممية كدولة مراقِبة فقط، بل كـدولة معنية مباشرة باستقرار الحل، بحكم:

- الجوار الجغرافي،

- الامتدادات الاجتماعية والقبلية،

- التأثر الأمني والاقتصادي المباشر،

- وتجربتها التاريخية العميقة مع النزاع.

 

وعليه، فإن توصيف الحياد الموريتاني يجب أن يُفهم اليوم بوصفه حيادًا نشطًا، لا حيادًا سلبياً أو انسحابياً.

 

الحياد الموريتاني خيار سيادي لا موقفًا رماديًا

يُحسب للمقال تأكيده على أن الحياد الموريتاني لم يكن انسحابًا من المسؤولية، لكن الإشكال يكمن في الذهاب أبعد من ذلك، عبر تصوير الحل في قيام دولة صحراوية مستقلة كخيار يخدم موريتانيا بالضرورة.

 

هذا الطرح يتجاهل حقيقة أساسية:

أن موريتانيا، كدولة ذات سيادة، لا تبني مواقفها على النوايا، بل على موازين الاستقرار والواقعية السياسية.

 

وهي تدرك – من خلال تجربتها في السبعينيات – أن أي حل غير توافقي، أو مفروض خارج السياق الإقليمي والدولي، سيعيد إنتاج التوتر بدل إنهائه.

 

لهذا، فإن الحياد الموريتاني ليس موقفًا ضبابيًا، بل سياسة اتزان دقيقة حافظت على:

- السلم الأهلي الداخلي،

- علاقات متوازنة مع المغرب والجزائر،

- وصلات اجتماعية إنسانية مع الصحراويين بمختلف توجهاتهم.

 

التعددية الصحراوية حقيقة لا يمكن تجاوزها

من أبرز نقاط القصور في المقال، تركيزه الضمني على تمثيل صحراوي أحادي، رغم أن الواقع الاجتماعي والسياسي الصحراوي لم يعد كذلك.

 

اليوم، هناك تعددية صحراوية فعلية:

- داخل الأقاليم الجنوبية،

- في مخيمات تندوف،

- وفي المهجر الأوروبي والإفريقي.

 

وهذه التعددية أفرزت أصواتًا سياسية مستقلة، من بينها: حركة الصحراويين من أجل السلام (MSP)، التي تطرح مقاربة مختلفة تقوم على:

- نبذ العنف،

- رفض الاحتكار التمثيلي،

- والانخراط في حل سياسي واقعي.

 

وهو بالضبط ما تدعو إليه الأمم المتحدة في قرارها 2797، حين شددت على ضرورة إشراك جميع الأطراف الصحراوية ذات المصداقية.

 

مقترح الحكم الذاتي – رؤية صحراوية لا إملاء خارجي

خلافًا لما يُروّج له، فإن خيار الحكم الذاتي لم يعد مقترحًا أحادي المصدر، بل أصبح إطارًا سياسيًا مرنًا تتلاقى داخله رؤى متعددة، من بينها مقترح حركة الصحراويين من أجل السلام.

 

ويتجسد ذلك في مشروعها المكوّن من 54 نقطة، والذي يرتكز على أسس جوهرية، من أبرزها:

- برلمان جهوي منتخب بصلاحيات تشريعية واسعة؛

- حكومة محلية مسؤولة عن التنمية والموارد؛

- قضاء جهوي مستقل؛

- ضمان الهوية الحسانية والثقافة الصحراوية؛

- إدارة محلية للثروات الطبيعية بشفافية؛

- تمثيل الصحراويين في المؤسسات السيادية؛

- آليات مصالحة وعدالة انتقالية شاملة.

 

هذا المقترح لا يلغي أحدًا، ولا يصادر حق أحد، بل يقدّم حلًا اندماجيًا يحفظ الكرامة ويضمن الاستقرار.

 

موريتانيا مؤهلة لقيادة مقاربة توافقية بفضل علاقاتها المتوازنة مع:

- المغرب،

- الجزائر،

- مختلف الفاعلين الصحراويين،

 

وبفضل رصيدها الدبلوماسي القائم على ضبط النفس وحسن الجوار، تمتلك موريتانيا مؤهلات فريدة لتكون:

- جسر تواصل،

- وصوت عقلانية داخل المنتظم الدولي،

- ومساهمًا في بلورة حلول لا في ترحيل الأزمة.

 

إن الابتعاد الكامل عن النزاع لا يخدم موريتانيا، تمامًا كما أن الانخراط المنحاز لا يخدمها. ما يخدمها هو المشاركة الإيجابية الذكية، القائمة على خبرتها التاريخية، وعمقها الاجتماعي، ومصلحتها الاستراتيجية.

 

إن القضية الصحراوية لم تعد تحتمل المقاربات الجامدة ولا القراءات العاطفية.

 

وموريتانيا، التي دفعت ثمن الصراع سابقًا، مؤهلة اليوم لأن تكون جزءًا من الحل لا ضحية له.

 

ودعم حل سياسي واقعي، تعددي، وإنساني، في إطار حكم ذاتي متفاوض عليه، لا ينتقص من أحد، بل يفتح أفقًا جديدًا للاستقرار الإقليمي، ويحفظ لمجتمع حسان وحدته وكرامته، ويُنهي نصف قرن من الانتظار.

 

وذلك هو جوهر المسؤولية التاريخية التي تفرضها الجغرافيا… ويؤكدها الواقع الدولي الجديد.