الأخبار (نواكشوط) – شهر سبتمبر 2017 شكلت الحكومة الموريتانية لجنة وزارية مكلفة "بوضع خطة وطنية لمواجهة الجفاف"، وذلك في ظل تسجيل انخفاض في مستوى تهاطل الأمطار في مناطق واسعة من البلاد، كانت الشركة الوطنية للإيراد والتصدير "سونمكس" ستكون العنوان الأبرز، والمساهم الأهم في مهام هذه اللجنة نظرا لتجربتها في هذا المجال، لولا "الممارسات" و"التقنيات" الخاصة التي تعرضت لها خلال عقد من الزمن، وجعلتها هي ذاتها موضع عمل لجنة حكومية أخرى مكلفة بـ"تقييم واقعها، واقتراح حلول للتعامل مع واقعها الاقتصادي الصعب".
إرث ثقيل
اللجنة الوزارية وجدت نفسها أمام "إرث ثقيل"، و"وضع مالي صعب" لشركة عمومية أنشأت منذ ستينيات القرن الماضي، وحافظت على حضورها طيلة العقود الماضية، قبل أن تواجه خلال السنوات الأخيرة عمليات متنوعة طالت كل مجالات اختصاصاتها، وأفقدتها المليارات دفعة واحدة، كانت عناوين خسارتها الرئيسية هي "برنامج أمل"، و"شراء المنتوج الوطني من الأرز"، وعمليات الحصول على الأسمدة والمدخلات الزراعية، وكانت "آلام" سونمكس "آمالا" لعدد من النافذين الذين وجدوا فيها فرصتهم للحصول على المليارات من المال العام عبر تقنيات محكمة، وأساليب احترافية.
المساهمون في التفليس
تتجاوز خسائر الشركة – حسب الوثائق التي حصلت عليها الأخبار 20 مليار أوقية، وذلك عبر صفقات محدودة، كانت مجموعة أهل غده التجارية، وشركة لعمر ودودي أكبر المستفيدين منها، إلى جانب عدد من الشخصيات الأخرى، التي يتوقف هذا التقرير مع أسمائها، ومع "الأدوار" التي لعبتها في "تفليس" الشركة الوطنية للإيراد والتصدير.
.1- الرئيس محمد ولد عبد العزيز:
يتربع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز على رأس الشخصيات التي "ساهمت" بشكل كبير في إيصال شركة "سونمكس" إلى حافة الإفلاس، فقد كانت الـ"أوامر العليا" الصادرة عنه وراء العديد من الإجراءات والقرارات التي أدت لخسارة الشركة مئات الملايين من الأوقية.
وكانت أولى "الأوامر العليا" بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى السلطة، حيث أصدر أوامر لمدير شركة "سونمكس" ببيع مخزونها من المواد الغذائية للتجار وبأسعار مخفضة، وهو ما نفذته الشركة ابتداء من يوم 24 ديسمبر 2008، وذلك بعد إعلان صادر عنه مديرها العام محفوظ ولد آكاط، يقول إن بيع مخزون الشركة بأسعار مخفضة يأتي "طبقا لتوجيهات رئيس المجلس الأعلى للدولة رئيس الدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز".
وقد خسرت الشركة جراء هذه العملية مبالغ قدرت بـ11 مليار أوقية.
2- و3 اغلانه بنت الغرابي و"عادل بدوي حسين":
وفي سياق متصل بالـ"أوامر العليا" يأتي المساهمان اغلانة بنت الغرابي، وعادل حسين بدوي، فقد توسطت بنت الغرابي لعادل بدوي في لقاء الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وأنتج لقاء "أوامر عليا" لإدارة شركة سونمكس عبر وزير التجارة بمب ولد ادرمان بتوقيع اتفاقية تعاون بقيمة 62 مليار أوقية على مدى خمس سنوات.
وكان لهذا الاتفاق تأثيره على الشركة حيث تضاعفت بينتها الإدارية، ورواتبها استعدادا للتمويل الضخم، كما اكتتبت موظفين جدد، قبل أن "يستحوذ" الممول الدولي "الوهمي" على أكثر من 220 مليون أوقية ويختفي عن الأنظار.
ومرة أخرى تدخلت الـ"أوامر العليا" لتوقف الإجراءات القضائية التي كانت الشركة بصدد اتخاذها في حقه بالتنسيق مع محاميها لي صيدو.
4 و 5 ولد محمد الأغظف وولد حدمين
وكان للوزيرين الأولين خلال هذه الفترة "مساهمتهما" في تفليس شركة "سونمكس" فقد تأرس ولد محمد الأغظف اللجنة الوزارية التي ألغت صفقة شركة "سوجيكور" المملوكة لأهل واديد بتوفير الأسمدة للموسم الزراعي 2012 و 2013، قبل أن يتم "الالتفاف" على الإلغاء لتربح الشركة مبلغ يتجاوز 600 مليون أوقية علاوة على مبلغ الصفقة الأصلي.
أما ولد حدمين فساهم في خسارة الشركة لـ5 مليارات أوقية من خلال قراره بمنعه من بين فائضها من الأرز الموريتاني، وهو ما عرض 24 ألف طن للتلف في مخازن الشركة بنواكشوط، وقدرت قيمته بـ5 مليارات أوقية.
6 – و7 ولد درمان وولد اجاي
ولم تقتصر "مساهمات" الحكومة على الوزيرين الأولين، وإنما ساهم بعض أعضائها في إيصالها إلى المرحلة التي وصلتها، وهما وزير التجارة بمب ولد درمان، فقد كان وراء تعيين المدير التجاري للشركة ولد اسبيعي براتب يفوق مليون أوقية بعد وساطة من لعمر ولد ودادي عبر رئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج.
كما كان وراء توقيع الشركة لاتفاقها مع رجل الأعمال "المحتال" عادل بدوي، وهو ما أدى لخسارة الشركة لأكثر من 200 مليون.
أما وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي فشارك في حدمين في منع الشركة من بيع مخزونها من الأرز خارج حوانيت أمل، وبالتالي كان له نصيب من خسارتها للمليارات الخمس، وما تزال كمية الأرز التالف موجودة في مخازن "سونمكس"، ومن بين الخيارات التي اقترحها قطاع ولد اجاي دراسة خيار استخدام الأرز التالف كأعلاف في موسم الجفاف الحالي، أو إعادة تنظيفه ومعرفة إمكانية الاستفادة بعد ذلك.
وكان للحكومة مجتمعة مساهمتها من خلال مراجعتها الدائمة لاتفاقها مع شركة سونمكس بشأن تنفيذ "برنامج أمل"، وتقليص الميزات وهوامش الربح التي كانت تحفظ للشركة جزءا من أموالها، وقد انعكست هذه المراجعات المتكررة على أرباح الشركة، وأدت في النهاية لتسريح العشرات من عمال البرنامج المذكور.
8 و 9 و 10 و 11 مديرون لا يعرفون "لا"
وكان للمديرين المتعاقبين على إدارة الشركة خلال هذه الفترة مساهمتهم في إفلاس الشركة، وإن بدرجات متفاوتة، فيما كانت النتيجة النهائية لقراراتهم هي إيصال لوضعها الحالي، وذلك عبر إجراء صفقات في مجالات اختصاصها كانت خسارتها فيها واضحة حتى قبل توقيع الصفقات.
وتعاقب على إدارة الشركة في هذه الفترة من 2008 إلى 2016 عدة مديرين هم محفوظ ولد آكاط، والمرتجي ولد الوافي، ودب ولد زين، ومحمد الأمين ولد خطري، فيما عرفت هذه السنوات خسارة الشركة لمليارات الأوقية، وحقق عدد من منافسيها أرباحا طائلة على حسابها.
12 - مجموعة أهل غده..
مجموعة أهل غده التجارية كانت ثالث "المساهمين" في إفلاس شركة "سونمكس"، فمنذ العام إطلاق "برنامج أمل" تجاوزت مداخيل "أهل من غده" 10 مليارات سنويا، وذلك عبر شراء كميات الأرز التي يتم بيعها في حوانيت أمل منهم، بدل استيرادها من الخارج كما كانت الشركة تفعل، وكما يفرضه مبرر وجودها في الحفاظ على توازن الأسعار، وكسر احتكار المواد الأساسية.
وكان العام 2016 الأقل من حيث المشتريات من مجموعة أهل غده، بسبب نقص الكميات الموزعة في إطار البرنامج، وكذا تغيير مضامين الاتفاق الموقع بين الشركة والحكومة، وهو ما أدى لتراجع الميزان الممنوحة للشركة بشكل كبير، غير أن المبلغ "الممنوح" لمجموعة أهل غده ظل في حدود 10 مليارات أوقية.
وأدى قرار "منع" الشركة من الاستيراد بشكل كامل منذ العام 2015 لارتفاع عجزها إلى ما يفوق 7 مليارات أوقية، وكانت مجموعة أهل غده المستفيد الأول من الخطوة، حيث احتكرت بشكل شبه كلي سوق استيراد المواد الغذائية إلى موريتانيا.
13 و 14 - الصديقان المتخادمان
ومن بين أبرز المساهمين في "تفليس" شركة سونمكس، مديرها التجاري محمد ولد اسبيعي، ورجل الأعمال لعمر ولد ودادي، فقد قدرت خسارة الشركة من "المعاملات" بين الرجلين بأكثر من مليار أوقية.
ويرتبط الرجال بعلاقة وثيقة، فقد كان ولد اسبيعي مديرا لمصنع لتقشير الأرز مملوك لولد ودادي، وقد استخدم ولد ودادي نفوذه لتعيين ولد اسبيعي مديرا تجاريا لشركة "سونمكس" رغم أن مؤهله العلمي توقف عند "مستوى باكلوريا"، وفي دهاليز العلاقة بين الاثنين ضاعت 600 طن من الأسمدة المملوكة للشركة، تبلغ قيمتها أكثر من مليار أوقية.
وقد اعترف ولد ودادي بمسؤوليتها عن بعضها – أمام المحققين – وأنكر البقية، كما اعترف ولد اسبيعي بالعلاقة التي تربطه ولد ودادي، نافيا استغلال منصبه لصالحه، غير أن المحققين اعتبروا أن صرف هذه الكمية الكبيرة من الأسمدة لا يمكن أن يتم دون أوامر من مسؤولين من الدرجة الأولى في الشركة، وعلى رأسهم المدير التجاري الذي كان "الثابت" الأبرز في إدارة الشركة، وتعاقب عليه أربعة مديرين عامين وهو في ذات المنصب.
وفضلا عن هؤلاء تتدرج مسؤولية المساهمة في التفليس لتشمل شخصيات أخرى كرجل الأعمال خطاري ولد دحود مالك مطاحن السنابل، والذي استفاد من كميات معتبرة من مخزون الشركة المباع بنفس سعره نهاية العام 2008.
ينضاف لذلك مجموعة من مسؤولي الشركة في مواقع مختلفة، ورؤساء فروعها في الداخل، حيث عاشت خلال السنوات الأخيرة على وقع "عجز دائم"، كانت نسبته تتفاوت من فرع لآخر، كما لاحق المحققون في وثائق اختفاء أكثر من 670 مليون تم صرفها دون وثائق أو إثباتات، خلال السنوات 2012 و 2013 و 2014، مع غياب الصورة – بشكل كلي – عن أملاك الشركة الثابتة، وعن حسابات زبنائها.
وتجاوزت ديون الشركة خلال هذه الفترة 4 مليارات أوقية، وارتفعت فوائد قرض أخذته الشركة من البنك المركزي إلى 3 مليارات أوقية، وذلك بعد تصنيفها في وضعية "الممتنع عن التسديد".
كما لاحظ التقرير الرسمي تقاعس الشركة عن تسديد 286 مليون أوقية كضرائب للخزينة العامة، إضافة لوجود عجز يبلغ 27 مليون أوقية في فروع الشركة في الداخل وخصوصا في (بوكي – روصو – أطار – انواذيبو – تجكجة – الزويرات – أكجوجت)، فيما بلغ عجز مطاحن نواكشوط 40 مليون أوقية، ومطاحن النجوم 42 مليون أوقية.
إمكانية الإقلاع.. والدور
ورغم الواقع الاقتصادي الذي وصلته الشركة فإن العديد من العارفين بكواليسها يرون أن مجرد وقف العمليات التي تتعرض لها، مع استعادتها لجزء من ممتلكاتها المنهوبة، ورفع قرار منع الاستيراد عنها كفيل باستعادتها لدورها، وببنائها على تجربة تمتد لعقود، وانتشار واسع في البلاد، وثقة معتبرة لدى عدد من شركائها الدوليين.
كما يرون أن شركة بحجمها لا ينبغي النظر إلى وضعها الاقتصادي الحالي مجردا من تاريخها الطويل مع "تأمين السوق الموريتانية بالمواد الغذائية، وضمان توازن أسعارها في أصعب الظروف، وكسر احتكارها في مواجهة كبار التجار" أيام كانت منافستهم متاحة لها بشكل طبيعي، وقبل أن يتم تجييرها لصالحهم، وتحويلها إلى زبون دائم لديهم.
يشكل هذا التقرير الحلقة الرابعة والأخيرة من سلسلة تقارير تعدها الأخبار عن العمليات التي تعرضت لها الشركة الوطنية للإيراد والتصدير "سونمكس" خلال السنوات الأخيرة، ونقلتها من مرحلة تعاف اقتصادي إلى حافة الانهيار، وأدت بالحكومة لتشكيل "لجنة أزمة" تضم عدة قطاعات حكومية لدراسة سبل التخلص من عبئ شركة "سونمكس".