هي "دردشة" خفيفة مع شخصيات علمية، أدبية، وإعلامية، وسياسية… يكون لها تأثير مشهود في الوسائط الاجتماعية. نحاور الضيف حول تخصصه ومجاله، ونطلب رأيه في بعض القضايا المختلفة التي تلوح في جدول الأحداث المرتبطة بالشأن المحلي أو العالمي…
يتم نشر "الدردشة" ــ حصريا ــ في صحيفة "الأخبار" التي تصدر كل "أربعاء".
ضيف الدردشة (الحلقة: 6) د. ناجي محمد الإمام.
شاعر وكاتب وروائي من أبرز رواد الشعر الحديث في موريتانيا، ولد 1956 في بادية "الدوارة" التابعة لبلدية "صنكرافة"(ولاية لبراكنة).
نشأ ضيفنا في بيت علم وصلاح، حيث حفظ القرآن وبعض الكتب الفقهية واللغوية، ثم التحق بالمدرسة النظامية التي بدأ في ساحتها نشاطها "السياسي" الذي سبب اعتقاله وطرده من المدرسة عام 1971، فسافر إلى "السنغال" واستأنف مساره الدراسي، فمر به على ليبيا (معهد زليتن؛ الليصانص من جامعة بيروت الغربية) وفرنسا حيث تخرج في معهد "أدو كاتيل"...
اشترك مع الأستاذ "الخليل النحوي" و "محمد كابر هاشم" في تأسيس نواة الرابطة الأولى للأدباء والشعراء الموريتانيين، وهو رئيس "مجلس أمناء جمعية الضاد لنشر اللغة العربية والدفاع عنها".
أجرينا "الدردشة" معه على النحو التالي:
محمد فال سيدنا: السلام عليكم ورحمة الله، شكرا لكم على قبول الدردشة معنا، ونحن في الحلقة السادسة من "دردشة الأربعاء".
بداية؛ كيف ترون واقع اللغة العربية في زمن الوسائط الاجتماعية، وما رأيكم في نشاط المراكز والهيئات التي تتبنى الدفاع عنها في موريتانيا خاصة؟
د. ناجي محمد الإمام: اللغة العربية، كجميع اللغات الحية، لها مشاكلها الكبرى في مواجهة سعة وتشعب متطلبات عصر اللحاق الذي تتقطع أنفاس أهله ولا يلحقون به ما لم يشتركوا في عربة القيادة، وهذا مربط الفرس؛ كما أن لها قدراتها الفريدة على تلبية متطلبات أخرى قد تكون اللغات الأكثر تقدما عاجزة عنها.
وجُمَّاع القول بتجرد علمي بحت: إن اللغة العربية وحدها قادرة على رفد العلم بما يحتاجه من مصطلح ستعجز زميلاتها عن توفيره في أفق الـ50 سنة القادمة. ولو تهيأ لها من أهلها نهوض لتم لها ما هي أهل له.
أما عن الهيئات المدافعة عنها فيجب أن يكون دورها مطلبيا احتجاجيا نقابيا لأن المطلوب بيد الدولة ولها القدرة والأهلية لتطبيقه بجرة قلم، وعندما يتحقق تتولى الهيئات الإنعاش والتنبيه وحتى البحوث... ويظل دورها مطلوبا ومحمودا.
محمد فال: فقدت الساحة الأدبية الموريتانية ــ أواخر عامنا هذا ــ علما بارزا من شعرائها الكبار، فبأي الخصائص الشعرية تميز الراحل "الشيخ ولد بلعمش" حسب رأيكم؟
د. ناجي محمد الإمام: تغمده الله بواسع رحمته، كان حالة تفرد إبداعي، ذا انحياز رائق إلى محتده العلمي العرفاني الدافق بالتصوف الغامر، كما كان من طينة "الحداثيين" الأصلاء، علاوة على عفة ورزانة تليق بالخالدين.
محمد فال: من تابع نشاطاتكم الأدبية والثقافية عموما يلحظ انتماءكم لعدة مدارس أدبية وثقافية و"أيديولوجية" ترمى بالتناقض أحيانا؛ فأحيانا يرى أثر "القومية" في شعركم وحضوركم الثقافي، ولكم أبعاد "تصوفية" أخرى تفسرها التنشئة والبيئة... فبأيها يحكم؟ وهل ما زال التمدرس الثقافي ــ والأدبي خاصة ــ واردا في عصرنا اليوم؟
د. ناجي محمد الإمام: لم أسمع قبلك عن تناقض في انتمائي.. ولذلك خلقت الآذان!!.. أنا قومي دون تعصب، مؤمن دون كهنوت، أحب المتصوفة، يساري بمعناها الإنسي المعادي للهيمنة كل هيمنة، ولا سيما الأمبريالية الغربية حليفة الصهيونية، أهيم بالعطاء الثقافي الأصيل من كل الحضارات، وتأسرني الثقافة الفرنسية منذ عصور التنوير، هذا التقدم العلمي الذي يبهر المعدمين فيستبشرون بمحو ما فات هو عصر التعددية والأصالة والتعصب للذات...
وهكذا ـ رغم أدوات التواصل ـ ينكفئُ كل على ذاته دفاعا عنها.
محمد فال: متى اعتزلتم "النشاط السياسي" وكيف ابتعدتم عن الساحة السياسية في زمان اجتذبت إليها أغلب جيلكم بعد طور "الاعتزال"؟
د. ناجي محمد الإمام: أنا كائن سياسي بالألوان الطبيعية؛ ولكنني أعتزل البقعة الرمادية التي تتمرغ فيها "الأذواد" هذا الزمن الأجب.
محمد فال: تنتمون للجيل الأول الذي أسس نواة اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، فهل تحققت بعض أهداف ذلك الجيل الذي سعى لبناء اتحاد أو رابطة للأدباء الموريتانيين بعد ظهور الدولة الحديثة؟
د. ناجي محمد الإمام: الرابطة من بنات فكر الأستاذ "الخليل النحوي" دعانا إليها فاستجبنا، ومن حيث الجيل؛ فلسنا الجيل الأول، بل قد نكون الثالث (التأسيس 1976)
محمد فال: ما الذي ترون لمستقبل الآداب العربية في زمن السرعة والآلة والعلوم التجريبية المتطورة...؟ وهل ما زال للشعر دور غير مربوط بالطرح "الديني" المعهود؟
د. ناجي محمد الإمام: آفة الأجيال الحالية واللاحقة تربوية تعليمية، وبالنتيجة أزمة هوية.
والشعر باق لا يريم، ولكنه سيشهد أشكالا ومضامين من عتاد الفترة ناعمة (سوفت) بملمس مختلف أو صلبة (هارد) بقسوة مختلفة.
لكن السرد المرسل سيتسيد الأفق القادم.
محمد فال: نود أن نعرف أقرب بيت لكم من شعركم، ولماذا كان كذلك؟
د. ناجي محمد الإمام: أنا أعتقد أننا نكتب قصيدة واحدة من المولد إلى المرقد، وعدالة الأبوة لا تقبل التفاضل بين فلذات الكبد..
وإن كان فلا بد؛ فهذه القصيدة "الومضة":
تَجَلَّتْ على ربوة الصفو مُمسكةً بِيَّدِهْ ...
وطافتْ طواف السلام
على مشهده ...
فلما استوتْ سألتْ باسم ليلى:
- وسربُ الحمام إلى موردِهْ -
بعَيْشِكَ، أين خبأْتَ شؤوني؟
وقلبُك يمضي..... إلى موْعِدِهْ
فقال، وقد ذرفتْ مُقلتاه :
ــ هُنَا...
..وأشارَ إلى كَبِـــــدِهْ!.
محمد فال: جميل، وقد كان الختام مسكا ماتعا ذا طلاوة يحدوها التناغم والتباغم حفظكم الله وبارك فيكم، سعدنا بالدردشة معكم، فتقبلوا كامل التقدير والإجلال ووافر الامتنان...
نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو الأسبوعية