محمد ولد عبد العزيز رجل موريتانيا القوي التجسيد الماثل للزعيم التقليدي أو "الشيخ" في المخيلة الاجتماعية... في الحقيقة لطالما كان كل رؤساء موريتانيا كذلك لأن أهل المنكب لن يقبلوا أو على الأصح لن يخضعوا لأي زعيم خارج هذا القالب الذي تتفاضل حجارته صلادة ومن المؤكد أن أفضلها تلك التي نحت منها الرئيس عزيز.
لم يبخل معارضي السيد محمد ولد عبد العزيز عليه بالأذى النظري وهو الشيء الوحيد الذي تمتلكه المعارضة في المنكب؛ لقد استنفد الرجل قاموسهم وتكسرت معاولهم في التنقيب عن مساوئه منذو ولادته إلى الآن.. لم يتركوا أي جزئية من ماضيه يمكنها أن تطعن فيه.. في أمانته في شرفه في كرامته اعتبروه بلطجيا.. جاهلا... زقاقيا... وصل الأمر إلى حد اعتباره أجنبيا.. رغم كونه من عائلة معروفة لها مكانتها.. معظم الصفات السيئة التي استخرجوها من ماضيه تتقاطع مع صفات زعماء فرضوا أنفسهم على التاريخ: ستالين، صدام حسين، أتاتورك، لولا داسيلفا... الخ وكما قال همغواي لا يوجد نبل في تفوقك على الآخرين، النبل هو أن تتفوق على ما كنته سابقا؛ والسيد عزيز تفوق على من كانه بالتأكيد إن صدق منتقدوه.. اجتهدوا على وسمه بالصرامة والقسوة والجلافة... تحدثوا عنه كما لو كانوا كتابا مسجل على شريط.. حاولوا ببراعة أن ينسي الرأي العام أن ولد عبد العزيز إنسان قبل أن يكون جنرالا قد من الصخر... إنسان فقد قطعة من كبده وهو رئيس.. والرؤساء كغيرهم يحزنون.. عندما يتعلق الأمر بالحزن تنعدم فائدة المقايضة لأن الحزن أسمى من كل شيء.
إن الإنسان مستعد أن يتخلى عن كل شيء، ويدفع كل شيء مقابل أن يتخلص من حزنه رغم أن الحزن لا يساوي أي شيء.. الغالب أن يدفننا أبناؤنا لا أن ندفنهم.. ولقد دفن محمد ولد عبد العزيز ابنه.. وسط الأعداء والأصدقاء... المغزى هنا هو الغوص في ماهية الرجل الذي يحكمنا من خلال جراحه وصلابته ودوائر النفوذ المحيطة به...
زعامة عزيز تشبه صقرا بلا أقدام يطير.. ويطير.. ويطير.. ومعارضيه يشبهون خطباء السفسطائية في عهدها الذهبي.. يتكلمون... ويتكلمون.. ويتكلمون.. لثلاثين سنة ظل هذا الرجل يرقب بلاط موريتانيا بروية وينفذ مهامه داخله وخارجه دون كلل ودون أن يلفت انتباه سكارى النفوذ إلى أن حان دوره.. والمعروف أنك عندما تكثر من عمل شيء ما فإنك تتقنه.. وعلى ذكر المعارضين فإنهم انتهوا بالنسبة لعزيز يوم أبرموا معه الصفقة طمعا في أن يحكموا... الصفقات المبرمة بدافع اليأس تنتهي دائما بالدماء والدموع. ولا شيء هلهل المعارضة مثلما فعلت أفكار كتابهم ومنظريهم المقزمة لإمكانيات ولد عبد العزيز... لقد ضيعوا المال والجهد على طمس معالم الزعامة في شخصيته والكارثة أنهم صدقوا أنفسهم... كثرة الأكاذيب تجعلها حقيقة يموت من أجلها أشرف الفرسان.. وعموما الحقيقة فوضوية ومدمرة ولا يحبها الناس سواء حقيقة الحكام أو معارضيهم. لقد ظل يكبر أمامهم ويتجذر وتكبر معه جمهورية ثالثة وهم في بروجهم العاجية يصدقون أنه مجرد أرعن يقود عصابة.. كيف سيقبل الشعب الموريتاني أن أول من عقد القمة العربية منهم في البلد أرعن... وأول من ترأس الجامعة العربية والقمة الإفريقية منهم أرعن.. أعتقد أن هذا اتهام مبالغ فيه بعض الشيء... يصفونه أيضا بالهمجية... الذكاء وحده لا يكفي في الصراعات لا بد أن يطعم بالهمجية... حالما تصل المعارضة إلى الحكم ستسعى لأمر واحد إعادة انتخابها مرة أخرى وهذا ما سيجعلها في أحسن الأحوال محمد ولد عبد العزيز آخر...
العالم السري للحكام هو عالم الفوضى المنظمة.... وأفضلهم لنا فصيلة السيد محمد ولد عبد العزيز إن فهمناه... إن نجح نخبويو هذا البلد باستثمار قدراته القيادية بدل مشاغلته بغية هدف عبثي محصور في رغبة محمومة في إزاحته أو في استغلال القرب منه لتصفية خصوم لا يفيد بقاؤهم أو ذهابهم البلد من قريب أو بعيد...
لقد تعبنا من العيش في الخلاط...