الأخبار (نواكشوط) – أكد السفير الفرنسي في موريتانيا جويل مامير أنه موريتانيا "بلد لا يمكنه إلا أن ينمو لأسباب أولها ثروة مواهب مواطنيه"، مردفا أنها "يجب أن تمنح الثقة لكل من يريدون الاستثمار في مستقبل بلدهم".
وقال مامير في مقابلة مع صحيفة الأخبار إنفو إنه سيركز على الشباب، مضيفا أن لاحظ فيه "الاستعداد للعب دوره كمواطن، بصرف النظر عن الانتماء الاجتماعي - وتعتبر هذه الدينامية فرصة لأنها مصدر دعامة لتعزيز التماسك الوطني. وأعتقد أيضا أن البلد سيستغل بشكل واسع الميزة التي يتيحها له موقعه الجغرافي".
وأضاف السفير الفرنسي في نواكشوط: "كما أن التنوع الثقافي سيكون له دور رئيسي في التكامل الاقتصادي الإقليمي، وهو حافز للثروة والنمو في جميع أنحاء المنطقة، وموريتانيا هي المستفيد الأول"، معتبرا أن "اتفاقية الشراكة الأخيرة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تعد واعدة جدا".
ورأى الدبلوماسي الفرنسي أن موريتانيا "تتمتع بإمكانيات اقتصادية هائلة - وأنا لا أتحدث فقط عن آفاق الغاز أو الموارد المعدنية، بل أيضا مجالات الزراعة والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك".
وأردف: "بعيدا عن القطاعات الأولية، ينبغي أن تتطور الصناعة أيضا، وتستفيد على وجه الخصوص من زيادة القدرة على إنتاج الطاقة والكهرباء – متجددة في معظمها - إضافة إلى شبكة من البنى التحتية، والتي سيتم تجديدها وتوسيعها. وسيتعين على القطاع الخاص، المحلي والأجنبي على حد سواء، أن يشارك بشكل أكبر في عملية تنويع النشاط الاقتصادي".
وتحدث السفير عن "تضاعف المبادرات لزيادة جاذبية البلد، وهي مبادرات مرحب بها"، قائلا "أفكر بشكل خاص في القانون الذي يحكم مجالات وشروط إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص، والتدابير المتخذة من أجل شفافية الأنشطة، والقطاع الاستخراجي".
ووصف السفير هذه الإجراءات بأنها "كلها إشارات إيجابية موجهة إلى الفاعلين الاقتصاديين. وبطبيعة الحال، كما هو الحال في أي بلد، يجب أن نسعى دوما إلى تهيئة مناخ من الثقة يضمن حرية التجارة والاستثمار الخاص. وهذه كلها باختصار، عوامل ينبغي أن تخلق اقتصادا وطنيا قويا ونموا مشتركا لصالح جميع الموريتانيين. إن تغيير العملة، الذي أهنئ موريتانيا عليه، ينبغي أن يكون أيضا عاملا محفزا للبلد".
وتحدث السفير الفرنسي في المقابلة الشاملة عن الاستحقاقات القادمة في موريتانيا 2019، مشيرا إلى أن ""الأمر يرجع إلى شعب موريتانيا لاتخاذ قرار بشأن مستقبله"، مردفا أنه "يجب أن تكون الانتخابات فرصة لذلك".
وشدد على أنه يعتقد أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد أجاب على سؤال المأمورية الثالثة "بشكل علني"، مردفا أنه ليس "مخولا للتعليق على تصريحاته التي كانت صريحة في هذا الموضوع".
وتناولت الصحيفة تفاصيل عن موضوع القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل، حيث توقع السفير أن يكون النصف الأول من العام 2018 حاسما في مسارها، كما تناولت المقابلة موضوع تنامي الحضور التجاري في الصيني في مناطق توصف إعلاميا بأنها مناطق نفوذ فرنسي.
وتناولت المقابلة مواضيع أخرى عديدة.
وهذا نص المقابلة:
الأخبار إنفو: هل تعتبر فكرة إنشاء قوة إفريقية مشتركة مؤشرا على فشل قوة باراخان؟ أم أنها رغبة من فرنسا في الخروج من مستنقع منطقة الساحل؟
السفير الفرنسي: أود اغتنام الفرصة للتركيز على الهدف العام لمجموعة دول الساحل الخمس، وشركائها الذي يتجاوز مجرد التركيز على مشكل وحيد يتمثل في الأساس في الجانب الأمني.
وسأجيب على سؤالك بشكل واضح بكلمة واحدة وهي: ليس بحال من الأحوال، فمجموعة دول الساحل، وقوة باراخان ليس لهما نفس الهدف، ولا نفس الشرعية.
فكما تعلمون مجموعة الساحل الخمس ، وتحديدا القوة المشتركة لمجموعة الساحل، يعتبران نتاج إرادة جماعية لخمس دول بالساحل، بهدف التصدي للتهديدات التي تشكلها الجماعات الإرهابية، على أمنها وتنميتها، أي على استقرار المنطقة بأكملها. لقد احتفلنا مؤخرا في 19 دجمبر بالذكرى السنوية الثالثة للاتفاقية التي بموجبها تم قانونيا إنشاء مجموعة دول الساحل.
وقد أتاح هذا الحدث الفرصة للأمين الدائم لمجموعة دول الساحل، ولخبرائها القطاعيين، الذين يستحقون الثناء على عملهم، منحهم الفرصة لقياس المسافة التي تم تجاوزها بعد 3 سنوات وذلك من أجل وضع إستراتيجية حقيقية، تستجيب بشكل متواصل، لمواجهة التحدي المزودج، المتمثل في الأمن والتنمية، اللذين – من البديهي – أنه لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر.
وأود هنا أن أن أتوقف لأشير إلى أن موريتانيا، التي كان رئيسها السيد محمد ولد عبد العزيز هو السبب في وجود مجموعة دول الساحل الخمس، تعتبر مثالا في بذل الجهود وتحقيق النتائج على الأرض، فيما يخص تأمين أراضيها، وكذا المقاربة الشاملة التي تتبناها.
إن هذه المقاربة تعتبر متعددة الأبعاد، حيث تشمل: ليس فقط مكافحة الإرهاب، وإنما أيضا محاربة الاتجار بالمخدرات والجريمة العابرة للحدود بصفة عامة، حيث يعتبران أكبر مساهمين في تمويل الإرهاب، إضافة إلى التعريف بالسياسات الوقائية من التطرف، ووضع خطة تنموية تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان، وأخيرا الإرادة في إعادة تأكيد حضور الدولة، وخدماتها بجميع أنحاء البلاد.
ومنذ انطلاقتها في أغسطس عام 2014، سعت قوة باراخان إلى دعم دول المنطقة في سياساتها الخاصة، المتمثلة في تأمين منطقة الشريط الساحلي الصحراوي. وتقوم عملية "باراخان" على مقاربة تشارك وتعاون، وليست عملية بديلة، ولم يتصور في أي من الأوقات أن فرنسا يمكن أن تحل محل هذه البلدان بخصوص مسؤولياتها الخاصة، وسيادتها، وأمنها، ودفاعها عن أراضيها.
وأود أن أضيف بأن فرنسا تريد تعزيز إستراتيجية شاملة بمنطقة الساحل، لا تقتصر على البعد الأمني فحسب، وإنما لها كذلك بعد تنموي. وفيما يتعلق بمالي على وجه الخصوص، هناك بعد سياسي يمكنه أن يشكل دفعا لتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، الذي تم في الجزائر.
ويتعلق الأمر بمسألة تشجيع ومشاركة كل الفاعلين خدمة للمصلحة العامة: الدولة بالطبع، ولكن كذلك المجموعات المحلية، القطاع الاقتصادي الخاص، المجتمع المدني، الشركاء الدوليين. إن الشعور بالمبادرة هو الذي دفع فرنسا مع شركاء كبار آخرين، كألمانيا، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، إلى إطلاق "تحالف من أجل الساحل".
وتستهدف هذه المقاربة التي يجري التشاور بشأنها مع دول مجموعة الساحل الخمس، القطاعات ذات الأولوية، وتسعى إلى تسريع الشراكات التنموية، وتفعيلها على أرض الواقع.
الأخبار إنفو: هل يمكنكم تحديده تاريخ محدد لنشر الجنود الأوائل بقوة مجموعة دول الساحل؟
السفير الفرنسي: إن هذه القوة موجودة بالفعل على أرض الواقع، غير أن سؤالكم يلخص تحديات الأعمال التي نفذت بشكل مكثف في الأسابيع الأخيرة سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا على حد السواء، من طرف دول الساحل، وشركائها، وذلك بهدف التعجيل بتشغيل هذه القوة.
لقد صدر في 8 دجمبر الماضي القرار الثاني لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يؤيد مبدأ دعم الأمم المتحدة القوة المشتركة، من خلال تعاون ملموس بينها وقوات "المينيسما". كما كان هناك أول تدخل لقوة المشتركة لثلاث دول، تحت عنوان القوة المشتركة لدول الساحل الخمس من خلال عملية "هاوبي" شهر نوفمبر 2017 على الحدود البوركينية، النيجرية، المالية.
وفي 13 دجمبر الماضي كان هناك اجتماع عالي المستوى بباريس، جمع المانحين المهتمين بتقديم الدعم المالي، وتقديم التجهيزات للقوة المشتركة. ولإظهار هؤلاء لتضامنهم والتزامهم الدائم أنشأوا "تحالف من أجل الساحل"، وهو ائتلاف دولي واسع، لا بد من التأكيد عليه، حيث يضم الشركاء الرئيسيين من العالم الإسلامي والعالم العربي، كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فالمسار مستمر، ولكن النصف الأول من عام 2018 سيكون حاسما.
الأخبار إنفو: تتباطأ اتشاد وموريتانيا بخصوص نشر القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل، والجزائر مترددة، وإن كانت ليست عضوا بالمجموعة، كيف يمكن لفرنسا إقناع هذه الدول بتغيير ٱرائها؟
السفير الفرنسي: نحن لا نرى الأشياء بهذه الطريقة، فالقوة المشتركة، تعتبر نتاج إرادة الدول الخمس بالإجماع. ليس هناك اختلاف، ونتقاسم نحن الفرنسيين –حيث قمنا مؤخرا بتقديم قرار لمجلس الأمن الدولي- مع نواكشوط قلقها في ضرورة أن يصاحب هذه المبادرة دعم قوي من الأمم المتحدة، وأن تمد بالوسائل اللازمة والمتوفرة على المدى البعيد.
وقد أشار الرئيس إيمانويل ماكرون إلى ذلك في الاجتماع الذي عقد يوم 13 دجمبر في باريس. والخطوات الأولى التي ذكرتها أعلاه، كانت محل ترحيب من طرف الجميع. ثم إن بعض أعضاء مجموعة الدول الخمس تقيم حوارا مع البلدان المجاورة وهذا أمر جيد. لقد أتيحت لرئيس الجمهورية الفرنسية فرصة إجراء مباحثات مع نظيره الجزائري في مجال التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وهذا يشكل اهتمام جميع بلدان المنطقة.
الأخبار إنفو: ما هو ردكم على من يعتقدون أن فرنسا تريد فرض دخول السنغال بمجموعة دول الساحل؟
السفير الفرنسي: تعتبر السنغال طرفا رئيسيا في إطار إسهامات غرب إفريقيا في مكافحة الإرهاب، الذي يشكل آفة تعاني منه منطقة الساحل. ثم إن هذا البلد يشكل جزءا من إستراتيجية الساحل التي تضم عدة شركاء في التنمية، بمن فيهم فرنسا، لذا فمن المؤكد أن هناك تعاضدا ربما يكون ممكنا، ولكن أعضاء مجموعة الدول الخمس هم الذين يقررون نطاق منظمتهم وليس الآخرون.
الأخبار إنفو: هل تؤيد فرنسا التوجه ضد المأمورية الثالثة في إفريقيا؟ هل تلقيتم ضمانات شخصية من الرئيس ولد عبد العزيز بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية 2019؟
السفير الفرنسي: أعتقد أن رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية قد أجاب على هذا السؤال، بشكل علني العام الماضي. وأنا لست مخولا للتعليق على تصريحاته التي كانت صريحة في هذا الموضوع.
الأخبار إنفو: هل تعتبر فرنسا استفتاء 5 أغسطس 2017 لتعديل الدستور الموريتاني شفافا؟
السفير الفرنسي: أشير هنا إلى قرارات إحدى المؤسسات العليا في البلد، وهي المجلس الدستوري الذي صادق على نتائج الاستفتاء.
وأنا أركز على المعطيات، فقد كانت هناك إمكانية للطعن، وتم التقدم بطعون درسها المجلس ورفضها.
الأخبار إنفو: كيف تتصور فرنسا موريتانيا عام 2019؟
السفير الفرنسي: سأجيب على نطاق أوسع حول الآفاق المتاحة لموريتانيا، فالبلد لا يمكنه إلا أن ينمو لأسباب أولها ثروة مواهب مواطنيه، وهنا يجب أن تمنح الثقة لكل من يريدون الاستثمار في مستقبل بلدهم - وأركز هنا على الشباب الذي لاحظت فيه الاستعداد للعب دوره كمواطن، بصرف النظر عن الانتماء الاجتماعي - وتعتبر هذه الدينامية فرصة لأنها مصدر دعامة لتعزيز التماسك الوطني. وأعتقد أيضا أن البلد سيستغل بشكل واسع الميزة التي يتيحها له موقعه الجغرافي.
كما أن التنوع الثقافي سيكون له دور رئيسي في التكامل الاقتصادي الإقليمي، وهو حافز للثروة والنمو في جميع أنحاء المنطقة، وموريتانيا هي المستفيد الأول. وتعد اتفاقية الشراكة الأخيرة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا واعدة جدا.
وأخيرا، تتمتع موريتانيا بإمكانيات اقتصادية هائلة - وأنا لا أتحدث فقط عن آفاق الغاز أو الموارد المعدنية، بل أيضا مجالات الزراعة والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك.
وبعيدا عن القطاعات الأولية، ينبغي أن تتطور الصناعة أيضا، وتستفيد على وجه الخصوص من زيادة القدرة على إنتاج الطاقة والكهرباء – متجددة في معظمها - إضافة إلى شبكة من البنى التحتية، والتي سيتم تجديدها وتوسيعها. وسيتعين على القطاع الخاص، المحلي والأجنبي على حد سواء، أن يشارك بشكل أكبر في عملية تنويع النشاط الاقتصادي.
وقد تضاعفت المبادرات لزيادة جاذبية البلد، وهي مبادرات مرحب بها. أفكر بشكل خاص في القانون الذي يحكم مجالات وشروط إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص، والتدابير المتخذة من أجل شفافية الأنشطة، والقطاع الاستخراجي.
وهذه كلها إشارات إيجابية موجهة إلى الفاعلين الاقتصاديين. وبطبيعة الحال، كما هو الحال في أي بلد، يجب أن نسعى دوما إلى تهيئة مناخ من الثقة يضمن حرية التجارة والاستثمار الخاص. وهذه كلها باختصار، عوامل ينبغي أن تخلق اقتصادا وطنيا قويا ونموا مشتركا لصالح جميع الموريتانيين. إن تغيير العملة، الذي أهنئ موريتانيا عليه، ينبغي أن يكون أيضا عاملا محفزا للبلد.
وإذا كان سؤالك يتعلق بالاستحقاقات السياسية في الأشهر المقبلة وعام 2019، سأقول إن الأمر يرجع إلى شعب موريتانيا لاتخاذ قرار بشأن مستقبله، ويجب أن تكون الانتخابات فرصة لذلك.
الأخبار إنفو: لقد التقيتم العديد من المعارضين الموريتانيين، ما الذي تنتظره فرنسا من المعارضة الموريتانية؟
السفير الفرنسي: هنا أيضا، سأسمح لنفسي بالرد على نطاق أوسع، فنظرا للروابط التاريخية و العلاقات الودية، فمن الطبيعي أن تهتم فرنسا بالحياة العامة الموريتانية وتطورها، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، والعكس صحيح بالتأكيد بالنسبة لموريتانيا نحو فرنسا.
وخلال أزيد من ثلاث سنوات من وجودي هنا، التقيت العديد من الشخصيات العامة، من المعارضة والأغلبية، ولكن أيضا الجهات الفاعلة في ما يسمى المجتمع المدني، وكذا النقابيين والصحفيين وقادة الجمعيات، وعالم الثقافة، والفاعلين الاقتصاديين الخ.
لقد تباحثت مع محاورين بارزين ومخلصين لبلدهم، الذين يعملون منذ فترة طويلة في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولكن أيضا الشباب.
ويحدوني أمل صادق في أن تتمكن هذه القوى الحية في البلد، والتي تمثل مختلف مكونات المجتمع، من الجمع بين مهاراتها لإعداد مستقبل مشترك داخل الوطن الموريتاني الكبير، بروح من الاحترام المتبادل.
الأخبار إنفو: كيف ترى فرنسا وضعية حقوق الإنسان في موريتانيا؟ وتحديدا ما هي الملفات التي تهتمون بها أكثر في هذا المجال؟
السفير الفرنسي: حتى في أكثر الديمقراطيات نجاحا، يجب أن نظل يقظين وأن نبقى في عملية تعزيز دائم لحقوق الإنسان - مع مراعاة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أيضا - ففي أوروبا، على سبيل المثال، يتواصل الكفاح ضد الهشاشة الاجتماعية والتمييز بمختلف أشكاله، على الرغم من التدابير التي اتخذتها الحكومات.
وفي موريتانيا يجب أن نعترف بما حققته البلاد خلال السنوات الأخيرة من أجل أن تسود سيادة دولة القانون، والحكم الرشيد، والحريات العامة. كما يجب في ذات السياق، الإشارة إلى الجهود التي تبذل لتحقيق تنمية شاملة تستجيب للاحتياجات الحيوية - التي هي حقوق أساسية - لجميع الناس، كالولوج إلي خدمات صحية وتعليمية ذات جودة عالية.
إن كل هذه المواضيع تعالج في إطار الحوار الثنائي، الصريح مع الاحترام للسيادة الموريتانية. وكما قلت، فإن من الضروري في أي بلد السعي إلى تعزيز المكاسب التي تكون دائما قابلة للإنجاز. ودعما للسلطات الموريتانية وبالتشاور معها، وضعنا برامج وإجراءات مصاحبة لها، ونحن نعمل مع كل الفاعلين، والوزارات، ومؤسسات الدولة المختلفة في المقدمة بالطبع، ولكن أيضا المجتمع المدني، كل ذلك في جو طابعه الشفافية. أعتقد أيضا، كما هو الحال في أوروبا، أن الأهم والذي هو مسؤولية جماعية "العيش المشترك" ففيه مصلحة الجميع.
وبوصفنا مراقبين، فإننا نهتم بطبيعة الحال بالحالات الفردية، وبعضها عالق حاليا أمام المحاكم، والتي يعود لهذه الأخيرة الفصل فيها حسب القانون.
الأخبار إنفو: ما هي مجالات التعاون بين فرنسا وموريتانيا؟ وكيف تقومون مستوى هذا التعاون؟
السفير الفرنسي: إن فرنسا تعتبر موريتانيا شريكا إستراتيجيا، وحوارنا يعتبر متميزا، ويتسم بمناخ من الثقة والصداقة. صحيح أن طبيعة التبادلات التي نقوم بها تقوم على الجهود التي يجب القيام بها بشكل جماعي من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، والمشاورات كما تعلمون منتظمة بين رئيسي البلدين الموريتاني والفرنسي خلال الأشهر الأخيرة ، وتركز أكثر على القضايا الرئيسية للسلام في إفريقيا، وكذا التحديات الدولية الكبيرة.
إن الإسهام الشخصي للرئيس محمد ولد عبد عزيز في الحل السلمي للأزمة الغامبية ومشاركة موريتانيا في بعثة الأمم المتحدة بجمهورية أفريقيا الوسطى - والتي فقدت للأسف مؤخرا جنديا موريتانيا بينما كان بصدد إنجاز مهمة عالية - تستحق الإشادة من طرف المجتمع الدولي. لقد أجرينا مشاورتنا خلال مؤتمر قمة المناخ نهاية عام 2015، والذي انعقد في باريس برئاسة رئيسي الدولتين الموريتانية والفرنسية، وكذا قمة فاتح دجمبر حول إفريقيا.
وقد سمح هذا الاجتماع باتخاذ قرارات تاريخية لصالح القارة الإفريقية وكوكب الأرض بوجه عام، في سبيل مكافحة تغير المناخ والقضاء على عملية الاحتباس الحراري العالمي.
وقد شكلت مشاركة الرئيس الموريتاني في قمة "كوكب واحد" في باريس دجمبر الماضي هذا التضامن من أجل الحفاظ على كوكبنا. إن الملفات "الساخنة" للأحداث الدولية كانت هي الأخرى كذلك موضع مشاورات منتظمة، وعلى سبيل المثال، فإن مواقفنا متطابقة حول الوضع في الشرق الأوسط ونحن نهتم بما تخبرنا به نواكشوط، لأننا نعرف نفوذها في الجامعة العربية، التي استضافت قمتها بنجاح في يوليو 2016.
وعلى أرض الواقع، فإن شراكتنا الثنائية واسعة، وتشمل العديد من السياسات العامة كالصحة والتعليم والطاقة والمياه والصرف الصحي والبني التحتية والحكامة الاقتصادية والعدالة ودولة القانون... كما تشمل دعم الحكامة المحلية (البلديات) وكذلك المجتمع المدني، ولا سيما الجمعيات الشبابية والنسائية، وذلك بفضل مبادرة "فجر" لتعزيز التعبير عن المواطنة.
وتتجلى هذه الشراكة من خلال الجهات الفاعلة مثل مصلحة التعاون والعمل الثقافي التابعة للسفارة والوكالة الفرنسية للتنمية، إضافة إلى مبادرات السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية الفرنسية مع نظيراتها الموريتانية. وإذا كان الهدف هو في المقام الأول تلبية الاحتياجات الأساسية لجميع مكونات السكان الوطنيين، فإن تعاوننا أيضا يشمل القطاعات التي تحتل فيها موريتانيا مكان الصدارة ويمكن أن تكون مرجعا، مثل قطاع الطاقة المتجددة، وهذا يتسق مع التزامنا المشترك بمكافحة تغير المناخ.
ثم إن التعليم العالي هو أيضا مجال جيد للتميز ونحن ندعم موريتانيا من خلال عملية إعداد دورات تحضيرية لمدارس الهندسة في فرنسا والمغرب العربي وفي تطوير دورات التدريب الهندسي. ونقوم أيضا بتنفيذ مشروع توظيف الطلاب من خلال إتقان اللغتين العربية والفرنسية، مع جامعة نواكشوط العصرية في شراكة مع جامعة "كليرمون أوفيرني" وجامعة محمد الخامس في الرباط. وكما تعلمون، وكما أعلن الرئيس ماكرون خلال زيارته إلى واغادوغو في نوفمبر الماضي، فإن الشباب والتعليم هما من مجالات العمل ذات الأولوية بالنسبة لنا باعتبارهما مفتاح نجاح مستقبل إفريقيا.
الأخبار إنفو: تواصل الصين تنامي حضورها التجاري في إفريقيا، هل تشعر فرنسا بالتهديد في مناطق نفوذها بالقارة من قبل الصين؟ ولماذا تتقدم الصين أمام فرنسا في مجال التبادل التجاري مع موريتانيا؟
السفير الفرنسي: أود في البداية الإشارة إلى تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية في واغادوغو، لم نعد نفكر بالطرح الذي يتحدث عن "مجالات النفوذ"، هناك علاقات تاريخية ودائمة في معظم الأحيان بين فرنسا والعديد من البلدان الإفريقية، ولكن عالم اليوم مفتوح.
ليست هناك "خصوصية أو تميز"، وهو ما برهن عليه الرئيس إيمانويل ماكرون بطريقة ما من خلال الذهاب بنفسه مؤخرا إلى بلد ناطق بالانجليزية، وهو غانا... إنها "العولمة".
بالطبع، هذا لا يعني أن كل شيء مسموح به، إنه تنافس ويجب أن يكون منصفا، طبقا لقواعد واضحة، ويجب أن يكون محفزا للاقتصاد بشكل عام.
ولا يساورني شك في أن البلدان الإفريقية يمكنها أن تدافع عن مصالحها في هذه البيئة التنافسية.
إن الصين شريك أساسي، بالنسبة لنا جميعا، أفارقة وأوروبيين، وفرنسا لديها العديد من الشراكات معها، وأنا أدرك أهمية دعمها لموريتانيا.
وأود أن أشير إلى أننا لسنا دائما متنافسين في هذه القارة، ونحاول إقامة مشاريع مشتركة، وقد عقد منتدى فرنسي صيني حول هذا الموضوع في بيجين العام الماضي.
يجب النظر بطريقة أشمل إزاء تراجع الحضور الاقتصادي الفرنسي، ففي عالم المنافسة الحرة، من الطبيعي أن يظهر لاعبون جدد، ولكن شركاتنا تمكنت من التكيف مع هذا الجو التنافسي ودرايتها بما تفعل لا تزال موضع تقدير كبير.
هذا هو الحال في موريتانيا: أزيد من ستين شركة فرنسية وفرع تابع لشركة موجودة في البلاد، وتنشط في قطاعات مختلفة، الطاقة، البناء، الخدمات اللوجستية، الخدمات المصرفية وغيرها؛ وقد أنشأت هذه الشركات 3000 موطن شغل مباشر لموريتانيا، وتعتمد عشرات آلاف الأسر على أنشطتها.
وأشكر هنا السلطات الموريتانية على منحها الثقة لخبراتها في دعم العديد من المشاريع الحديثة التي تعتبر أساسية لتنمية البلاد وخاصة في قطاعي الطاقة المتجددة والكهرباء.
الأخبار إنفو: بم تفسرون تناقض ماكرون؟ الرئيس الفرنسي يقدم الدروس لفنزويلا، لكنه يرفض ذلك عندما يتعلق الأمر بمصر السيسي؟
السفير الفرنسي: هناك دبلوماسية عامة "وأشير إلى أن القلق الفرنسي إزاء فنزويلا يتقاسمه جزء كبير من المجتمع الدولي وكثير من أعضاء منظمة الدول الأمريكية نفسها".
وهناك نقشات صريحة ومخلصة، يمكن أن تكون مع دول صديقة دون دعاية، وهذا لا يؤثر بالضرورة على قوة الرسالة.