الأخبار (نواكشوط) – وصف رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين الحركة الأدبية في البلاد بأنه "حركة معتبرة من حيث الإنتاج والنوعية، إبداعا ونقدا، ونثرا فنيا، ولكنها بحاجة إلى إعادة القراءة والتصنيف والتقويم، حتى يمكننا تمثلها على نطاق واسع".
وأضاف ولد أحظانا خلال حديثه في #دردشة_الأربعاء مع صحيفة الأخبار إنفو أن هذه الحركة الأدبية "قد لا تقارن كَمّاً بما هو موجود في النطاق العربي، نتيجة التراكم التاريخي وكثافة حركة النشر، لكننا نسير حثيثا للحاق بالركب العربي بشكل جيد، وما علينا إلا مواصلة المسار، بتسارع أكبر، حتى يتبوأ السرد الموريتاني المكانة التي يحظى بها الشعر الموريتاني عربيا".
وتحدث ولد أحظانا عن موقف اتحاد الأدباء من اعتقال الشاعر عبد الله ولد بونه، وعن رؤيته لمستوى جائزة شنقيط، حيث فاز بها مرتين، وعن حصيلة عمل اتحاد الأدباء من انتخابه رئيسا له، وعن مواضيع أخرى عديدة.
وهذا نص الدردشة:
هي "دردشة" خفيفة مع شخصيات علمية، أدبية، وإعلامية، وسياسية… يكون لها تأثير مشهود في الوسائط الاجتماعية. نحاور الضيف حول تخصصه ومجاله، ونطلب رأيه في بعض القضايا المختلفة التي تلوح في جدول الأحداث المرتبطة بالشأن المحلي أو العالمي…
يتم نشر "الدردشة" ــ حصريا ــ في صحيفة "الأخبار" التي تصدر كل "أربعاء".
#ضيف_الدردشة (الحلقة: 8)
الدكتور: محمد أحظانا (رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين).
ولد في "أبي تلميت" 1958 حيث تابع رحلته المحظرية في المدينة وبعض المحاظر المجاورة، و انتقل إلى التعليم النظامي الذي نال منه "الباكلوريا" 1982 في شعبة "الآداب العصرية"، ليعمل مدرسا في التعليم الابتدائي، ثم حصل لاحقا على شهادة "المتريز" في الفلسفة والعلوم الإنسانية من المدرسة العليا للأساتذة والمفتشين - نواكشوط 1988.
والتحق بجامعة شنقيط العصرية التي حاز منها "الماستر" 2008، ثم الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة الحسن الثاني 2014.
عمل ضيفنا أستاذا مدرسا للفلسفة في أقسام التعليم الثانوي، فأستاذا مدرسا بجامعة نواكشوط التي شغل فيها منصب مستشار لرئيس الجامعة، وعضوا بمجلس إدارتها.
تم تعيينه مستشارا بوزارة الثقافة عام 2005 (وهو المنصب الذي يشغله الآن).
عضو في عشرات الهيئات الثقافية المحلية والعالمية، ورئيس تحرير لعدة صحف ومجلات محكمة.
بعض الجوائز والأوسمة:
- 2013 وسام الشرف الوطني درجة أولى من رئيس الجمهورية.
- 2001 جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون / شنقيط. للمرة الأولى.
- 2013 جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون / شنقيط. للمرة الثانية.
- 1990 جائزة الدكتورة سعاد الصباح للإبداع العربي في الدراسات الإنسانية / القاهرة.
أنموذج من مؤلفاته وبحوثه المنشورة:
- معقول اللامعقول في الوعي الجمعي العربي. ط: 1 دائرة الثقافة والإعلام. الشارقة 2002.
- الإسلام والحضارات الأخرى: تصادم أم حوار؟ ط: 1 مطبعة المنار / نواكشوط 2005. تحت الترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية من طرف المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم. الرباط. المغرب.
- هجرة الظلال. رواية، 2013.
انتخب رئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين في 3 يوليو 2016.
أجرينا الدردشة معه على النحو التالي:
محمد فال سيدنا: بداية نشكركم على قبول الدردشة معنا؛ ونبدأ معكم بالسؤال التالي: حصلتم على "جائزة شنقيط" للأداب مرتين (فكنتم الموريتاني الوحيد الذي فاز فيها كاملة أكثر من مرة) وقد تحدث بعض "المثقفين" عن تراجع "القيمة المعنوية" لهذه "الجائزة" في السنوات الأخيرة؛ فهل تتفقون مع هذا الرأي؟
د. محمد ولد أحظانا: جائزة شنقيط هي جائزة الدولة التقديرية، وهي أهم وأعلى جائزة في البلد، وبذا فهي جائزة سيادية مثل الجوائز النظيرة في كل الدول. وإن كانت قد جاءت متأخرة في بلادنا إلا أنها تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للمشتغلين بالفكر والأدب، والدراسات الإسلامية، والبحوث العلمية في مجالات العلوم الدقيقة.
وقد لعبت الجائزة منذ أول نسخة لها سنة 2001 إلى السنة الماضية، دورا كبيرا في الحركة الفكرية والأدبية، والبحث في مجال الدراسات الإسلامية، والعلوم الحقة، حيث قدم لها ــ إلى حد الآن ــ أكثر من مائة وثمانين بحثا، نجح منها ما نجح، وربح من لم ينجح في تقديم أفضل ما لديه من بحوث وإبداعات. والمهم من كل هذا أن حركة التأليف قد نشطت لدرجة كبيرة بسبب هذه الجائزة. أما أن ينخفض مستوى الجائزة علميا أو إبداعيا فهذا ليس من مسؤولية الجائزة، وإنما هو من مسؤولية المترشحين لها. فإذا كان إنتاجهم جيدا ارتفع الأداء، وإذا تدنى وقع العكس. وقد سجلت مؤشرات على جدية الجائزة من خلال حجبها مرتين، مما يعني أنها ما زالت حريصة على مستوى لائق بمكانتها...
وأنا أرى أن هذه الجائزة ما زالت تلاقي احتراما كبيرا من طرف المختصين وذلك لإقبالهم الكبير عليها طوال السنوات الماضية وإلى اليوم. كما أن كل الباحثين والمبدعين الجادين في البلد ترشحوا لها أو ينوون الترشح. وعادة تقاس القيمة المعنوية للشيء باحترامه من طرف المهتمين به.
محمد فال: يتحدث بعض "المدونين" الموريتانيين على منصات الوسائط الاجتماعية (الفيسبوك، الواتساب...) عن وجود الشاعر الموريتاني "عبد الله ولد بونه" في السجن بعد استجلابه من دولة الإمارات بتهمة التحريض على النظام في موريتانيا؛ هل تحرك اتحاد الأدباء لاستقصاء حال هذا الشاعر والوقوف على ملابسات احتجازه؟
د. محمد ولد أحظانا: للإجابة على هذا السؤال يجب أن أقدم توضيحات حول طبيعة اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وعلاقته بمنتسبيه، وبغير المنتسبين له من منتجي الأدب؛ لأخلص إلى الموقف الحالي للاتحاد بعد ذلك.
أولا: اتحاد الأدباء منظمة غير حكومية، وليست نقابة، وهذه الوضعية القانونية تجعلها تتحرك في دائرة معينة، هي دائرة التزامها لمنتسبيها أو منتجي الأدب عموما، أي أنها تدافع عن حرية الإبداع، وتدافع عن حق الكاتب والشاعر في تقديم نصهما الأدبي في أحسن الظروف، دون مصادرة ولا تنقيص. وهذا هو مضمون العقد الأصلي الذي التأم عليه اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين ونصت عليه جميع قوانينه الأساسية والداخلية، ولوائحه التنظيمية.
ثانيا: الاتحاد ليس هيئة سياسية، تضمن الحقوق السياسية لمنتسبيها، وكما لا يحق لها أن تتدخل في قناعات الأدباء السياسية وتوجيههم وجهة معينة، أيديولوجية أو حزبية تنظيمية، ولا هم يقبلون ذلك ولا تطلبها منهم، فلا يمكن كذلك أن تكون مسؤولة عما يترتب على خطوة سياسية أو شخصية من أي نوع كانت، اختارها الأديب لنفسه بكامل قناعته خارج مجال الأدب، فهذا شأن شخصي ومسؤولية فردية، وإنما تعني الهيئةَ السياسية التي ينتمي إليها الأديب. وأنتم تعلمون أن الخلافات السياسية والقناعات الشخصية غير الأدبية لو كانت في لائحة اهتمام الاتحاد فإنها ستعصف به من أول يوم، لأن منتسبيه ممن يجمعهم الأدب وتفرقهم السياسة. أما إذا كان الأديب من غير منتسبي الاتحاد حاليا، لأسباب تتعلق به، ونحن نحترم كل الأدباء ونشفق من أن يمسهم أي سوء، فإن التزام الاتحاد تجاهه يقتصر على حماية حق التعبير الأدبي له فقط.
وحسب علمي فإنه لم يصل الاتحاد ما يؤكد أن ملف الشاعر المعروف عبد الله ولد بونه هو ملف له علاقة بصفته الأدبية، أبدا، هذا إضافة إلى أنه لم يصلنا أي توضيح أو استيضاح من أية جهة أهلية، أو شخصية، أو رسمية فيما يتعلق بالشاعر. وما لدينا من معلومات هو في حدود ما ذكرنا من الوضع الحالي للشاعر ليس متعلقا بالمس من الصفة الأدبية أو الإبداعية له.
محمد فال: بعد مضي سنة ونصف على انتخابكم رئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين؛ ما أهم الإنجازات التي حققتم في هذه الفترة؟
د.محمد ولد أحظانا: انتخب المكتب الحالي لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين منذ سنة وستة أشهر. وقد بذل جهودا معتبرة في تطبيق برنامجه الذي حاول أن يغطي مختلف مجالات الأدب في موريتانيا داخليا وخارجيا.
فقد أنجز الاتحاد على مستوى التنظيم الذاتي ترسانة قانونية كاملة، من نظام أساسي، إلى نظام داخلي، ونظام مالي، ولائحة داخلية.
أما على مستوى الأنشطة فقد قام الاتحاد بتنظيم مهرجانات كبرى، من بينها: المهرجان الافتتاحي لأنشطة الاتحاد، ومهرجان تم تنظيمه غداة القمة العربية، والمهرجان الوطني للآداب الشعبية بمدينة النعمة، وذلك لأول مرة، وبرنامج ضيف بلاد المليون شاعر، والمهرجان الوطني العام للأدب الموريتاني، ومهرجانات أمير الشعراء الخمس في الدورة الماضية، وحملة المؤازرة التي قام بها الاتحاد بكامل طاقمه التنظيمي وسائر هيئاته ونواديه الأدبية التابعة له لصالح مرشحنا لإمارة الشعر في المسابقة المعروفة (أمير الشعراء).
وفي مجال معارض الكتب: قام الاتحاد بتنظيم معرض كبير للكتاب في الجزائر، لأول مرة في تاريخ البلد، عرض فيه 300 عنوان موريتاني، وأهدينا الكتب المشاركة لمكتبة اتحاد الأدباء والكتاب الجزائريين من أجل التعريف بالبلد ضمن النطاق المغاربي، وقد واكبنا هذا المعرض بتقديم خارطة وافية عن الأدب الموريتاني وإسهاماته البارزة في الثقافة العربية الإسلامية تاريخيا وحاليا، وطبيعة الحركة الإبداعية النشطة للبلاد.
كذلك نظم اتحاد الأدباء معرضين آخرين للكتاب في مهرجان المدن القديمة بوادان 2016، و تيشيت 2017.
وفي مجال الندوات الأدبية: نظم الاتحاد كذلك عددا من الندوات الهامة مثل: ندوة عن أدب الشباب، وندوة عن أدب النساء، وندوة النقد الأدبي الحديث في موريتانيا، كما نظمنا مؤخرا ندوة لتأبين الشاعر الكبير الشيخ ولد بلعمش.
هذا إضافة إلى تجهيز مقر محترم لاتحاد الأدباء وتأثيثه، واقتناء بعض المتطلبات الضرورية للعمل.
ويضع الاتحاد اللمسات الأخيرة الآن على إنهاء مقره الجديد، وتجهيزه خلال النصف الأول من سنة 2018 إن شاء الله. ولدينا الآن لائحة من سبعة كتب جديدة ومجلة تحت الطبع، نرجو أن ترى النور قريبا.
إن هذه الإنجازات المعتبرة بقياس الزمن، لم تكن ممكنة لولا المنحة المالية التي تقدمها الدولة سنويا للاتحاد، عبر قطاع الثقافة الذي يتعاطى معنا بصور جيدة، وكذلك أيضا لولا التضحيات التي قدمها أعضاء الاتحاد، والأدباء الموريتانيون عموما. فللجميع جزيل الشكر والتقدير.
أما على مستوى الحضور الخارجي، فإن اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين حضر بفاعلية جميع الاجتماعات والندوات الأدبية المنظمة من طرف المكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء العرب، واتحاد الأدباء المغاربيين، باستثناء الاجتماع الأخير في دمشق الذي تخلفنا عنه لأسباب قاهرة.. ووقعنا مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع الاتحادات العربية، حول التعاون وتبادل الزيارات والمضافات والنشريات والكتب وغيرها من البحوث.
طبعا لا نعتبر ما أنجز خلال ثمانية عشر شهرا من العمل هو ما كنا نطمح إليه، ولكنه جزء أساسي منه، والكمال لله.
محمد فال: كيف ترون واقع "السرد الفني" في موريتانيا مقارنة بالحركة الأدبية العربية؟
د. محمد ولد أحظانا: إن واقع السرد الفني الأدبي في موريتانيا تأسس قبل نشأة الدولة الحديثة، كصنوه الشعر خلال القرن الثالث عشر، حيث تأسست حركة أدبية نثرية قوية، من بينها ما كتبه محمد اليدالي، والشيخ سيد المختار الكنتي، وابنه الشيخ سيدي محمد، والبرتلي، وكذلك الشيخ سيدي ولد المختار الهيبه، والشيخ محمد ولد حنبل، ومحمد عبد الله ولد البخاري، والشيخ محمد المامي، والشيخ ماء العينين.. وغيرهم من الناثرين الكبار، الذين عادوا بالنثر إلى قوة السبك العباسي واسترساله.
ومع هذه الحركة النثرية الأدبية الأصيلة فإن السرد الإبداعي تأخر إلى بداية الثمانينات، حيث ظهرت الرواية والقصة القصيرة والنص المسرحي، بعد مقامات ولد ذي الخلال، ومن بعده المختار ولد حامدن، حيث ظهر كتاب معاصرون رواد كتبوا السرد الحديث من مثل أحمدو ولد عبد القادر، والشيخ ماء العينين الشبيه، ليلتحق بهم جيل كتاب من أمثال: موسى ولد ابنو، ومحمد فال عبد الرحمن، ود. المحجوب ولد بيه، ومحمد الناجي ولد محمد أحمد، وهيبتنا ولد سيدي هيبه، ومحمد فال ولد عبد اللطيف... ومن جيل الثمانينيات والتسعينات كذلك، الكاتب محمد الأمين الشاه، ومحمد الأمين ولد أحظانا، والشيخ ولد أحمد، ومحمد ولد تتا، وغيرهم، لتظهر أجيال لاحقة في السنوات الأخيرة كتبت النص النثري الإبداعي على نطاق واسع من مثل: محمد ولد امين، والولي ولد سيدي هيبه، وشداد ولد المختار، وغيرهم.. وموسى جاكانا، وامبارك ولد بيروك، وايدومو ولد محمد الأمين، من الكتاب بالفرنسية، وقد أجادت هذه الأجيال وأبدعت في أحيان كثيرة.
كما ظهر كتاب وباحثون في مجال النقد الأدبي من بينهم المرحوم الدكاترة: أحمد جمال الحسن، ومحمد عبد الحي، ومحمد الأمين الكتاب، والأستاذ محمدن ولد الشدو، والدكتورة فاطمة بنت عبد الوهاب، والدكتور أحمد دولة ولد المهدي، والدكتور محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم، والدكتور أحمد حبيب الله، والدكتور عبد الله السيد، والدكتور يحي الهاشمي، والدكتور يسلم ولد حمدان.. وغيرهم من النقاد البارزين..
إن هذه الحركة الأدبية حركة معتبرة من حيث الإنتاج والنوعية، إبداعا ونقدا، ونثرا فنيا.. ولكنها بحاجة إلى إعادة القراءة والتصنيف والتقويم، حتى يمكننا تمثلها على نطاق واسع. وقد لا تقارن كَمّاً بما هو موجود في النطاق العربي، نتيجة التراكم التاريخي وكثافة حركة النشر، لكننا نسير حثيثا للحاق بالركب العربي بشكل جيد، وما علينا إلا مواصلة المسار، بتسارع أكبر، حتى يتبوأ السرد الموريتاني المكانة التي يحظى بها الشعر الموريتاني عربيا.
محمد فال: تم تعيينكم مستشارا مكلفا بالثقافة والفنون بوزارة الثقافة منذ ما يزيد على عشر سنوات؛ هل تذكرون بعض المواقف الطريفة التي تعرض لكم أثناء العمل أحيانا؟
د.محمد ولد أحظانا: من المواقف المفاجئة التي يلجأ فيها الإنسان لذاكرته المحظرية بصورة شبه غريزية، موقف تعرضت له أثناء اجتماع وزراء الثقافة العرب في المنامة سنة 2013 حينما حرر أحد رؤساء الوفود العربية بيان المنامة ، وعرضه على مجلس الوزراء فرفضوا صياغته، وشكلت رئاسة المؤتمر لجنة صياغة كنت عضوا فيها مع وزير الثقافة المصري صابر عرب، ووزير الثقافة التونسي حينها (لا أتذكر اسمه حاليا)، وقد وردت في البيان الذي حررنا عبارة "أخذ المجلس عِلْماً بمسألة.."، فوقف ممثل محرر البيان الأول وقال: "أنا مدرس للغة العربية منذ عشرين سنة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعدية المعدى بحرف الجر. فنظر الوزيران نحوي، كأنهما يتبرآن من العبارة، رغم أنني لست من اقترحها، وقالت وزيرة التراث والثقافة في البحرين وهي رئيسة الجلسة:
أين الشناقطة؟ هاتوا ما عندكم؟
فقلت، والكل يجلدني بنظراته، وقد كادت وزيرة الثقافة الموريتانية حينها تفقد صوابها غيرة على البلد: لدي على ما ورد في العبارة ثلاث شواهد أحدها من أول ما يروى من شعر العرب، مما يعرف قائله وهو قول كليب بن ربيعة:
سيعلم آل مرة حيث كانوا *** بأن حماي ليس بمستباح
وقد ورد في القرآن "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" وهذا شاهد على التعدية، ولكن ورد فيه أيضا: "أولى لك فأولى"، وفي العربية أولاه معداة دون جر.
أما المثال الأخير فهو من شعر المنتبي، وإن كان متأخرا عمن يستشهد بشعرهم، لكن المقام يستدعي استحضار بيته استئناسا:
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا *** بأنني خير من تسعى به قدم
وقد فوجئت بأن القاعة انفجرت ضحكا، مما ألحدت إليه من وراء الشواهد. وكانت صدمة حقيقية لصاحب الملاحظة، حيث لم أره في الجلسات اللاحقة.
محمد فال: شكرا لكم؛ سعدنا بالدردشة معكم فقد كانت مفيدة وماتعة؛ وكان جواب السؤال الأخير بمثابة "ملحة الوداع" في حديثكم الممتع المؤنس!
د. محمد ولد أحظانا: الشكر لكم ولصحيفتكم المحترمة، وموقعكم الإلكتروني الإخباري الرائد!.