بمناسبة صدور العدد 200 من أسبوعية "الأخبار"، لا يسعني إلا أن أشاطر الإخوة في طاقم الجريدة غبطتهم وسرورهم لأنهم كسبوا الرهان الأكبر، ألا وهو البقاء في زمن عز فيه الوجود بالنسبة للصحافة المكتوبة في بلد يكتوي فيه الإعلامي والكاتب بكل "النيران" من "صديقة" إلى شبه صديقة مع إرادة واضحة للوأد!
ربما يكمن سر نجاح واستمرار «الأخبار" في كون طاقمها من الشباب المتحمس، لمهنة لا يلقي فيها إلا الأسباب المحبطة والمخجلة والحاطة من الشرف أحيانا، قرر أن يعض بالنواجذ على أبجديات العمل الإعلامي المحترم. فقوة تلك الأقلام تقوم خاصة على محاولة مراعاة المهنية في معالجة الخبر والجرأة على التعليق المستقل والحر، دون مواربة ولا تحامل. إنها معالجات وتعاليق توحي بعض ردود الأفعال القوية عليها إلى مواقف عديدة تذكرنا، مرارا وتكرارا، أننا مجتمع لا يريد النظر إلى وجهه الحقيقي في المرآة العاكسة لصحافة لا تلهث خلف "السراب" الذي يغديه "الطابور" المظلم في حكامة تعيش على التشويه والترقيع ومحاولات التركيع، إيذانا لصمت رهيب يتأهب لحبس حشرجة الرأي الآخر ليعلنها معركة محسومة في سبيل خراب «بيت الحرية". وقديما قيل في بعض الديمقراطيات المتهمة بالعراقة إن "الصحافة نقد أو لا تكون". فاستجلاء مواقف الخلل لإنارة الرأي في مسعي حميد ومخلص للتحسين والمعالجة من مقومات النظم التي تخدم شعوبها. والشعور الدائم لدى المسؤولين وقادة الرأي وغيرهم بوجود "الرقيب الرابع"، ضمانة أكيدة لردع من لهم أي ضمير في المجتمع، خاصة ممن يوكل إليهم عبء خدمة العباد.
كما أن مواقف وتحاليل "الأخبار" تذكرنا دائما، وبكل شجاعة، أننا بشر من خلق الله وأن علينا أن نترجم ذلك بوهم الشعور بالوجود أحرارا ومتحررين من المهدئات الصدئة ومن ديكتاتورية الشغف بالمال ومن عنجهية الغلبة، خاصة عندما تمارس بسادية واحتقار... بعيدا عن أخلاق هم أول من يرددها ويستنجد بها في كل المنابر، وبدون مناسبة!!!
في عديد المرات، يخيل إلي، عند قراءة بعض المقالات الأسبوعية في "الأخبار"، أنها دائما المرة الأولي التي أقع فيها، في فترتنا الحالية، على أعمال صحفية جادة، رغم الشح والضيق. أقول في قرارة نفسي إنها، على الأقل، تحقيقات وتغطيات ميدانية صرف لا تستنبت بنات الأوهام ولا تتحدث زورا عن واقع ندرك جميعا أنه تصحر ثم تحجر منذ القدم وتكلست مفاهيمه في قوالب لم يعد يفهمها أحد، حتى وإن كثر أدعياء الفهم في "الواقع الموريتاني"!
إن أكثر ما يلفت النظر في معالجات "الأخبار" إذا، هو تلك التحقيقات الصحفية الشجاعة والجميلة بدقة معلوماتها وطريقة استنطاق أرقامها وجمال لغة صياغة فصولها. وربما ذلك ما يجعل "المشمولين" في تلك التحقيقات يتمنون أن ننساها، نحن معشر القراء، حتى لا تكون "فتنة" في فصول عبث بعضنا المتواصل بالعقل الجمعي الوطني، حيث يستمرئ "الفساد" ويتخذه سلوكا كلما أتيح له "فتح" التحليق في سرب أصحاب الغلبة... وكلما فضحت سوءات أحدهم هتف من أعلى المنابر "ألا لعنة الله على الحساد، أعداء الوطن ومثيري الفتن والمستهدفين لاستقرار البلد"!!!
سيروا على الدرب إخوتي ولا يرهبنكم "الحلف الوؤود"... إنه على جبلته ماض حتى يقضي الله أمرا سيكون... حتميا!!!!
مع كامل الود والتقدير.
نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو، العدد: 200