على مدار الساعة

الحرب التجارية الأمريكية الصينية وتأثيرها على الاقتصاد الموريتاني (ح: 2)

2 أبريل, 2018 - 00:21
د. يربان الحسين الخراشي

السبب الرئيسي للحرب التجارية

خلال الحرب العالمية الثانية كان الإنتاج الصناعي الأمريكي يشكل نسبة 38.7% من الإنتاج الصناعي العالمي آنذاك بينما كان الإنتاج الصناعي الصيني يشغل 0.3% فقط لكن هذه المعادلة تغيرت جذريا، والآن الصين تعد أكبر دولة صناعية بالعالم بنسبة 22% من الإنتاج الصناعي العالمي، وقد ساهمت سياسة التحول من الصناعة إلى الخدمات التي تبنتها الدول المتقدمة وعلى أرسها أمريكا من تسريع خطوات التطور الصناعي الذي شهدت الصين خلال 40 سنة الماضية، حيث إن التحول الصناعي الذي حققته أمريكا خلال 100 سنة واليابان خلال 200 سنة حققته الصين خلال 30 سنة فقط.

 

لكن الصين اليوم لم تعد راضية عن دورها الذي تلعبه منذ انفتاحها على العالم سنة 1978، حيث تم تحويلها إلى مصنع عالمي للسلع الإستهلاكية الرخيصة يقتات أهلها على الفتات، وعلى حساب بيئتهم، ومواردهم، وصحتهم وحتى ثقافتهم، ولذلك وخلال 2015 تبت الصين إستراتيجية (中国制造2025)"صنع في الصين 2025" هذه الإستراتيجية تشكل خطرا مباشرا على سياسات، وإستراتيجيات ترامب القومية التي تعهد بها قبل انتخابه رئيسا لأمريكا خاصة السياسات التي تستهدف إعادة مكانة أمريكا الصناعية، وخلق فرص عمل برواتب عالية للطبقة الوسطى الأمريكية ذات القوة الشرائية العالية، التي هي المحرك الأساسي للسوق الداخلي الأمريكي.

 

ساحة المعركة الرئيسية

"صنع في الصين 2025" هي إستراتيجية تستهدف تطوير الصناعة الوطنية الصينية خاصة الصناعة التي تعتمد على التقنيات المتطورة في عشرة مجالات أهمها: تكنولوجيا المعلومات، الذكاء الصناعي والإنسان الآلي، وتكنولوجيا الفضاء ومعداته، وتكنولوجيا الطاقة الجديدة، ومعدات السكك الحديدية عالية السرعة، وتكنولوجيا المواد الجديدة المركبة، والمنتجات الطبية الحيوية.

 

ومن الواضح أنه في حالة نجاح هذه الإستراتيجية ستتمكن الصين من الهيمنة على جميع الصناعات الناشئة في المستقبل القريب؛ مما يكسبها نوعا جديدا من القوة والنفوذ على الصعيد العالمي، وهذا ما قد يضع علامة استفهام على مستقل اقتصاديات الدول الأخرى، وعلى أرسها أمريكا التي تحتكر حاليا وإلى حد كبير الجزء الأكبر من هذه الصناعات المتطورة؛ مما يعني أن الصراع على صناعة التكنولوجيا المتطورة التي تستهدفها إستراتيجية "صنع في الصين 2025" هي ساحة المعركة الرئيسية للحرب التجارية الصينية الأمريكية الحالية.

 

كيف سترد الصين؟

تباينت آراء المحللين الدوليين بشأن مدى ردة فعل الصين حيث يتوقع بعضهم أن الصين ستكتفي بردة فعل تحفظ ماء وجهها مثل فرض رسوم جمركية على واردات أمريكية، أساسا منتجات الأغذية بقيمة 30 مليار دولار، بينما يرى المتشائمون أن الصين قد تلجأ إلى سياسية إغراق المركب، وذلك عن طريق التخلص من احتياطياتها من سندات الخزينة الأمريكية التي تقدر بحوالي 1.189  تريليون دولار، لكن في اعتقادي أن سياسية إغراق المركب أو ما يعرف في كتاب "فن الحرب" بـ(焚舟破釜) (أقدم كتاب حربي حول الإستراتيجيات والوسائل العسكرية في العالم لكاتبه سون وو 545 - 470 ق. م) هي من المحرمات العسكرية في أدبيات فلسفة الإستراتيجيات العسكرية الصينية القديمة، ولا يلجأ إليها إلا عند الضرورة القصوى، لذلك نحن نعتقد أن الصين ستعلب بأكثر من ورقة، وتهاجم على عدة جبهات على شكل تكتيكات حرب العصابات التي يتقنها الشيوعيون جيدا، وفي ضوء ذلك، ستهاجم الصين على أكثر من جبهة، وما الزيارة التي قام بها مؤخرا الزعيم الكوري، وكذلك إعلان افتتاح بورصة شنغهاي العالمية للطاقة لتداول عقود النفط المقومة باليوان الصيني إلا خير دليل على ذلك، كما أن الصين قد تفتح جبهة في الحديقة الخلفية لأمريكا بعد تغلغلها في دول أمريكا اللاتينية بل قد تفتح جبهة داخل أمريكا نفسها خاصة مع وجود العديد من الشركات في الولايات المتحدة تضغط من أجل التراجع عن هذه الحرب.

 

تأثيرات الحرب التجارية على الاقتصاد الوطني

إن تنفيذ أمريكا لكل القرارات التي وقعها الرئيس ترامب مؤخرا ضد الصين وغيرها وفي حالة تطورت هذ الحرب إلى مستويات أشمل، فإن غالبية دول العالم سوف تتأثر اقتصاديا ومن بينها بلادنا، ونحن نعتقد أن تأثير هذه الحرب على اقتصاد بلادنا قد يأخذ ثلاثة مستويات مختلفة، وذلك حسب السيناريوهات الثلاثة المحتملة لتطورات هذه الحرب:

 

أولا: التأثيرات خلال المواجهة على المدى القصير:

وفي هذه حالة سيكون تأثير هذه الحرب على اقتصادنا الوطني تأثيرا محدودا، ويقتصر تأثيرها على أسعار المواد الأولية التي تصدرها بلادنا، وحتى الآن ساهمت هذه الحرب في حدوث تراجع حاد لأسعار خامات الحديد في السوق العالمي، حيث تراجعت من 75.2 دولارا للطن قبل إعلان الحرب إلى 63.05 دولارا للطن، لكن نتوقع أن موجة الهبوط بفعل هذه الحرب قد تكون وصلت إلى أقصى مداها خاصة أن حجم تجارة الصلب بين الصين وأمريكا قليل نسبيا، حيث إن حجم صادرات الصين من الصلب إلى الولايات المتحدة الأمريكية يشكل فقط 1.6% من مجموع واردات أمريكا من الصلب.

 

ثانيا: التأثيرات خلال المواجهة الجزئية:

ويقصد بها أن يرتقي الصراع إلى مواجهة أكثر شراسة، وتتمثل سمة هذه الخطوة في أن تستخدم أمريكا ورقة تلاعب الصين بقيمة صرف عملتها، وفي هذه الحالة قد تتخذ أمريكا بعد التدابير التي قد تؤثر على سعر صرف العملة الصينية، مما قد يؤثر على التجارة الخارجية للصين التي تعتبر أكبر شريك اقتصادي لبلادنا، وبالتالي يتناقص حجم التبادل التجاري مع الصين.

 

ثالثا: التأثيرات خلال المواجهة الشاملة:

ويقصد بها حرب تجارية شاملة بين البلدين، وفي هذه الحالة قد يتعرض الاقتصاد الصيني لانكماش، وقد ذكرنا في مقالنا السابق أنه في حالة حدوث ركود تام للتجارة البينية مع أمريكا، سينخفض نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 1.4٪، وبالتالي فإن كل الاقتصادات المرتبطة بالصين سوف تتأثر سلبا، ومن بينها اقتصاد بلادنا التي تصل نسبة اعتمادها على التصدير إلى الصين إلى حوالي 41% من إجمالي الصادرات الوطنية للخارج.

 

بل إنه في حالة الحرب الشاملة قد لا يقتصر الأمر على التأثيرات الاقتصادية بل قد يطال التأثيرات سياسية، حيث توقع وزيرة خارجية أمريكا السابق هنري كسنجر (Henry Kissinger) أنه في حالة نشوب نزاع على هذا المستوى بين الصين وأمريكا، سيفضي لا محالة إلى اصطفاف عالمي جديد.

 

مما سبق يتضح أن تأثير هذه الحرب على الاقتصاد الوطني قد يكون عن طريق تأثيرها على أسعار المواد الأولية، وسعر الصرف العملة الصينية، وعلاقة ذلك بحجم الصادرات، والواردات، وبالناتج المحلي الإجمالي لبلادنا، وقد يكون تأثيرها أخطر على الاقتصاد الوطني في حالة الحرب الشاملة بل قد يتحول إلى تأثير سياسي، وعلى السياسة الخارجية لبلدنا مستقبلا، وذلك ما يوجب علينا متابعة التطورات المحتملة لهذه الحرب بشكل دقيق، حتى نتمكن من وضع الخطط اللازمة في الوقت المناسب، ونجنب اقتصادنا الوطني المزيد من تداعياتها التي قد تكون كارثية.