على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تناقش مصطلح الأرقاء والأرقاء السابقين

5 أبريل, 2018 - 00:21
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح كانت دائما تستمع لبعض الكتاب عندما يتكلمون على من أطلق علبهم عندنا "لحراطين" وهذا إطلاق منحرف عن مسماه كانحراف مصطلح الأرقاء والأرقاء السابقين عن موضوعه أيضا ولذا فإني أود أن أشرح للقارئ الكريم الذي يقرأ لمجرد معرفة حقيقة المعلومات التي يريدها رصيدا خالصا تزداد به معارفه المنزوعة من الأغراض والأهواء وقصور النظر.

 

وكذلك فإني أود في كلمة الإصلاح هذه أن أضيف الهوية الحقيقة لجميع ما يطلق عليه اصطلاحا ولو كان منحرفا، اسم لحراطين سواء كانوا أرقاء سابقين أو لم يسبق عليهم أي رق لأي شخص كما هو الواقع.

 

فأقول أولا إن كثيرا من الموريتانيين يظنون أن كلمة "لحراطين" لها علاقة بالرق سواء كان سابقا أو لاحقا، وإنما كلمة لحراطين هي كلمة محرفة من لفظ كلمة أحرضان وهو اسم كان يطلق على جنس من البشر عنده لون خاص بين السواد والبياض وأقرب لون له هو السمرة، وهو أصلا من جنس سكان هذه البلاد الأصليين مثـل: البربر ومسمياتهم المختـلفة مثل زناتة والزنتان الخ.

 

فكلمة الأرقاء السابقين تقـتضي أن أصول كل هؤلاء كانوا أرقاء، وهذا مخالف للواقع ولا يرضى به أبناء كل من يطلق عليه هذا المسمى، فقد أورد المؤرخ الموريتاني الدكتور حماه الله بن السالم في كنابه "موريتانيا الأساس" أن كلمة لحراطين مشـتقة كما ذكرت من أحرضان الخلاسي وهم جنس أصلهم هجين من بين اختلاط البربر والزنوج وهم من السكان الأصليين لهذه المنطقة.

 

وهذا يصدقه الواقع المنظور فجميع القاطنين ما بين مدينة بوكي إلى مدينة كرمسين الجميع لم يسبق عليه رق ولا يمكن أن يطلق عليه كلمة الأرقاء السابقين، فالأرقاء السابقون بمعنى الكلمة لا يمثلون 5% من ما يطلق عليه الموريتانيون في بعض المناطق لحراطين وفي بعض المناطق الأخرى "الخذريون" واصطلاح هذه الكلمة الأخيرة اصطلاح صحيح المعنى لأنهم يفرقون بها بين من لم يسبق عليه رق ويطلقون عليه خذري أما من سبق عليه رق فهم يطلقون عليه لحراطين.

 

وهذا الاصطلاح يمتد من بادية باسكنو محاذيا للشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي حتى يصل إلى سليبابي مرورا بجنوب ولاية لعصابة والحوضين وفيه كثير من الخذريين في الفلانية ومدبوكو وغيرهم من القرى التي لم يسبق عليها رق ويمثلون فيها الخذريون 95% بمعنى أن أصحاب هذا الاصطلاح الناطقين به يتقمصون أفعال الأحزاب الموريتانية ساعة انتخاب أحدها يستعير الحزب بادئ الانتساب بطاقات التعريف من الأحزاب الأخرى لزيادة العدد ثم يردها بعد نهاية الغاية، فكذلك المتكلمون في قضية لحراطين يستعيرون كلمة الأرقاء السابقين بمجرد الاجتماع في اللون فقط، وبعد الانتهاء من الخطاب يرجع من سبق عليه رق وحده ومعروف لدى الجميع، ومن لم يسبق عليه رق وحده ويعرفه الجميع ولا يمكن لأي أحد أن يصرح بأسبقية الرق أمام فرد أو قرية أو أي تجمع لا ينطبق عليه هذا الوصف ويمثل 95% كما ذكرت أعلاه فإجمال ذكره مع الأرقاء السابقين مغالطة واضحة ولا ينبغي السكوت عليها، وأكبر دليل مادي على هذا الواقع أنك كلما اقتربت من الأرض الفلاحية التي يكثر سكانها الذين عاشوا فيها عدة قرون مثل غيرهم من المواطنين الآخرين فستجد غالبيتهم لم يسبق عليه رق، كما أنك إذا ذهبت إلى سكان الصحراء والهضاب والمجابات الكبرى فستجد بعض سكانها كانوا أرقاء ولكنهم قـليلون جدا ورقهم أكثر أسبابه استرقاق الجاهلية المبني أصلا على الغلبة والقهر فشمال موريتانيا عندما تنظر بين الأسياد والأرقاء فسوف لا تجد بينهم أي رابطة أصيلة تاريخية غير الرق القريب أما الأرقاء في جنوب موريتانيا فسوف تجد كثيرا العلاقة الخالدة التالدة بين الأسياد والأرقاء بينما وستجد وسطهم ومعهم بالفعل سكانا لم يسبق عليهم رق وإنما يشملهم مع الأسياد هو اسم القبيلة فقط.

 

ومعلوم أن القبيلة تشمل المنتمين لها أصلا ومن انضم إليها بالأمس ولا تعنى الإضافة إليها سواء كانت فردا أو جماعة أنها تعنى أسبقية استرقاق أو ولاء سواء كان لون جلد صاحبها قبل الانضمام إليها والتضامن معها في السراء والضراء، وفي نفس الوقت ترى أن الشريعة الإسلامية التي هي أعدل وأشمل وأفهم لمعنى العلاقات بين الأفراد توجب على الأفراد المنتمين إلى القبيلة الواحدة وأيا كان لون أحدهم أن يعطوا نصيبهم جبرا عليهم من دية الخطأ إن لزمت القبيلة، وكذلك كل ضريبة داخلة في مصلحة القبيلة لها أن تأخذها من أفرادها بقوة القضاء الشرعي، وهذا يقضي أن من أراد أن يفصل هذه الرابطة التي تأسست منذ قرون وجعلتها الشريعة الإسلامية من الوصايا التي أوصت برعايتها ووصفت من خالف ذلك بأنه قد شق عصى المسلمين وينتظر من الله جزاء وفاقا نتيجة لجريمته العظمى.

 

ومن جهة أخرى فإني أود أن أتكلم أيضا عن هوية هؤلاء المجموعات التي يطلق عليها اسم"لحراطين" وقد تقدم أن ذكرت انحراف هذه التسمية عن الواقع.

 

فالمعروف لدى الجميع أن أي انتساب الآن يطلق على أي مجتمع هو عبارة عن إلحاق ياء النسبة بلغته فيعرف بذلك هويته فمثلا دولة فرنسا والانكليز إلى آخر كثير من الأوربيـين يطلق على أصلهم شعب الوندال فلو أطلقت على إحدى هذه الدول الآن لما عرفها أي أحد ولكن عندما تقول هذا فرنسي فتنسبه للغته وهذا انكليزي تنسبه للغته أيضا وهكذا: سوف يعرف الجميع هوية هذا المشار إليه بمعنى أن هوية الشخص الآن هي لغته، أو تسمى الدولة تارة باسم مدينة منها أو الأرض التي تسكن عليها.

 

وبناء على ذلك فإن هوية جميع من ينطقون العربية كلغة لأمهاتهم بمعنى أنهم لا يحتاجون إلى تعليمها فهم رضعوها من أمهاتهم ولذا (سمي الجاهل الذي لا يعرف إلا لغة أمه بالأمي نسبة إلى لغة أمه) أي الذي ليس عنده من المعارف إلا ما تعلمه تلقائيا من مخاطبة أمه في بيئته، وبناء على هذه القاعدة فما هو الفرق في الانتساب إلى لغة الأم بين البيظان وما أطلق عليهم الآن اسم "لحراطين" فأيهم أقرب للانتساب للعربية ما دامت لغة أمهاتهم كلهم هي اللغة العربية.

 

ومن المعلوم أن لغة الأم تتميز التسمية بها وتضاف للأم عندما يكون الصبي يعرف الخطاب بها بمجرد دوام سماعها من أمه ومحيطه الذي تربى فيه فإذا قـلت لأي ولد (أمش نادي لأخيك أو أختك أو أبيك أو ابن عمك) أو قلت له أي نسب سوف لا يراجعك ويفهم ما قلت وسوف لا ينادي لجارك ولا لحيوان وإنما سوف ينادي لكل من أضفت إليه إضافة عربية محضا لا تعرف العربية لهذا اللفظ إلا هذه الكلمة ومعلوم أن هذا يستوي فيه الجميع.

 

أما تأصيل هذا من الشريعة الإسلامية ومن المعقول المعلوم عند الجميع هو أن التاريخ عندما وصل إلى تاريخ العرب قال إن التقسيمات الأولى للشعب العربي أنهم منهم عرب بائدة لم يصلنا إلا اسمها وعرب آخرون منهم عاربة ومنهم مستعربة فالعاربة من أصولهم لم ينطق قبلهم أحد إلا بالعربية مثل أبناء يعرب، فيعرب هذا يقال أن أول نطق له نطق بالعربية وأصبح أبناؤه عربا عاربون بميلادهم أما العرب المستعربة فهم الذين آباؤهم أصلا لم يكونوا عربا ولكن تعربوا من السكن مع غيرهم من العرب وأكثر أمة مستعربة هي الأمة التي تولدت من إسماعيل وتعربت منه مع أن إسماعيل نفسه لا يمت نسبه إلى العرب بأي صلة فأبوه إبراهيم بن آزر عمالقة العراق وأمه هاجر من شعب القبط المصري لا يعرفون شيئا من العربية، لكن إسماعيل عند ولادته جاء إلى مكة وعاش مع شعب جرهم من العرب العاربة ومع أنه لا يمت أصله للعربية بصلة فواجب على كل مسلم وصفه بالعربي لأن الله قال إنه رسول مرسل من ربه إلى قومه فقال تعالى {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيئا} وفي نفس الوقت قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} وقومهم الآن هم جرهم بمعنى أن نطقه الأول بالعربية في بيئة لا يتكلم فيها إلا بالعربية جعله ذلك عربيا بالتعريف القرآني له.

 

ومن جهة أخرى فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم عربي وهو قطعا من ذرية إسماعيل الذي تعرب بلسانه فقط وأصبح ينسب هو وأولاده وجوبا إلى العرب ومعنى ذلك أن كل من لا يترجم له الكلام الشعبي العربي فهو عربي تلقائيا دون أن يمنها عليه أي أحد لأن نسب الإنسان بالأصل لا يقف دون آدم وهو ليس بعربي بمعنى أن النطق بالعربية سليقة عن طريق الأم هو الذي يجعل الشخص عربيا ودونه يكون غير عربي، فلو نسبت صبي الآن (من لحراطين) لا يتكلم إلا العربية إلى غير عربي لا ينطق العربية فسيقول لك القرآن ((أعجمي وعربي))؟

 

فمثلا إذا حضر إلينا وفد من دولة عمان في أقصى الشمال الشرقي للوطن العربي وذهبنا به إلى قرية الفلانية أو مدبوكو ودخل على بيت وسألهم هل عندكم شراب فسيفهمون ما قال و سوف لا يبحثون عن مترجم أو سألهم أين القبلة في الصلاة أو سألهم عن بيع شيء وقالوا له ثمنه بعشرة أو مائة أو ألف سيفهم الإجابة وسوف لا يبحثون عن مترجم والعكس صحيح بخلاف ما لو تكلم بأي لغة أعجمية فسوف لا يفهمونها وهكذا كيف يكون هو عربيا ولا يكونوا هم عربا، هل لسكناهم في تـلك الأرض فقط أم ماذا؟

 

فعلى الجميع أن يعرف أن اللغة هي التي تحدد الوحدة لا الأرض ولا بطاقة التعريف، فالشعوب المتفرقة في الدول ولغتها واحدة تكون كلها شريحة واحدة، فمثلا الأكراد شعب واحد مع وجودهم في عدة دول وكذلك الفلان شعب واحد مع وجودهم في أكثر الدول الإفريقية وهكذا وشعب مرتنيك يتكلم الفرنسية في كندا ولكنه فرنسي في كندا بمجرد اللغة مع أن ألوانهم سمر.

 

أما غير هذا فيمكن لأي أحد أن يتكلم به ولكن لا يكون معه الحق ولا العقل فلو نطق له العقل لأفهمه أن الظاهر الواضح لا يحتاج إلى استعمال العقـل.

 

أما قضية آثار الرق فإن هذه الكلمة أعم منها وأشمل آثار الفقر لأن محو آثار الرق لا تعنى إلا من كان مسترقا أصلا وهو قليل جدا أما آثار الفقر وسببه الجهل والعادات والتقاليد فهو العام لأكثر الشعب الموريتاني المحتاج بجميع ألوانه إلى محو آثار الفقر المدقع عنه (وبالمناسبة فهي الخصلة الوحيدة التي لم تدع هذه الحكومة أنها فعلتها في جميع تاريخها ولم يدعها أي مادح لها مع كثرة ما فعلت من غيرها للوطن) حتى أن المنشآت العامة التي أنشئت لمحو آثار الرق كان المستفيد منها بعضه لم يسبق عليه رق فالقرى وآدواب أكثرهم لم يسبق عليه رق فالأرقاء السابقون هم هؤلاء الموجودون في المدن يبحثون عن تحصيل معاشهم أو أولئك الذين ما زالوا في القرى بين أسيادهم الأصليين مكونين هم وأسيادهم التعاون اللازم بين الأهلية ولم تصل إليهم إعانة في آثار رقهم وإن كان لا يمارس عليهم رق فهم ما زالوا موجودين ومحتاجين ولا مساعدة خاصة بهم فأكبر سبب كان لآثار الرق كما قلت سابقا هي العادات والتقاليد المسببة للجهل وليست للأرقاء وحدهم بل لكل من لا تلزمه العادات والتقاليد بالتعلم بقي جاهلا إلى عهد قريب.

 

وعلى كل حال فعلى كل من يتكلم في هذه المواضيع أن يفرق بين نقل الحقيقة التاريخية الناصعة المفهومة لكل من ألقى السمع وهو شهيد أو يكتب عن فكرة نفسه و اقتـناعه لكن عليه أن يحترم فكرة وثقافة الآخرين من القراء المحللين للثقافة والفكر لكل من يدلي دلوه في الساحة الثقافية العمومية فإن ضرب بذلك عرض الحائط فليتذكر قول الله تبارك وتعالى {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.