على مدار الساعة

أوان الأذان

7 مايو, 2018 - 11:49
إسماعيل ولد الشيخ سيديا - كاتب موريتاني.

ظاهرة المؤذن الأجنبي في مساجد نواكشوط تشي بمسألتين اثنتين إحداهما انخفاض منسوب التطوع لهذه العبادة الجميلة في الأوساط الحضرية، والآخر وجود خلل تنظيمي في جرد وتعويض وصيانة المساجد والقائمين عليها لدى القطاع المعني.

 

وهو شيء ينعكس سلبا على الأذان والإقامة والتأثيث وحتى المعمار. أذان يرفع بوتائر وقتية مختلفة ومقامات صوتية متفاوتة وغرائبية لا تمت بصلة لا إلى ذائقة فنية ولا روحانية.

 

أعرف امرأة مسنة أصيبت بالإعياء والاكتئاب وارتفاع الضغط؛ لأن مؤذنا غينيا يرفع النداء من جامع محاذٍ؛ على طريقة "الهيب هوب" دون فواصل؛ واضعا الميكروفون في حلقه والمكبر على "الماكسيموم" عند نافذة غرفتها.

 

رفع الأذان تذكير خالد وعظيم للكتاب الموقوت الذي هو أحد أسرار الخلق من لدن حكيم خبير، يطرد الشياطين وينبه الغافلين وتتنزل به الرحمات؛ لكننا في مساجدنا طورنا أنفسنا وأدواتنا ولم نطور أساليبنا.

 

كان سلفنا يعتمد على جهورية صوت الرجل في المصلى لتباعد المنازل وغياب مكبرات الصوت؛ دون أن يعير المؤذن أدنى اهتمام لمقامات الأداء لأن المطلوب حينها هو الإيصال.

 

واليوم يحدث العكس؛ فقد تقاربت المنازل وتلاصقت وكثرت المساجد، وصار الأذان إعلانا وتذكيرا ونداء يتلمس فيه المسجد الرهبة والخشية وإعلان دخول الوقت.

 

من طرائف القصص المتعلقة بالأذان أن امرأة دمانية سمعت مؤذنا غير "ذاتي"، يصدح "حي على الفلاح"، فقالت له: لا تشبح ابذاك حت.

 

وكذلك أحد ظرفاء المذرذره كان نعسانا وسمع المؤذن يقول فجرا: الصلاة خير من النوم... فقال له: مانَّ امفايْشنهمْ.

 

المؤمنون المعلقة قلوبهم بالمساجد قليلا ما يكونون بحاجة للأذان، لكن الغافلين منهم مستهدفون به وإيصاله لهم يتطلب تناغما مع واقعهم الجديد.

 

أذاناتنا بحاجة لإخراجها من مجرد "إيصات" ومؤذنونا كما أئمتنا هم في أمس الحاجة لبرنامج وطني لتكوينهم وتعليمهم كيف يفتحون القلوب والأبصار بتلاواتهم ونداءاتهم.

 

يؤسفني أن أقول إن تلاواتنا وأذاناتنا ناقصة حد التنفير في معظمها، بل هي أقرب إلى هزل هزيل. فليتقوا الله في آذاننا لأنهم قوم يرتلون ويؤذنون على هواهم وخارج الأنساق.

 

المؤذن الأجنبي سوف لن يجلب سوى قوالبه النغمية التي تربى فيها، لكننا مهملون لعوالم الترنم والترتيل وكل شيء فينا جائز.

 

في نواكشوط ترى القوم في بعض المساجد يتلون بالمقامات المشرقية، وآخرين يؤذنون على الطريقة البدوية الأصيلة وقريبا سترى الأذان على الطريقة التركية والبوسنية؛ لأن هذا الفن مهمل ولأن الوقيعة المجرمة بين الفن والدين متجذرة في مجتمعنا؛ مما جعلنا نستعذب كل شيء إلا ما كان منا.

 

ما أعذب تلاوات السلف التي تخامر مقامات سيني فاقو ولكحال ولبياظ ولبتيت، لكننا الآن صرنا نستعذب تلك التي تتنفس عذوبة رغم تلبسها بالبياتي والرست والحجازي والنهاوند، لأن الفن فينا مأكول مذموم، ومن أراد أن يكون متدينا فقد ابتعد عن الفن وأهله بالضرورة.

 

في اعتقادي أن الأذان الجميل أفضل بكثير من الأذان الذي لا يضع الجمال في الواجهة، والذين صلوا ومروا بمساجد الدنيا يعون أنني لا أجانب الصواب في هذه؛ فكم من مسجد في المغرب الأقصى والأدنى والحجاز وأوروبا وإفريقيا تفوح منه التلاوة الأخاذة والعطر الفواح والأذان المسكت؛ زاره موريتانيون وأولهم رؤساء الجمهورية المتعاقبون ووزراء الشؤون الدينية قبل أن يترأسوا ويتوزروا؟

 

هي إذن أزمة مجتمعية صوتية راودتني وخالجتني كأي مسلم في هذه البلاد فأردت طرقها لعل وعسى طرقي لها يؤدي مبتغاه.