على مدار الساعة

أوتار حساسة و ظواهر مقلقة

12 مايو, 2018 - 18:31
الولي ولد سيدي هيبة ـ كاتب صحفي

سباق محموم هذه الآونة إلى خزي محاصيل نوبة عارمة من "النفاق" الذي لم يعد يحمل في استهتار مفضوح  للقيم و الأخلاق و الدين قناعا، لا تصده أو يقيده إباء النفس أو يحظره محتد فروسي أو آخر روحي، ملقى على عواهنه كأنه قصيدة شعر سائغ تكسبه جاهلية مشروعة و بطاقة مرور إلى القلوب الطاغية و نفوس الزبانية الصدئة. سباق مضماره الأول "السياسوية" الفجة المشبعة بكل صفات الإفلاس "السيباتي" في حل من كذبة الأنساب العالية و الصفات الفاضلة، يشترك فيه نخاسو السياسة و قادة الإقطاع التفاضلي و جلادو الوعظ "التديني" و غثاء الواطئة من العامية الطفيلية المبتذلة.

 

كبر و استعلاء طافحين على العامة بمنطق الغنى الفاحش و الحضور الصادم على منصة القوة العابثة، أبطالهما جيل من اليافعين المدللين الممكنين، يحملون الأسلحة بتراخيص سهلة، يعتلون أحدث السيارة الفاخرة، لا توقفهم إشارات المرور و الشرطة المرورية، يهابهم أمناء الوزارات العامون و ما تحت خطهم، و يفتح لهم الوزراء أبواب مكاتبهم مشرعة، نساء يتباهين باتساع بنايات أسواقهن الحديثة و إستراتيجية مواقع بورصات بعولتهن و إخوتهن في كل شارع من شوارع وسط العاصمة.

 

استكانة "عامية" كأنها تستسيغ، من هوان و ضعف و قلة حيلة، قدرا لا "حالة واقع" يمكن تغييره لولا بعض وضاعة و كثرة كسل النفوس المجبولة على قبول قانون السيبة.

 

و إنه على الرغم من استمرار السياسيين - داخل أغلب التشكيلات الصاخبة - في غيهم الانشطاري و سعيهم الأرعن الحثيث إلى تحقيق ذواتهم بخلفياتها الاجتماعية الماضوية و جعلهم مصالحَهم الأنانية أمام و فوق مصلحة المواطنين و منعة الدولة،

 

و على الرغم من انتكاسة عموم المثقفين و ترجلهم عن صهوات سابحات المعرفة و أجنحة صافات العلم و الحكمة و من فوق أسوار جهاد النفس المنيعة من بعد أن تبين أنهم لا يحسنون ركوبها مفضلين سهولة إتباع الأثر الدارس في رمال الضياع و التقاط الفتات من موائد الأقوياء،

 

و على الرغم من انحدار غالبية الإعلاميين ـ و أسوؤهم أكثرهم احترافا ـ إلى حضيض اللامهنية، و رديئ الإنتاجية التي تعريها شواهد الواقع، و التملق الفج الذي لا يسمن و لا يغني، و الاصطفاف الرخيص المفضوح، و التمرد الدنيئ على مواثيق و أخلاقيات مهنة الصحافة التي بينما كان العالم يحتفل بعيدها منذ أيام على وقع الانجازات الإعلامية المذهلة في الشكل البديع للصحف الملونة ولمواقع المهنية و قنوات الإذاعات و التلفزيونات الخارقة للفضاء بجودة فنياتها المبهرة و سمو مادتها المتنوعة الحرة في حدود ضوابط الحرية الصارمة و البناءة نهجا أصيلا و هدفا مرسوما بحرفية العاملين العالية فيها و تقيدهم بمواثيق شرف المهنة النبيلة، احتفلت الصحافة الموريتانية بخجل شديد على وقع الخلافات المزمنة السقيمة و على خلفية الأداء الباهت داخل أطر فنية تفتقد - إن وجدت - لرداءتها إلى المردودية، و أطر أخرى نفسية و مادية مزرية و مجحفة. و لأن الجمل لا يرى سنامه و الشجرة اعوجاجها، كما يقال، فإن المتقصي أحوالها لا بد أن يرى القوم فيها ثملين من سكر الرتبة الأولى لحرية يفتقدها عالم عربي مهزوز تطحن يومياته ديكتاتوريات من زمن ولى، و صرعى كأعجاز النخل الخاوية من ضمور مادي و معنوي و شح في ثقافة تجاوز الماضوية السلبية التي لا تعرف فيها مرادفات الإعلام و الصحافة سوى المدح و القدح... فلينظر الإنسان الصحفي من داخل و خارج أطره التنظيمية المفسلة (نقابات و روابط و تجمعات) ما تقدم يداه لبلد متخلف يسوده الجهلان: المعتقدي الصحيح و المدني الضروري.. لن يفوت على نفسه أولى لحظات التعبير الصادق الجريئ و البناء  بإعلانه بكل صراحة أنه لم يقدم بعد إلا ما يخدم البقاء وراء الركب و تصيد فتات الأيام الأممية (اليونسكو و غيرها) اللحظية الزائفة و قنوات المال و الوسائل الهائلة المسخرة لتفجير العالم و تفتيته إربا إربا كالجزيرة التي ترصد كل شرارة كير لتنفخ فيها و بعض أخواتها الخليجيات اللاتي تطاردن ببطر مفتقد الثقافة و خاسر الشعر و سقيمه... فهل نصوب بالإرادة المفعمة بالوطنية التصويب إلى المعالجات التي تحتاجها بلاد لا تنعم بغناها و قد فضلت عليه بقايا مآدب الغير، و لا يريد الكابسون فيها على أنفاسها من نخب بالاسم فاشلة و متدينين بالمظهر خداعين و مسيرين مفسدين لا يخافون الله و لا تأنيب ضمير أن نخرج كم هذا الكابوس الفظيع؟

 

و على الرغم من شطط المفسدين، من داخل البيت الحكومي، و من الأطراف الرجعية الاقطاعية الحاضرة بقوة الماضي القبلي التراتبي، و الأجنحة الشيطانية الرأسمالية من المال السهل بكل أوجه التبييض، في النهب الارتجالي المستمر، و الفساد الفوضوي التبذيري دون اهتمام بنتائجه الكارثية على الواقع المعيش، و عدم مراعاة حرمة المال العام، و الضرب عرض الحائط بوجوب صيانة حقوق المواطن و رفع شأن البلد و مراعاة عوامل قوته و منعته.

 

و على الرغم من انحسارية تفكير المواطن المغلوب على أمره ـ بنفسه الحبيسة داخل جدران التخلف و الجهل و الماضوية الأسطورية ـ في لقمة العيش الآنية بأي ثمن سوى العمل الجاد و التفكير السامي السالم من شوائب المكر التملق و الذل و الهوان...

 

فإنه من واجب الجميع، بجوهر حب الوطن الرابض في مكان ما من نفس كل مواطن، و إن غطته الأدران، أن لا يدع هذا الوطن الملاذ الأوحد المشترك يفلس على أيدي السفهاء.. إنه واجب جميع هؤلاء لأنه وحده الذي فيه خلاصهم و مستودع فلاحهم.. أولا يفعلون حتى لا يدع البلاد تفلس؟