على مدار الساعة

تبييض التطرف بين التفاؤل المفرط والتشاؤم المعوق

8 يونيو, 2018 - 00:38
عبد الفتاح ولد اعبيدن

أقدم حزب "الصواب" على خطوة كبيرة مثيرة على رأي البعض، عبر التحالف السياسي مع حركة محظورة أثارت في الأوساط المحلية والدولية الكثير من اللغط في موضوع العبودية بوجه خاص، وكان من أكثر الخطوات إثارة ما أقدم عليه "بيرام" وبعض أفراد هذه الجماعة المحظورة المسماة "إيرا" يوم أحرق الكتب في مقاطعة الرياض بنواكشوط، كتب إسلامية تعتبر جزءا من المكتبة الإسلامية بغض النظر عن ما يحتمله الرأي الفقهي من صواب أو خطإ ،فهو محصلة وقريحة عالم أو فقيه أو مجتهد، بغض النظر عن الرتبة.

 

وكان ذلك حسب الأغلب الأعم من سواد المسلمين في العالم وفي موريتانيا بوجه خاص، في غاية التعبير عن عدم احترام التراث الإسلامي.

 

وفي وقتها أثارت عملية حرق بعض الكتب الفقهية الكثير من الفتاوي والاحتجاجات في الوسط العلمي والإسلامي الموريتاني، كما عرف زعيم هذه الحركة بمبالغته في موضوع العبودية وتحريضه على جزء معين من المجتمع يسميه "البيظان"، ومحاولته الفض المستحيل على رأي البعض، بين العرب السمر والعرب الآخرين محليا. محاولا تحريض "لحراطين"، العرب السمر، لإقناعهم بأنهم شريحة لوحدهم متميزة المظالم والمعاناة وغير ذلك.

 

ومن المعلوم أن الموريتانيين سائرهم لا يمكن التمييز بينهم، فالإسلام يوحدهم والوطن يجمعهم.

 

ورغم ترحيب الكثيرين بأي خطوة إيجابية من قبل أي متطرف أو متطرفين بالجمع، لصالح التصالح مع الذات والمجتمع والتوبة إلى الله عن الإقدام على الاستخفاف بدينهم من قريب أو بعيد، إلا أن البعض يرى أن الفرق واضح بين مسعود التسعينات وحلفه لاحقا مع حزب التحالف وتجربة عبد السلام وبيرام.

 

ومحل الحذر هنا محاولة تبييض التطرف دون شروط كافية لتحقيق ذلك على الوجه الإيجابي.

 

 فمجرد تغطية وجه المجرم لأغراض معينة "القناع المؤقت"، لا يكفي لدرء خلفيته وحقيقته، التي قد يتبرأ منها مؤقتا أو يخفف من لهجتها وأسلوبها، حتى إذا وصل إلى مكان ومقام التأثير، أطلق شرارة الفتنة بقوة أكبر، على نهج "يتمسكن قبل أن يتمكن". أما مسعود وأصحابه خلاف ذلك، فثمة اعتدال وثقافة وخلفية إدارية تحترم الدولة والرأي العام "مسعود ولد بلخير والي سابق ووزير سابق".

 

أما حركة "إيرا" ،فدواعي الحذرمنها في الوقت الحالي أكثر من دواعي التحالف وغض الطرف عن خلفيتها وممارساتها ذات الطابع العنصري، التحريضي أحيانا على بعض الرموز الدينية والمجتمع "موقف بيرام معروف من بعض العلماء ووصفهم بعلماء النخاسة وحرقه للكتب وتحريضه بلغة صريحة وقحة، إعلام البيظان، مجتمع البيظان، كذا للبيظان...:كذا للبيظان...".

 

إن الكثير مما يجري في المجتمع من عمليات الشجار اليومي والكلام النابي من طرف البعض وبعض أعمال السرقة ليلا ونهارا، والقتل أحيانا، كل ذلك إن كان يرجع لعوامل متعددة، إلا أن خطاب الكراهية الذي تبناه بيرام وعبر عنه لفظيا وعمليا، هو أحد أهم أسباب الفرقة في مجتمعنا وكثير من عمليات السرقة والاعتداء اللفظي والاغتصاب، كما قلت سابقا.

 

فرجل وحركة بهذا الحجم من التطرف والحقد وتضخيم الظواهر الاجتماعية المزمنة، لا يستحق التحالف من قبل حزب عرف إلى عهد قريب بالوسطية والوعي والوطنية.

بيرام مشروع فتنة وحركة "إيرا" وسيلتها، وحزب الصواب شرعها ضمنيا.

 

فهل تكفي المصالح الحزبية مثل حالة الركود الانتخابي، الذي يعيشه حزب الصواب ،لتبرير التآمر على المجتمع ورموزه ومصالحه وعلمائه ودينه الحنيف الجامع؟.

 

بالتأكيد شتان بين التحالف مع مسعود في مرحلة سابقة ومحاذير تحالف إيرا في المرحلة الحالية.

 

وقد يكون الوقت كفيل من خلال الممارسة السياسية الميدانية بإذن الله من صقل إيرا من أدرانها، لكن مخاوف هذا التحالف المثير قد تكون أوجه وأبلج وأظهر من الإيجابيات المحتملة.

إن محاولة تبييض التطرف الفكري والسلوكي وخصوصا إذا أثبتت الوقائع والأيام أن مخاطره وارتداداته ستكون كبيرة على الدولة والمجتمع، لاشك أنه قد يكون أخطر من تبييض أموال المخدرات وغسيلها المحذور المدمر.

 

وقد يكون القصد طيبا خصوصا من طرف حزب "الصواب"، لكن الإيراويين لم يظهروا من خلال خطاب صريح تراجعا عن أسلوبهم الحاقد التحريضي المستخف بالدين أحيانا.

 وبالتالي فشروط الأمان لتحالف حزب الصواب مع هؤلاء المتطرفين إن لم أقل غائبة، فغامضة وضعيفة، وتستحق كامل التشكيك والحذر.

 

قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ"

أقول وأكرر بيرام مشروع فتنة وبعض أتباعه أخطر منه، وعندما يصلون يوما ما إلى البرلمان ومراكز القرار، ستندلع تلك الفتنة بشكل أكثر وأكبر، لا قدر الله.