على مدار الساعة

قمة نواكشوط تحول تاريخي لقضيتنا الصحراوية

4 يوليو, 2018 - 17:08
النانة لبات الرشيد - كاتبة وشاعرة صحراوية

لم تكن قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة مؤخرا بنواكشوط حدثا يشبه غيره و لا لقاءا عاديا درج قادة إفريقيا على عقده بشكل دوري اعتيادي.

 

بل كانت علامة فارقة في نص التاريخ اليومي المعاش ومحطة تحول كبرى ضجت بها مصابيح شتى،  مسحت أنوارها اللبس عن محيا ماض ملغوم بالجراح، وأضمرت أضواؤها النار في قلوب العابثين بقدر الوشائج، فبهت الذي كفر بعمقها وتأصلها.

 

كانت قمة موريتانيا وقضية الشعب الصحراوي بدون منازع، كانت قدرا ربانيا ساق الامتداد لعمقه وجمع المنابع بروافدها، فأينعت مساحات التلاقي بالمحبة الطافحة والافتخار الجم.

 

على مدار العقود الماضية راكمت الدولة الصحراوية حضورا إفريقيا وازنا وأحرزت ثباتا بينا، ألزم الأفارقة رغم فوارق التبعية والعوائق التنموية تبني قضية الشعب الصحراوي، وجعلها ضمن الأولويات القارية، كان ذلك بفضل جهود الدبلوماسية الصحراوية المنافحة عن حق شعبها والمؤمنة بمكانة قارة أفريقيا ومستقبلها.

 

وعملت الدبلوماسية الموريتانية خلال العقد الأخير على إحراز وتحقيق شأن دبلوماسي إقليمي وعالمي، تعددت فيه الساحات، وأخضعت إليها حكومات ومنظمات كانت إلى عهد قريب تنظر لموريتانيا بعين الضعف والريبة.

 

لقد اجتمع بقمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة بنواكشوط مما يعني موريتانيا والصحراء الغربية ما لم يجتمع بكل القمم السابقة، فقد كانت  القمة الأولى المنظمة بموريتانيا المستقلة منذ أكثر من نصف قرن، وكانت  أبرز تماس دبلوماسي بين موريتانيا والصحراء الغربية منذ اعترفت الأولى بالأخيرة  قبل أكثر من ثلاثة عقود، دولة معلنة باستثناءات عدة واتخذت حيالها حيادا موصوفا بالإيجاب حينا وبالسلب أحيانا أخر، كانت كذلك القمة الأولى التي تنظم ببلد مغاربي بعد انضمام المملكة المغربية للإتحاد الإفريقي، وقد غادرت الحاضنة الأم قبل عقود، احتجاجا على تبني مقعد الدولة الصحراوية، بالإضافة إلى ما تضمره مملكة التوسع والاحتلال وما تعلنه تجاه موريتانيا من مزاعم التبعية والمؤاخذات جراء مواقف الأخيرة غير الشططة حيال الشعب الصحراوي وقضيته، بالإضافة - وهذا الأهم - أنها كانت القمة الأولى التي خصص ضمن جدول أعمالها نقاش خاص ومنفصل حول القضية الصحراوية سبقته جولات المفوض الإفريقي للبلدان المعنية بالصراع الصحراوي المغربي ومن بينها طبعا موريتانيا.

 

خلال يومي القمة وما سبقهما وتلاهما من فقرات التهيئة والتنظيم، ظلت المعطيات بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة مؤشرات على أن للحدث الإفريقي ما بعده، دون أن يكون التراجع عما حقق أمرا مطروحا أو ممكنا حتى.

 

فقد حط زعيم البوليساريو وقائد حربها وسلمها رحاله ببلده الثاني معتزا باللحظة المميزة، ليكون أول رئيس صحراوي يأتي موريتانيا حاملا يقين الدولة الصحراوية، مجسدا شعار: أنها حقيقة لا رجعة فيها، مخلدا ذكرى كل الذين عبدوا طريق الأخوة هذا وسعوا بالصبر والروية على تأكيد أن موريتانيا الشقيقة الكبرى والشعبين الصحراوي والموريتاني بيضتان في عش واحد، مهما كانت متاريس السياسة وجورها.

 

وهناك، بسطت نواكشوط أذرع المودة وأشرعت أبواب ونوافذ المحبة على مصراعيها.. ولم تخفي العيون الفائضة بالترحاب ولا الكلمات الحارة الصادقة الهاربة من سور الرسميات، ما تعنيه زيارة الوفد الصحراوي من دلالات، حتى وإن جاءت ضمن حدث إفريقي تكرر ويتكرر بمناطق إفريقية مختلفة.

 

لقد قيض للصحراويين والموريتانيين ما يجمع شملهم؛ بلدين جارين وشعبين شقيقين، إذ أخرجت الفرص السانحة صورة الامتداد والتأصل الصحراويين ضمن المجتمع الموريتاني، مما لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، وما صور الاستقبال الجماهيري العفوي للرئيس إبراهيم غالي، وتواتر الوفود الشعبية لتحيته وإكرام وفادته إلا بعض دلائل ذلك.

 

وعطفا على كل ما سبق، وتأكيدا على استثنائية قمة نواكشوط، تتويج أشغال القمة بقرار تاريخي ينصف حق الشعب الصحراوي وقضيته ويؤكد اهتمام وتشبث الاتحاد الإفريقي بقراراته السابقة وعنايته بحل القضية الصحراوية، إذ صودق على تشكيل لجنة رئاسية معنية بالقضية، في حين كان القرار قاصما لظهر بعير مملكة الاحتلال المنضمة - على مضض - للحاضنة الإفريقية، واللاهثة - دون جدوى - وراء إقصاء الدولة الصحراوية وعزل قضية شعبها.

 

وعلى قدر عزم الصحراويين أتت عزائمهم، وعادوا معاقلهم مدججين بيقين النصر الآتي لا محالة، يحملون زاد الجبهات المقبلة، تحفهم تلويحات التضامن والتآزر التي كانت آخر ما ودعهم به رئيس موريتانيا الشقيقة محمد ولد عبد العزيز ورائد نهضتها الموعودة.