على مدار الساعة

قمة كسب للرهان الدبلوماسي والتنموي

6 يوليو, 2018 - 13:26
الدكتور أحمد ولد الحامد - مستشار شؤون خارجية - Ahmedouldelhamed@gmail.com​​​​​​​

تعد الدبلوماسية إحدى أهم الوسائل المستخدمة في التواصل بين الفاعلين في العلاقات الدولية، في شقيها الثنائي ومتعدد الأطراف، لأنها تروم تحقيق مصالح هؤلاء الفاعلين عبر التمثيل الدبلوماسي الرامي إلى نسج العلاقات وتعزيز ومواكبة تطورها، وخدمة المواطنين المقيمين في البلد المضيف؛ والتفاوض حول قضايا التعاون والمصالح؛ والإخبار المشروع الذي من شأنه إطلاع صناع القرار على المستوى المركزي لتحديد التوجهات الأنجع في خدمة الدولة أو المنظمة؛ والتنظيم الذي يعد ركنا أساسيا في العمل الدبلوماسي لأنه يهيئ الظروف المناسبة لإجراء التفاوض وتقريب وجهات النظر ويوجه دوائر اهتمام الفاعلين الدوليين نحون الجهة المنظمة.

 

وقد استوفت الدبلوماسية الموريتانية أهم مقومات النجاح لأنها مرت بالمراحل الطبيعية للتطور؛ بدءا بدبلوماسية التأسيس مع الراحل المختار ولد داداه وانتهاء بدبلوماسية المبادرة التي كللت في السنوات الأخيرة بعدة إنجازات مكنتها من تجاوز مرحلة إقناع الآخرين بحقيقة موقع ومكانة موريتانيا كهمزة وصل بين العالمين العربي والإفريقي إلى مرحلة الفعل الدبلوماسي المنتظم والواعي المراعي لحجم التحديات الاقتصادية والسياسية والتنموية والأمنية، والمرتكز على عنصر المبادرة والتفاعل الإيجابي.

 

لقد تجسد حضور موريتانيا برئاستها للإتحاد الإفريقي وفي تنظيمها لفعاليات مسار نواكشوط سنة 2013 الذي سعى في تعزيز التعاون الأمني، وأسفر عن تفعيل جاهزية الهيئة الإفريقية للسلم والأمن في منطقة الساحل والصحراء؛ مسهما في تحرير شمال مالي وإطلاق المفاوضات بين الأطراف المالية مما أسفر عن حل شامل ونهائي ونجاح الأطراف البوركينابية في إرساء مرحلة انتقالية تشاركية، فضلا عن تقديم موريتانيا لمقاربة أمنية مرتكزة على الحوار والتدخل العسكري المعد له بعناية، كما ترجم في تزايد عدد البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى بلادنا في الآونة الأخيرة؛

 

وتتالت تجليات حضور الدبلوماسية الموريتانية في احتضان موريتانيا للأمانة العامة لمجموعة دول الساحل؛ وتنظيم القمة العربية بنواكشوط، وما واكبها من تطورات إقليمية ودولية تميز فيها موقف موريتانيا بالاعتدال والصرامة والعقلانية.

 

واليوم استضافت بلادنا قمة الاتحاد الإفريقي في دورتها الواحدة والثلاثين؛ فكان لموريتانيا شرف الاحتضان لقمة تطرقت لقضايا بالغة الأهمية؛ كإنشاء السوق الأفريقية الموحدة للنقل الجوي لشركات الطيران الإفريقية في إطار أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، وتعيين مناصرين إقليميين للسوق الإفريقية الموحدة، وإلغاء الدول الأعضاء لأي أحكام في اتفاقياتها الثنائية حول الخدمات الجوية تتنافي مع أحكام مقرر ياموسوكرو، فور تفعيلها، وحث كافة الشركاء الإنمائيين للاعتراف بالسوق الإفريقية الموحدة ودعم تفعيلها السلس بموجب هذه الأجندة؛ كما تخللت القمة دعوة المشاركين الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لبدء مفاوضات المرحلة الثانية والاستمرار في أنشطة توعية أصحاب المصلحة على المستوى الوطني، حتى يتسنى وعي مواطني البلدان الأفريقية بالكامل ويمتلكون عملية إنشاء منطقة التجارة الإفريقية الحرة القارية.

 

وقد حث المشاركون على التسريع بالوفاء بالتزامات ملابو في إطار البرنامج الإفريقي الشامل للتنمية الزراعية في إفريقيا من أجل التعجيل بالتحول الزراعي في إفريقيا من خلال آلية الاستعراض كل سنتين، كما عرض أمام المشاركين تقرير الاجتماع الافتتاحي للجنة رؤساء الدول والحكومات العشرة المناصرين للتعليم والعلوم والتكنولوجيا، وموقف الاتحاد من بعض القضايا فضلا عن استعراض وتقرير مجلس السلم والأمن عن أنشطته ووضع السلم والأمن في إفريقيا؛

 

وقد أكد المجتمعون على أن الإرهاب والتطرف العنيف لا يزالان يمثلان أخطر تهديد للسلام والأمن والاستقرار في إفريقيا، وعبروا عن الشجب بقوة الهجمات الإرهابية التي ارتكبت في إفريقيا، كما تم تجديد إدانة الإرهاب بجميع أشكاله. وفي هذا الصدد، رحب المجتمعون بجميع الجهود المبذولة في القارة لمكافحة هذه الظاهرة مشيدين بدور نواكشوط في محاربة الإرهاب والتطرف، وفي سياق متصل تناول المجتمعون التقرير الثاني لمجلس السلم والأمن للدول وتقرير الاتحاد الإفريقي حول تنفيذ خارطة الطريق الرئيسية للاتحاد الإفريقي حول الخطوات العملية لإسكات البنادق في أفريقيا بحلول عام 2020.

 

كما تناولت القمة مراحل التقدم المحرز فيما يتعلق بصحة الأمهات والأطفال والرضع ومبادرة قادة إفريقيا في مجال التغذية وموقف المفوضية في تنفيذ الإعلان الرسمي حول المساواة بين الجنسين في إفريقيا، كما تناولوا مراحل تقدم أنشطة آلية الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (النيباد(، وسبل الإصلاح المؤسسي للإتحاد الإفريقي.

 

كما تناولت اللقاءات تدارس الوضع في فلسطين والشرق الأوسط، ولم تغب الشخصيات التاريخية عن المجتمعين حيث خلد المجتمعون الذكرى المائوية لميلاد نيلسون مانديلا، كما تناولوا أيضا موضوع إدارة الإنترنت وتنمية الاقتصاد الرقمي في إفريقيا وعبروا عن وعيهم بدور الأنترنت كأداة أساسية وقوة دينامية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وحثوا تسيير أمثل لها.

 

وفضلا عن كون موريتانيا نالت شرف الاحتضان فإن هذه القمة شكلت رافعة تنموية بالنسبة لموريتانيا في عدة تجليات؛ أهمها أن تهيئة ظروف تنظيمها في وقت قياسي، مثل كسبا الرهان الدبلوماسي لدولة حديثة الحضور في محفل المبادرات في العلاقات الدولية؛ وكسبا أيضا للرهان التنموي مما جعلها دافعا للفاعلين في القطاع الخاص والعام لبذل جهود مضاعفة على مستوى الاستقبال وإنشاء البنية التحتية وصيانتها لمواكبة الحدث فضلا عن كون البنية التي بنيت ستحث رجال الأعمال على بناء منشئات وفنادق وفتح وكالات جديدة للنقل أكثر انتظاما وتطورا لتغطية متطلبات مركز المؤتمرات المرابطون الذي شيد بإتقان، أشاد به الضيوف.