على مدار الساعة

الظهور

11 يوليو, 2018 - 02:31
عبد الرحمن ودادي

"الظهور" مصطلح وأسلوب حياة أفرزته عقود من سيطرة التفاهة وسيادة القيم الاستهلاكية ويتجلى بالتعلق بالأشكال الخارجية على حساب الحقائق ومحاولة إبهار الآخرين بمظاهر تخفي البؤس الداخلي.

 

تراه في الرجل الذي لا يتردد في هدر كراماته باستجداء الناس أو تحمل الديون الفادحة بل وحتى كتابة الشيكات بدون رصيد مقابل الحصول على مظهر فاخر يتباهى به أمام الملأ ويحاول أن يبحث عن احترامه المفقود لنفسه في نظرات الإعجاب والانبهار التي يعكسها الشكل الزائف في عيون بعض التافهين من أمثاله، ومعظم ضحايا المرابين "شبيكو" في السجون الموريتانية من هذه العينة.

 

تجد الظاهرة في المرأة منعدمة التربية التي لا تتردد في إرهاق زوجها بديون فادحة أو حتى بيع بناتها لأزواج مترفين في مقابل إقامة حفلات باذخة أو شراء صالون فخم أو حلية ذهبية "تظهر بها" على فلانة أو تغيظ علانة.

 

تراه جليا في بائعات الهوى اللواتي يبذلن أجسادهن وإنسانيتهن ويعرضن أنفسهن للأيدز في سبيل أموال تتيح لهن شراء ثوب فاخر أو حقيبة جلدية تحمل ماركة عالمية أو عشاء في مطعم باذخ ليبهرن أخريات أو يلفتن نظر آخرين.

 

المأساة ليست فقط في انتشار هذه القيم السطحية بشكل كبير في المجتمع، بل الأدهى والأمر أن يتحول "الظهور" إلى سياسة رسمية ونهج حكم ومدرسة لإدارة الشأن العام تهدر فيه مقدرات أحد أفقر شعوب الأرض.

 

صرف ولد عبد العزيز تسعة عشر مليار أوقية في قصر المؤتمرات الجديد وستة مليارات في إضافة مهجع للطائرات وعشر مليارات في تزين المدينة وسبع مليارات في المصاريف المتفرقة لاستضافة القمة الإفريقية ليومين.

 

42 مليارا ليمارس ولد عبد العزيز "الظهور" وهو الذي يقود أحدى أعلى دول العالم وفيات للأطفال 12987 سنويا(1)، أي ما يقارب سكان مدينة كتجكجة، بسبب غياب القابلات والمستشفيات والأطباء وعدم تعميم التلقيح من الأمراض الخطيرة.

 

42 مليارا قادرة على بناء 6 مستشفيات بحجم مستشفى كيفة الجديد(2) الذي قدمته الصين كهدية بتكلفة 6.5 مليار ويتسع لـ155 سريرا ويعمل به طاقم من 200 شخص، كما يحل المبلغ تماما مشكلة غياب المعدات الضرورية في الحالات المستعجلة بما فيها الحقن والقفازات ومواد التعقيم والأدوية الرئيسية وترفع مرتبات الأطباء للمعدلات المقبولة ليتمكنوا من إنقاذ الأرواح.

 

نفس المبلغ يكفي لتلقيح 1.9 مليون طفل عن الأمراض الفتاكة حسب معايير منظمة الصحة العالمية(3) مما قد يخفف من وباء الكبد الفيروسي الذي يصيب حوالي ربع عدد السكان(4) وجل الأوبئة التي تحصد المواطنين ويوفر نفس المبلغ منحة من 90 ألف أوقية شهريا لمدة 8 سنوات لـ5250 طبيبا للدراسة في الخارج ويمكن إن استثمرت محليا أن تخرج أضعاف هذا العدد مما يوصل موريتانيا للمعدلات المقبولة عالميا.

 

إذا اخترنا الصرف على البنى التحتية بحساب 120 مليونا للكيلومتر فسنجد المبلغ كفيلا بترميم 350 كلم من الطرقات وهو ما يحل مشكلة مقطع الدموع والدماء "نواكشوط ـ بوتيلميت" إضافة إلى كل طريق "نواكشوط ـ روصو" الخرب.

 

استثمار 42 مليارا في استصلاح الأراضي الزراعية قياسا على مزرعة "انتيك"(5) في روصو التي كلف فيها الهكتار الواحد مع تجهيزات الري 4 ملايين أوقية فسنجده قادرا على جعل 10.500 هكتار جاهزة للبدء في الزراعة وهو ما يكفل العمل لآلاف العاطلين وقادر على سد العجز في استيراد الأرز وقطعا يتكفل المبلغ بحل مشكلة الأعلاف التي قضى غيابها وغلائها الفاحش على عدد هائل من ثروتنا الحيوانية.

 

أما إذا صرفنا المبلغ على استيراد سيارات أجرة جديدة وتوزيعها على العاطلين بمعدل 5 ملايين للسيارة فسنوفر 8400 سيارة جديدة تشغل ضعف عمال شركة المعادن "سنيم" وإذا استوردنا بها باصات للنقل بمعدل 12 مليونا فسنوفر 3500 باص قادرة على حل مشكلة النقل في نواكشوط وتشغيل 7000 عاطل عن العمل.

 

لا شك أن قيمة "الظهور" التي تحكم عقلية ولد عبد العزيز ممزوجة بفساد فاضح وهو ما يتبين في كون صفقات القمة تمت بالتراضي.

 

السؤال الذي يطرح نفسه، ترى هل شاهد ولد عبد العزيز الانبهار من هذه المنشآت في عيون رئيس السنغال؟ أم رئيس ساحل العاج؟ أم بول كاغامي صاحب النهضة العجيبة في روندا، أم محمد بخاري رئيس نيجيريا أو الرئيس الفرنسي ماكرون؟ وهل أحس بأنه راض عن نفسه بعد هذه الاستثمارات المهولة في "الظهور عليهم"؟!

 

ــــــــــــــــــــــ

(1) - وفيات الأطفال في موريتانيا

(2) - معلومات عن مستشفى كيفة

(3) - معلومات عن تكلفة التلقيح

(4) - نسبة الإصابة بالكبد الوبائي

(5) - معلومات عن استصلاح مزرعة انتيك